العميد الطيراوي: الحملة الإسرائيلية ضدي بدأت في عام 1996 عندما لاحقنا سماسرة الأرض والعملاء

مدير المخابرات الفلسطينية في الضفة لـ«الشرق الأوسط»: أعارض العمليات ضد المدنيين الإسرائيليين كما أعارضها ضد المدنيين الفلسطينيين

TT

على رأس القائمة الاسرائيلية للمطلوبين الفلسطينيين للاعتقال وربما للاغتيال تقف شخصية فلسطينية قرب اسمها علامة حمراء سميكة والى جانبها الرقم واحد، اشارة الى كونه «المطلوب رقم واحد». انه العميد توفيق الطيراوي، مدير المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية. من يريد برهانا على ان الشرط الذي تضعه اسرائيل لتحرير المحادثات السياسية من اسرها هو اجراء اصلاحات في جهاز الامن وشفافية في النشاط الاقتصادي، ما هو الا شرط تعجيزي وان الحكومة الاسرائيلية الحالية لا يهمها ان تكون السلطة الفلسطينية نظام حكم نقيا وديمقراطيا، فان المطالبة الاسرائيلية برأس الطيراوي هي البرهان القاطع. فالجهاز الذي يقوده الطيراوي ليس ملوثاً بالفساد، كما تعترف بذلك اسرائيل ايضا. والرجل نفسه، رغم انه عاش قبل الاحتلال في الضفة الغربية، لا يملك بيتاً او اية عقارات ويعيش وعائلته الصغرى في بيت عادي مستأجر وجهازه اكتشف مخبأ قاتلي الوزير الاسرائيلي، رحبعام زئيفي، واعتقلهم. والطيراوي يقول بوضوح انه يعارض العمليات المسلحة ضد المدنيين الاسرائيليين تماما كما يعارض العمليات الاسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.

ورغم كل ذلك، فان اسرائيل تلاحقه وتتحين فرصة المساس به، حتى وهو في حصاره داخل مقر الرئاسة الذي لم يبرحه طيلة الحصار الذي لا يزال قائما. وهو يعرف اسباب هذه الملاحقة جيدا، وانه ليس صدفة. ومعرفته هذه نابعة من قراءته الدائمة للخارطة السياسية في اسرائيل ومعرفته الشخصية للجنرالات في قيادة الجيش والمخابرات الاسرائيلية، فرداً فرداً، فقد امضى ساعات طويلة معهم على طاولة المفاوضات. وعرفهم جيدا كما عرفوه جيدا.

وانتهزت «الشرق الأوسط» فرصة وجودها في مقر الرئاسة الفلسطينية المحاصر، وأجرت حواراً مطولاً مع العميد الطيراوي.

كان السؤال الاول حول وظيفة المخابرات الفلسطينية والفارق بينها وبين الاجهزة الاخرى.

ـ وظيفتها الاساسية حماية الوطن والمواطن وصيانة ارض الوطن من سماسرة الارض وحماية امن الدولة ومكافحة اي مساس بالتزاماتها واتفاقياتها الدولية ومجابهة محاولات التخابر مع اية جهة خارجية.

* مثل اسرائيل؟

ـ اسرائيل وغيرها، فالهدف هو منع اية اضرار في المصلحة الفلسطينية وحماية المجتمع من اية فئة تعرض الأمن للخطر.

* هذا كلام يقوله كل قائد مخابرات، فلندخل في المهمات العينية، هل من واجب المخابرات الفلسطينية ايضا منع العمليات الفلسطينية التفجيرية داخل اسرائيل؟

ـ اجل. فكل ما يمس بالاتفاقيات لنا دور بمواجهته. ولكننا نفعل ذلك من باب رؤية مصلحة الوطن وليس كما تعرضه وتريده اسرائيل.

* ما هو القصد من ذلك؟ إذا كانت المخابرات تعمل لمكافحة العمليات ضد اسرائيل، لماذا تحاربكم اسرائيل اذن؟

ـ لأن القيادة اليمينية الاسرائيلية الحاكمة حالياً لا تريد ان نقوم بمهماتنا هذه من باب الحرص على مصالحنا الوطنية. انها تريدنا موظفين لديها، نعمل على هواها. وهذا غير ممكن.

