سكان جلال آباد ينظمون حملات للمطالبة بالكشف عن قتلة نائب الرئيس الأفغاني

TT

ما زالت صوره مثبتة على بعض المعالم البارزة في المدينة، وما زالت ذكراه تتردد عبر الاذاعة من خلال الترانيم الشعرية الحزينة. فمقتله الغامض يوم 6 الشهر الماضي بعد أن أطلق عليه القتلة سيلا من الرصاص في العاصمة كابل ما زال موضع غضب وحيرة وإشاعات في منطقة سكناه التي كان يسافر إليها كثيرا برفقة حارس واحد.

فحاجي عبد القدير نائب الرئيس الأفغاني السابق، والمقاتل القديم ضد السوفيات وحاكم ولاية نانجرهار، أصبح اليوم رمزا لسكان الولاية الذين ظلوا يطالبون عبر سلسلة من حملات الاحتجاج بالقبض الفوري على قاتليه ومحاكمتهم.

لكن مع غياب أي تقدم في التحقيق الجاري للعثور على القتلة أصبحت قضية مقتله اختبارا سياسيا للحكومة الأفغانية الفتية، على الأقل بالنسبة لزعماء هذا الإقليم الواقع في شرق أفغانستان والمشهور بخصوبة أرضه ورفاهية سكانه.

وعلى الرغم من أن عبد القدير (48 سنة)، شخص مثير للجدل، وكسب خلال حياته خصوما كثيرين عبر علاقاته الشخصية والتجارية والسياسية، فانه كان يتمتع باحترام واسع في منطقته حيث كان الفلاحون يعتبرونه بمثابة الأب الروحي لهم، وهؤلاء ينتمون إلى العديد من القبائل البشتونية. ويشكل البشتون الفئة الاثنية الأكبر في أفغانستان.

وإذا لم يتم الكشف عن المسؤولين عن مقتله فإن الشعور بالخيبة من الحكومة الحالية سيكون في نانجرهار اقوى من اي منطقة اخرى. وكان الرئيس الافغاني حميد كرزاي، وهو من أصل بشتوني كذلك، قد طلب من عبد القدير ترك إقليمه والمجيء إلى كابل كخطوة لبناء الجسور بين السلطة المركزية الضعيفة في كابل وقادة قبائل البشتون المتمردين في الأقاليم الأخرى. وقال بير حيدري من نانجرهار «الكل يسأل هنا نفس السؤال: كيف يمكن قتل نائب الرئيس بهذه السهولة في العاصمة. نحن لا نتهم أي مجموعة، لكننا نسأل الحكومة المركزية أن تأخذ هذه القضية بشكل جدي. فإذا كان مركز البلد غير آمن، كيف يمكن أن تصبح الأقاليم آمنة».

ومن جانبه، بعث كرزاي يوم الخميس الماضي وفداً كبيراً يرأسه وزير التعليم يونس قانوني الى جلال آباد عاصمة الاقليم، حيث قدم وعودا قاطعة بمواصلة الجهود للكشف عن القتلة. وينتمي قانوني الى اثنية التاجيك. وعلى الرغم من الغضب العاصف بأبناء هذا الإقليم، فانهم يريدون أن يقوضوا حكومة كرزاي، إذ كانت حملات الاحتجاج الخمس التي جرت خلال الأسبوعين الأخيرين ذات طابع سلمي، حيث رفع أصحاب المحلات والأكاديميون والناشطون السياسيون العرائض في الشوارع ثم قاموا بتسليمها إلى مقر الأمم المتحدة هناك.

وقال العديد من المشاركين في هذه الحملات الاحتجاجية إنهم يستعملون هذا الحق في التعبير الذي يمارسونه كحق ديمقراطي ضمنته حكومة كرزاي بعد استمرار النزاع العنيف والقمع الذي مارسته حكومة طالبان لسنوات.

وعبر أهالي نانجرهار عن ارتياحهم لمبادرة كرزاي السريعة بتعيين دين محمد (50 سنة) الأخ الأكبر لحاجي عبد القدير، كحاكم إقليمي كي يحل محله. ويعتبر محمد أقل حيوية وأكثر محافظة من شقيقه، لكنه يحظى أيضا باحترام الإقليم. وتحرك الأخ بسرعة لملء الفراغ الذي تركه مقتل شقيقه.

وإذا كان محمد قد عبّر عن دعم كرزاي الكامل، فانه قال إنه لا يشعر بالأمن في كابل وهو غير مقتنع بأن الحكومة تسيطر على أوضاع البلد بشكل كامل، لذلك لن تكون قادرة على كشف منظمي ذلك الاغتيال.

وعبّر محمد أيضا عن شكوكه، بشكل مهذب، بقدرة الحكومة على حل لغز الجريمة، لكن أقارب القتيل الآخرين كانوا أكثر حدة في انتقادهم للتحقيق «الزائف» الذي أعقب عملية اغتيال وزير السياحة السابق عبد الرحمن في فبراير (شباط) الماضي. وإذا كان التحقيق الجاري مماثلا لسابقه فإن مصداقية الحكومة حسب رأيهم سيلحقها «خراب دائم».

ومن جانبهم، رفض المسؤولون في كابل الكشف عن تفاصيل التحقيق، الذي يجري حاليا بمساعدة قوات حفظ السلام المشتركة في كابل. وقال كريم خليلي أحد نواب الرئيس والمسؤول عن ملف التحقيق الشهر الماضي إن القتلة قد يكونون من تنظيم «القاعدة»، بينما أشار مسؤولون آخرون الى تورط تجار المخدرات في عملية الاغتيال.

لكن بعض البشتون يعتقدون أن التاجيك العاملين في قوات الأمن الحكومية هم الذين يقفون وراء الاغتيال، الا ان بعض المسؤولين التاجيك في الجيش الأفغاني قاموا بزيارات متكررة لإقليم نانجرهار لتقديم العزاء، بينما أشار قانوني وآخرون إلى أن عبد القدير كان واحدا من القادة البشتون القلائل الحلفاء للمعارضة التاجيكية التي ساعدت على إسقاط نظام طالبان.

وقال خان نبي (65 سنة)، أحد مزارعي الحشيش «ليس ممكنا أن يكون حاجي قد قتل بسبب الحشيش. نحن لسنا أشرارا. ونحن غاضبون مثل الآخرين من فشل الحكومة في حمايته. كان إنسانا طيبا ولطيفا، فهو لا يستحق هذه الميتة».

وكانت عائلة حاجي وأنصاره قد تلقوا ضربتين مأساويتين خلال تسعة أشهر، ففي البدء اعتُقل عبد الحق الأخ الأكبر لقدير على يد رجال طالبان في السنة الماضية ثم أعدم فورا بعد تسلله إلى أفغانستان للحصول على دعم القبائل للقتال ضد حكومة طالبان والثانية هي اغتيال عبد القدير.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»