محللون وخبراء: المواقف العربية الرافضة تدفع واشنطن إلى تغيير خططها لإطاحة صدام والاعتماد على هجوم تقوده المعارضة العراقية

5 حاملات طائرات في الخليج حاليا ستلعب دورا حاسما في الاستيلاء على البصرة ثم قاعدتين جويتين

TT

يتنامى الموقف العربي المعارض لمساعي الولايات المتحدة لإسقاط صدام حسين بشكل كبير إلى الحد الذي قد يغير من شكل الخطط الأميركية الهادفة إلى مهاجمة العراق، حسبما ذكره محللون غربيون وعرب.

وإذ تبدو فكرة شن حرب على العراق مرفوضة بشدة من القادة والمدنيين في المنطقة فان الولايات المتحدة بدأت في السعي إلى إعادة طرحها عليهم لا كعملية بقيادة أميركية بل كهجوم تقوده المعارضة العراقية، مثلما يردد المراقبون.

فبدلا من مواجهة المد العربي المعارض لفكرة غزو العراق، يقوم المخططون السياسيون والعسكريون حاليا بالعمل حولها حسبما يراه المحللون الغربيون.

وفي هذا الصدد قال الدكتور غاري سيك، مدير معهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا: «سيكون مخطِطا عسكريا فقيرا ذلك الذي لا يتوقع الحصول على مساعدة من جيران العراق. لهذا السبب سيضع القادة العسكريون الاميركيون في المنطقة خمس حاملات طائرات في أقصى حمولتها حينما يقررون الهجوم».

وأضاف سيك أن المواقف العربية السلبية تجاه مساعي الولايات المتحدة لإسقاط صدام حسين في حالة مترجرجة لكنها من الممكن أن تتصلب أو تخفَّف حسب الطريقة التي ستقوم بها إدارة الرئيس جورج بوش بتسويق فكرة غزو العراق في المنطقة.

أما تشارلس هيمان محرر مجلة «جينز وورلد آرمي» العسكرية في لندن، فانه أكد حاجة الولايات المتحدة لاستخدام وحدات بحرية متحركة في حالة غياب أي دعم عربي لفكرة غزو العراق. وهذه الوحدات موجودة حاليا في منطقة الخليج، وستلعب دورا حاسما في الاستيلاء على ميناء البصرة العراقي ثم البدء باستخدام قاعدتين جويتين متوفرتين في هذه المدينة الجنوبية لشن عمليات هجومية أخرى من داخل العراق.

ومنذ غزو أفغانستان قام الجيش الأميركي ببناء أسطول حربي ضخم يضم ما يقرب من 50 ألف جندي في الخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي ووسط آسيا، حسب ما ذكره الآمر البحري في القيادة المركزية البحرية بفلوريدا، ماثيو كلي.

وقال النقيب كلي إن القادة العسكريين الأميركيين لا يناقشون التفاصيل حول عدد حاملات الطائرات المعبأة إلى أقصى حمولتها، لكن المحللين العسكريين الغربيين مقتنعون ان هناك خمس حاملات الآن في المنطقة.

وأشار المحللون العسكريون إلى أن أي سعي للمعارضة العراقية للمشاركة في الهجوم هو شيء أساسي لكسب الدعم على مستوى الشرق الأوسط. وكان المسؤولون الأميركيون بضمنهم نائب الرئيس ديك تشيني قد التقوا يومي الجمعة والسبت الماضيين بممثلين عن ستة تنظيمات عراقية معارضة.

لكن دعم الدول العربية لهجوم أميركي جديد على العراق بعيد عن التحقق، بل بالعكس من ذلك، أبدت تلك الدول مثل السعودية ومصر والكويت، التي كانت حليفة موثوقا بها للرئيس بوش الأب، خلال حرب الخليج الثانية، معارضتها لغزو العراق. وكانت أراضي هذه الدول قد استخدمت آنذاك كمنصات للهجوم مما أجبر القوات العراقية على الانسحاب.

لكن الوضع يختلف اليوم في العالم العربي، إذ حتى تلك البلدان المعتدلة لم تزل غير موافقة على حرب أخرى ضد العراق. وإذا كان هناك حضور عسكري أميركي في البحرين والكويت وقطر اليوم وهذه الدول لا تعارض أي هجوم عسكري أميركي على العراق، الا ان بلدان الشرق الأوسط الأخرى كانت أكثر صريحة في التعبير عن معارضتها. بل هناك نمو متصاعد للمعارضة لفكرة الغزو داخل السعودية، حيث صرح بعض المسؤولين الكبار فيها أن المملكة لن تسمح لواشنطن باستخدام أراضيها للهجوم على العراق. وعبّرت مصر وسورية عن معارضتيهما لاستهداف العراق. كذلك هو الحال مع اليمن والأردن اللذين وقفا إلى جانب العراق في حرب الخليج الثانية، حيث أنهما عبّرا عن معارضتهما الشديدة لفكرة الحرب ضد العراق.