* على اي شيء الخلاف؟

ـ هذه القيادة وضعت نصب اعينها تحطيم السلطة الفلسطينية وليس وقف العمليات والعنف. وهي تخلق الذرائع لتمارس عدوانها علينا. ولا تنطلق من منطلق الحفاظ على الاتفاقيات الموقعة، بل تريد اجهاض هذه الاتفاقيات، لذلك نراها تدوسها.

* هذا اتهام خطير، بكلمات اخرى انت تقول ان الهدف الاسرائيلي ليس منع العمليات؟

ـ انا اقول ان حكومة (ارييل) شارون تبادر الى العنف والصدام الدامي وليست معنية بالهدوء، لكي لا تدفع التزاماتها للسلام المنشود، بكل ما يعني هذا من اخطار.

* قبل ان نواصل حول علاقاتكم بالاسرائيليين، دعنا نتعرف على عمل المخابرات اكثر. قلت ان من مهماتكم مواجهة التخابر مع اطراف اخرى وليس فقط اسرائيل. هل تقصد الدول العربية مثلا؟

ـ اقصد الاطراف الاخرى بكل معنى الكلمة.

* هل توجد دول عربية تتجسس على السلطة الفلسطينية؟

ـ المخابرات عالم مفتوح وواسع جدا، لا توجد دولة لا تتعاطى مع موضوع التخابر. وهذا لا يعني بالضرورة التجسس بالمفهوم التقليدي فهناك اهداف اكثر تواضعا. فالدول ذات المصالح تحاول ان تكون على بيِّنة ازاء الدول الاخرى.

* لنكن عينيين اكثر. اي دول تحاول ان تكون على بينة من الاوضاع الفلسطينية الداخلية، لدرجة استخدام جواسيس؟

ـ دول كثيرة جدا.

* عربية؟

ـ دول كثيرة من دون تسمية.

* ماذا يريدون ان يعرفوا؟

ـ الكثير من الاشياء داخل السلطة وحول اجهزتها وشخصياتها، من يؤيد المسيرة السلمية، ومن يعارضها، ما هو حال المعارضة والتيارات المتطرفة وكيف يتم التعامل معها وهكذا..

* انت تبدو متفهماً لهذا النشاط؟

ـ انا واقعي واقرأ الخارطة.

* وهل تقاوم المخابرات الفلسطينية التي تقودها هذا النشاط؟ هل ترد عليه بالتجسس المضاد على تلك الدول؟

ـ ان 90% من المعلومات التي تفتش عنها المخابرات عموما هي معلومات علنية ولا تحتاج الى تجسس. ثم ان جهازنا نحن ما زال ناشئاً واهدافه متواضعة. فلا تتوقعا منا ان نتجسس على فرنسا مثلا.

* عن فرنسا. سنسألك عن..

ـ لا تسألاني عن اسماء وتفاصيل، طبعا. ان مهماتنا الاساسية تتعلق بوطننا وبأمنه الداخلي وليس بالتجسس على الآخرين.

* لكنكم ضبطتم جواسيس فلسطينيين يعملون لصالح قوى خارجية مثل اسرائيل.

ـ بالطبع.

* ماذا فعلتم بهم؟

ـ احلناهم الى القضاء بالطبع لمحاكمتهم، بعد ان قمنا بالتحقيق معهم.

* ألم يقتل في سجون المخابرات احد تحت التعذيب؟

ـ للأسف، مات في سجوننا ثلاثة معتقلين في البدايات. وقمنا بتحويل الفاعلين الى القضاء.

* والتعذيب؟

ـ في بداية عملنا وقعت اخطاء في جهازنا وكانت تلك اخطاء فردية ولم يكن التعذيب سياسة نمارسها. وقد عالجنا هذه الحالات بالتوعية. وحاسبنا كل من قام بممارسة التعذيب الجسدي او النفسي ضد المعتقلين.

* قتل حوالي عشرين فلسطينيا تحت التعذيب في المعتقلات التابعة للسلطة الفلسطينية خلال السنوات التسع.. فهل قتلوا في سجون تابعة لاجهزة اخرى وليس المخابرات؟

ـ على حد علمي فان هذا الرقم ليس دقيقا. والاهم ان كل تلك الحوادث المؤسفة كانت حالات شاذة ناجمة عن ممارسات خاطئة قامت السلطة بمكافحتها وبمحاسبة المسؤولين عنها وتوعية المسؤولين للتخلي عنها.

* الإصلاحات في الأجهزة الأمنية

* عدد الاجهزة الامنية في السلطة الفلسطينية كبير جدا. وصلاحياتها متداخلة. أليس كذلك؟

ـ بلى. لكن هذا الواقع يميز فترة البدايات فقط فاليوم لا يوجد تداخل. والصلاحيات واضحة. ومع ذلك فان هناك اصلاحات من شأنها ان تحسن الوضع.

* هل انت تؤيد هذه الاصلاحات؟

ـ بالطبع.

* نريد ان نعرف ما هي حقيقة هذه الاصلاحات وما هو مدى جديتها. ولكي نعرف ذلك علينا ان نفهم ما هو التقسيم القائم اليوم، وكيف سيكون بعد الاصلاحات؟

ـ الاصلاحات تأتي لتوحد معظم الاجهزة الامنية القائمة حاليا تحت لواء وزارة الداخلية وهي: جهاز الامن الوقائي، وهو عمليا جهاز الامن الداخلي المختص بمكافحة الارهاب، الشرطة المدنية المسؤولة عن الامن الجنائي والسير والدفاع المدني.

ويبقى خارج هذا الاطار جهاز الامن الوطني الذي تم ضم الاستخبارات العسكرية له. وهناك ايضا جهازا المخابرات العامة والحرس الرئاسي، ويتبعان مباشرة للرئيس.

* وما هو الفرق بين المخابرات والأمن الوقائي؟ فكلاهما مهتم بأمن الوطن الداخلي.

ـ المخابرات تهتم بموضوع الامن الداخلي وتهتم بموضوع الاراضي لمنع السمسرة بها لجهات خارجية كجزء من حماية الوطن، وبالأمن الخارجي ايضا. والامن الوقائي مختص بالامن الداخلي فحسب.

* وهل هذا الترتيب الجديد مقبول لدى تلك الدول التي تطالبكم بالاصلاحات الامنية مثل الولايات المتحدة ومصر واوروبا؟

ـ الاصلاحات هي فكرة فلسطينية بالاصل ورغبة فلسطينية. وقد بدأنا بدراستها من خلال الاطلاع على تجارب الاصدقاء والاشقاء والدول الاخرى. ومن هنا كان تنسيق وتفاهم.

* واسرائيل؟

ـ ليس من حق اسرائيل ان تفرض علينا اسلوب عمل في اي مجال. ولكننا درسنا ايضا التجربة الاسرائيلية من دون اي التزام. وبالمناسبة، فان عدد الاجهزة الامنية الاسرائيلية وحجمها اكبر بكثير ليس فقط من اجهزتنا بل من معظم الاجهزة الامنية في العالم.

* لماذا تطلبك إسرائيل

* هل يوجد لديك تفسير حول حقيقة انك مطلوب لاسرائيل، رغم انك بعيد عن المواصفات التي تحددها السلطات الاسرائيلية للمطلوبين؟

ـ انا صناعة فلسطينية ولست صناعة اميركية او اسرائيلية اتصرف من خلال رؤيتي المصلحة الفلسطينية في كل القضايا. لا اسمح لأحد ان يعتدي على وطني وارضي وشعبي موقفي واضح ومعروف. ارفض التدجين الاسرائيلي.

* لكن هذه الصفات، من المفروض ان تميز كل القادة الفلسطينيين. ولو سألنا كل قادة الاجهزة الامنية الفلسطينية لكانوا تحدثوا عن انفسهم بنفس اللهجة. فلماذا انت بالذات تطالب اسرائيل باعتقالك وربما اغتيالك، بينما لا تطالب باعتقال بقية قادة الاجهزة الأمنية؟

ـ لا اريد ان يقاس اي قائد فلسطيني بالمقاييس الاسرائيلية. هناك قادة آخرون غيري مطلوبون ايضا. ولست ممن يشكك في زملائي الآخرين بسبب عدم طرح اسمائهم في قائمة المطلوبين.