* استمرار المشكلة الفلسطينية

* من جانب آخر، أكد نبيل عثمان كبير رئيس هيئة الاستعلامات المصرية أن أي هجوم أميركي ضد العراق قد يدفع المنطقة بكاملها إلى الفوضى ويزود الإرهابيين بما يحتاجون إليه من عتاد.

وفي هذا الصدد قال عثمان: «خلق العنف المتواصل بين فلسطين وإسرائيل عنوانا كبيرا في المنطقة. وفي هذا العنوان يمكننا قراءة: الظلم، وعلى واشنطن ألا تتجاهل ذلك... فإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تضمن مصالحها عليها أن تتعامل مع هذه التوترات أولا، خصوصا إذا كانت تريد أن يُنظر لها كوسيط سلام أمين في المنطقة».

وجسد هذه المخاوف السائدة في البلدان العربية المعلق الصحافي المصري سلامة أحمد سلامة الذي يكتب في جريدة «الأهرام» القاهرية. ففي مقالة نشرها هذا الأسبوع قال سلامة: «هناك اعتقاد يرى أن الحرب ضد العراق لن تكون الا المرحلة الأولى من فترة مظلمة للتدخل الأميركي في القضايا العربية، تم الإعداد لها في دوائر البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية لخدمة مصالح إسرائيل تحت ذريعة تحقيق إصلاح ديمقراطي للأنظمة الاستبدادية».

* مشاعر مختلطة في الشارع

* أبدى المواطنون العرب الذين تمت مقابلتهم في شوارع القاهرة الساخنة، بشكل شامل عن معارضتهم لنوايا الولايات المتحدة بـ «تغيير النظام» في العراق، وعن قلقهم تجاه فلسطين. وقال رجل الأعمال السعودي محمد عبد الرحمن: «ليس للولايات المتحدة الحق في غزو العراق والسعي إلى تفريق الرأي العام العربي أكثر تجاه فلسطين».

مع ذلك ومثل الكثيرين من أترابه العرب لا يعارض عبد الرحمن وقوع التغيير «من الداخل». حيث قال: «إذا كانت الولايات المتحدة تريد هذا التغيير فانا سأعارضه لكن إذا أراد العراقيون ذلك فانا سأدعم التغيير».

لكن محرر المجلة العسكرية «جينز وورلد آرميز» تشارلس هيمان، مقتنع بأن واشنطن على علم بتصاعد المعارضة لمخططاتها بشأن العراق، لذلك فهي لا تطلب من حلفائها في المنطقة أكثر من هزة رأس أو اغماض العين إن هي قررت المضي قدما في «إجراء التغيير» داخل العراق.

وقال هيمان في هذا الصدد: «لحد الآن هناك الكثير من المعارضة الصاخبة لتغيير النظام في العراق. وفي قلب المشكلة هناك النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. إنه سرطان حقيقي. فالأخبار المسائية للجميع مملوءة بأخبار الفلسطينيين الذين قتلهم الجنود الإسرائيليون ثم قاموا بجرهم بعيدا».

وأضاف هيمان: «مع تزايد التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين هناك تصاعد التأييد لصدام حسين الذي يعتقد الكثير من العرب أنه سيكون ضحية أي هجوم على العراق. وطالما ظلت المشكلة الفلسطينية قائمة فإن الولايات المتحدة قد لا تحصل أبدا على دعم الدول المعتدلة لغزو العراق».

وعلى الرغم من كل ما يدور حاليا في المنطقة، يظل وضع الصيغة النهائية لخطة غزو العراق والتسويق لها هما القضيتين الأساسيتين من وجهة نظر المحللين بما يخص ما تهدف إليه واشنطن من تحقيقه في بغداد.

وضمن هذا السياق قال مسؤول أوروبي كبير في القاهرة: «لم يقدَّم بعد أي دليل قاطع يتعلق بما تريد إدارة بوش القيام به، لكن هناك شعورا قويا بأنها ستمضي قدما في حربها ضد العراق».

من جانبه يعتقد سيك أن الحكومة الأميركية بدأت تبشر بإجراء «تغيير للنظام» من حيث أنه سيكون عبر هجوم تقوده المعارضة العراقية. وأضاف سيك «لذلك نحن نشاهد ما يجري الآن من مناورات أجريت مع المعارضة العراقية ودعم نشاطاتها إذا كانت قواها قادرة على تنظم نفسها بنفسها ثم يأتي الدعم الاميركي، آنذاك سيكون رد الفعل العربي مختلفاً تجاه الغزو».

وقال سيك إنه في حالة نجاح هذا الأسلوب فإن الولايات المتحدة ستتمكن من تجنب ردود فعل حادة لها في العالم العربي. وأضاف سيك: «هناك أولا الخطة، ثم الهجوم لتعقبها مرحلة «اليوم اللاحق». باعتقادي أن المرحلة التي تعقب سقوط النظام العراقي الحالي هي أكثر إشكالية من التخلص من صدام حسين. وإذا نُظر إلى الولايات المتحدة في كونها الطرف الوحيد الذي هاجم العراق وقتل الكثير من المواطنين العرب هناك فان النتائج ستكون خطيرة».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»