* اذن، لماذا انت بالذات؟

ـ الحملة ضدي بدأت منذ سنة 1996. ففي حينه سحبوا مني تأشيرة الـVIP (التي منحت للشخصيات القيادية الفلسطينية وأتيح لحاملها ان يتحرك بحرية على المعابر والحواجز). وكان السبب في ذلك ان جهاز المخابرات لاحق سماسرة الارض الذين حاولوا بيع اراض فلسطينية لمنظمات يمينية واستيطانية يهودية لأغراض استيطانية. كما ان جهازنا لاحق العملاء وكشف عن 90% منهم واعتقلهم وقدمهم الى المحاكمة. وفي فترة الانتفاضة بالذات، قام جهازنا بكشف العديد من العملاء، الذين قدموا المساعدة لقوات الاحتلال في جرائم اغتيال عدد من الشخصيات والنشطاء الفلسطينيين، مثل الدكتور ثابت ثابت (أمين سر فتح) في طولكرم. وخلال جلسات التفاوض كان جهازنا يحرج الاسرائيليين، فعندما يطرحون امامنا قائمة من 40 فلسطينياً يسمونهم ارهابيين مطلوبين كنا نطرح بالمقابل قائمة من 40 ارهابياً يهودياً من المستوطنين. فالاسرائيليون لا يطيقون ان تطرح امامهم ما يحرجهم، او ما يجعلك امامهم نداً مقابل ند. ولكن، ارجوكما مرة اخرى، فالجيش الاسرائيلي اطلق الرصاص على قائد المخابرات العامة في فلسطين، الاخ امين الهندي، وقائد الامن الوقائي في غزة، الاخ محمد دحلان، واطلق الرصاص على بيت القائد السابق لجهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية، الاخ جبريل رجوب.

* ألست مطلوبا بسبب علاقاتك الوطيدة بكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة «فتح»؟

ـ هذه ادعاءات اسرائيلية غير صحيحة.

* ألا توجد لك او لجهاز المخابرات اية علاقة بكتائب شهداء الاقصى؟

ـ ان جزءاً من كادر المخابرات الفلسطينية جاءوا من تنظيم «فتح» وهذا ليس سراً. لكن عناصر المخابرات تعمل في جهاز المخابرات لخدمة اهدافه الاساسية في الحفاظ على الامن الفلسطيني وكرامة المواطن الفلسطيني. وبحكم هذه المسؤولية نراقب مختلف النشاطات ونرصد المخالفات.

* هل يوجد لديك موقف مبدئي معارض بجد للعمليات التفجيرية ضد المدنيين الاسرائيليين؟

ـ بالتأكيد، ضد كل العمليات التي يروح ضحيتها مدنيون اسرائيليون وفلسطينيون.

* بشكل قاطع وبلا استثناء؟

ـ بالطبع.

* الا يعرف الاسرائيليون انك تحمل هذا الموقف؟

ـ انا لا اطرح هذا الموقف لكي يسمعه الاسرائيليون او غيرهم. انما اطرح قناعتي المبدئية. فهذه العمليات تضر بالمصالح الفلسطينية.

* اذن، لماذا لا تمنعونها؟

ـ اسرائيل تسيطر عسكريا، اليوم، على كل الضفة الغربية. فلماذا لا تمنع العمليات؟ فهي تملك جيشا يعتبر الخامس من حيث قوته في العالم. ولديها احدث وسائل وأجهزة الأمن والمراقبة. فهل نستنتج انها معنية بهذه العمليات؟ ثم كيف لنا ان ننجح نحن فيما تفشل اسرائيل فيه، وهي التي تسعى لتحطيم السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية ومقراتها وتلاحق قادتها؟

* إلى جانب أبو عمار

* طيلة الحصار نجدك ملازماً للرئيس أبو عمار. فلماذا اخترت هذا الموقع، وقد علمنا انك في بداية الحصار لم تكن معه. ودخلت الى مقره بعملية عسكرية خاطرت فيها بحياتك؟

ـ لأنني يجب ان اكون الى جانب الرئيس في هذا الظرف. فهذه مسؤولية امنية ووطنية واخلاقية.

* ولكن للرئيس جهاز امن رئاسي خاص وحمايته ليست من وظيفة المخابرات. فهل هو الاخلاص الشخصي؟

ـ ابو عمار هو رمزنا وقائدنا يتعامل معنا كوالد اكثر من كونه قائدا سياسيا وعسكريا. لو أتيح لكما مشاهدته خلال الحصار كيف كان يتعامل مع الضباط والجنود والضيوف. لقد ساهم في تضميد الجراح للمصابين. وكان في الليل يدور على الشبان يطمئن على احوالهم ويغطي النائمين منهم بالبطانيات. كان يأكل دائما آخر واحد، واقل واحد. وكان آخر من يشرب الماء ويكتفي بالقليل. 20 يوما مرت علينا من دون ان نزود في الماء. كان ابو عمار نموذجا في التواضع والتضحية والتفاني. فهل كثير عليه ان نلتف حوله ونعايشه في هذه الظروف؟

* حدثنا عن فترة الحصار هذه. هل كان هناك جوع فعلاً؟

ـ كان هناك نقص جدي وخطير في الماء والغذاء. تقاسمنا لقمة الخبز وكأس الماء فعلا. لكن الاخطر من هذا كان الوضع الصحي داخل الحصار، هل تتصوران وضعا يكون فيه النقص شديدا في مياه الشرب، فكيف ننظف المراحيض؟ لو توفر لدينا الطعام في حينه، كنا نقلل من تناوله لكي نقلل من دخول المراحيض. لقد مرت علينا الـ15 يوما الاولى من الحصار، من دون ان يتمكن احد من الاستحمام. وفي اليوم السادس عشر كنا نستحم «تيمماً»، بواسطة اسفنجة نبللها بالماء ونمسح اجسادنا، ولا ابالغ ان قلت لكما انه لو طال الحصار الاول اكثر لكانت انتشرت بيننا الأمراض.

* كم كان عدد المحاصرين؟

ـ ليس من الجائز لنا تحديد الرقم الدقيق.

* عشرات، مئات..؟

ـ مئات.

* وهل صحيح ان جيش الاحتلال كان على شفا اقتحام المقر الذي كنتم فيه؟

ـ لقد قصفوا وهدموا معظم الابنية من حولنا، بما في ذلك اجزاء كبيرة من مقر الرئيس نفسه. وكانوا ينفذون الهدم بواسطة المتفجرات التي زرعوها كالحزام حول الابنية.

* ألم تخافوا؟

ـ الانسان العاقل يخاف بالطبع. ولكن لا يرتعب. والشعور السائد لدينا كان الشعور بالتحدي. وأبو عمار ادى دورا اساسيا في سيطرة هذا الشعور، لأنه كان النموذج في ذلك.

* هل صحيح ان ضابطا اسرائيليا دخل الممر والتقى وجهاً لوجه مع ابو عمار، فأشهر الرئيس عرفات مسدسه مهدداً ذلك الضابط.

ـ لا. هذه قصة مختلقة.

* قوانين الحرب والأخلاق

* انت فقدت والدك خلال الحصار وحرمت من اجراء مراسم الدفن التقليدية. وحرمت حتى من وداع ابنك المعوق، الذي سافر الى الخارج مع والدته لاجراء عملية جراحية لمعالجة اصاباته في حادث طريق. هل هذا صحيح؟

ـ كنت قد احضرت والدي الى رام الله من اريحا للعلاج. فتوفي بعد ثلاثة ايام من دون ان اتمكن من معالجته. وأردت ان يدفن في اريحا، حيث تعيش والدتي. فمنع الاحتلال ذلك. وقصة ولدي صحيحة طبعاً.

* هل تفهم ولدك، وعمره 11 عاما فقط، هذا الواقع؟ كيف تعامل معه؟

ـ لقد ادخلوه الي بسرية في المقاطعة رغم الحصار وأفهمته الوضع قدر الامكان. وهو غاضب على الاحتلال بالطبع. ولكنه يسأل عن صحتي وصحة ابو عمار.

* سمعناك تكلمه بالهاتف وتقول له انك تحبه. فهل يحسب انك لست الى جانبه لأنك لا تحبه؟

ـ انه طفل. في بعض الاحيان تجده يتفهم. فهو نفسه تعرض لتصرف عدواني من الاحتلال، عندما داهم الجنود بيتي وفتشوه وامسكوا بولدي المعوق وقالوا له انهم سيؤذونني. وخرج من هذه التجربة يكره الاحتلال لكنه في احيان اخرى لا يقبل ان اكون بعيداً عنه عدة اشهر، خصوصاً انني قريب منه في نفس المدينة ولا استطيع الوصول اليه.

* وكيف تصف هذا التصرف الاسرائيلي؟

ـ يقولون ان للحرب قوانينها القاسية. ولكن الجيش الاسرائيلي لا يعرف معنى شرف السلاح. ان هذه التصرفات غير اخلاقية. ولكن، ما بالكما تركزان على حالتي الشخصية؟ ان الاحتلال يضايق كل ابناء شعبي ويرتكب بحقنا جميعا الجرائم وليس فقط ضد عائلتي.

* الإصلاحات والمستقبل

* قلت انك تؤيد مشروع الاصلاحات في السلطة الوطنية. أفلا ترى ان فرض هذه الاصلاحات من الخارج يضعفها ويمس في اهدافها؟

ـ الاصلاحات هي مطلب فلسطيني قديم لا علاقة له باسرائيل او بالولايات المتحدة او اية جهة اخرى. وقد طرحه الرئيس ابو عمار ومن مصلحتنا الوطنية العليا ان نصحح مسارنا باستمرار.

* هذا المسار لم يدل حتى الآن على انكم وصلتم الى دولة ديمقراطية شفافة؟

ـ وضعنا، ديمقراطياً، افضل من وضع بقية الدول العربية.

* ولماذا المقارنة مع الدول العربية؟

ـ لاننا جزء من العالم العربي. ولا نرى ديمقراطيتنا في هذه المرحلة تقارن مع ديمقراطية فرنسا وسويسرا.

* ولم لا يكون الطموح بديمقراطية كهذه.

ـ الطموح نعم. وكذلك الهدف. ولكن الديمقراطية ليست اطارا فحسب، انها مسيرة ينبغي ان يتم غرسها عميقا جدا في المفاهيم والوعي والقناعات وبالتالي تطبيقها رويدا رويدا. هذا ما اؤمن به بصراحة. وهذا ما ارى انه يتجاوب مع واقع شعبنا ومصالحه. والاحتلال يعرقل هذه المسيرة بشدة ويشكل عقبة كأداء امامها.

فلسطين بعد 10 سنين

* هل يوجد تصور لدى توفيق الطيراوي حول فلسطين بعد 10 سنين؟

ـ دعنا نتمنى اولا ان نكون احياء بعد 10 سنين.

* تقول هذا للمزاح، ام لأن حياتك في خطر، طالما الاحتلال يحاصر المقاطعة؟

ـ الأعمار بيد الله، أليس كذلك؟

ـ ومع هذا، نريد معرفة تصورك لهذه الدولة بعد 10 سنين فهل انت متفائل؟ متشائم؟

ـ اتصورها ذات حركة عمرانية نشطة جدا واقتصاد مزدهر. اتخيل اننا سنصدر قوى عاملة الى الخارج لتشجيع قدوم العملة الصعبة. عندي امل ولدي ثقة كبيرة بشعبي، الذي ساهم في بناء الكثير من دول العالم، من اميركا اللاتينية الى افريقيا، ان يأخذ دوره في بناء وطنه وتعمير دولته.

* وأين سيكون موقع توفيق الطيراوي في دولة كهذه؟

ـ في منزله، مزارع متواضع، يحب الارض والتراب ويغرس الاشجار ويربي الطيور.

* اتعتزل السياسة والعمل الجماهيري؟

ـ نعم. وأمارس هواياتي. وأقرأ وأعيش مع عائلتي.

* اتستطيع ذلك؟

ـ ولم لا. استطيع.

* وحتى ذلك الحين، ماذا تفعل؟ وكيف ستصل الى هذا الطموح غير المتواضع بالاستقالة؟

ـ اواصل مهامي في خدمة الوطن وتجاوز هذه المحنة.

* ما هو العمل الاول الذي ستقوم به في جهاز المخابرات بعد الخروج من هذه المحنة؟

ـ بعد الاطمئنان على كوادر جهازنا من المعتقلين، المفقودين، اريد ان اكمل المشروع الذي بدأته في اريحا، لتشييد كلية حديثة تعلم اصول العمل في المخابرات، تكون اكاديمية علمية.

* سجن جديد؟

ـ بالعكس. اكاديمية فريدة من نوعها في العالم العربي، تضم خيرة الخبراء والمعلمين من اصحاب التجارب والثقافة العلمية المناسبة.

* ماذا تعلمون فيها؟

ـ تعليم ثلاث لغات اجبارية بينها العبرية، مع حق اختيار واحدة من لغتين اخريين، الانجليزية والفرنسية والاسبانية. تدريس علم النفس والقوانين والالتزام بها. وحقوق الانسان وغيرها.