«الشرق الأوسط» تزور «بيت علام» المصرية التي شهدت «مذبحة السبت» الدامي

TT

قرية بيت علام التي شهدت مذبحة يوم السبت الدامي التي قتل فيها 22 رجلا في أغرب جريمة ثأر بين عائلتي عبدالحليم والحناشات، زارتها «الشرق الأوسط»، ورصدت شوارعها الخالية، ومنازلها وسكانها الذين يخيم عليهم الصمت والحزن والترقب. هي قرية ملامحها قريبة من بقية القرى المصرية تابعة لمركز جرجا أعرق وأقدم مراكز الصعيد. وتبعد سوهاج نحو 500 كيلو مترا جنوب القاهرة، ويبعد مركز جرجا عن محافظة سوهاج بنحو 40 كيلو مترا.

الطرق وعرة ومحفوفة بالمخاطر، في تلك المنطقة، وتأخذ شكل منحنيات وسط الزراعات. ومن الصعب ان تسير على قدميك بمفردك فالوحدة موحشة، وتاريخ الثأر حفر بأنيابه في القرى التي تمر عليها. توقفت بنا السيارة عند مركز جرجا حيث توجد لافتة بدا عليها الخجل وهي تستقبل ضيوفها بجملة «مرحبا بك في جرجا». الطرق متشابكة، وقبل ان تسأل عن الطريق المؤدي الى بيت علام ستجد عشرات يصفون لك الطريق فهم يدركون ان الوجوه الغريبة القادمة الى القرية في هذا التوقيت تبحث عما حدث في «بيت علام» التي تبعد حوالي 30 كيلو مترا أقصى جنوب جرجا.

عند قرية «المشاورة» أول قرى جرجا اتجهت بنا السيارة صوب الجنوب، الزراعات تحتضن الطريق من الجانبين، منازل القرى المجاورة لبيت علام تقع على مسافات متفرقة وكأنها ترفض الوحدة، عبرت السيارة جسراً متهالكاً طوله 200 متر لتقف عند مدخل القرية التي تقع في حضن الجبل. هنا مسرح الحادث، الدماء ما زالت ترسم ملامح الجريمة بقايا أرواح، وجثث وملابس وأحذية ورصاصات نارية.

في أول مدخل القرية يقع منزل ثابت مدني كبير عائلة عبد الحليم والمتهم بالتحريض على الجريمة وبجوار المنزل تقف سيارة المدرعات مليئة بقوات الأمن استعدادا لحدوث انفجار مفاجئ، ملامح القرية صارت مشوهة، شوارعها متداخلة، معظم منازلها من الأبنية الخرسانية وجميعها يتراوح ما بين دورين وثلاثة أدوار، وسكانها يزيد على 19 ألف نسمة، توجد بها مدرستان الاولى مدرسة ابتدائية واخرى اعدادية.

تضم أكثر من 20 عائلة أشهرها عائلة همام وعدد سكانها حوالي 200 نسمة، ومنها عمدة القرية عبدالقادر مصطفى كمال والنائب هرقل وفقي عضو مجلس الشعب، وعائلة الخراف وعدد سكانها حوالي 1200 نسمة، وعائلة العوالة وعدد سكانها 1000 نسمة وعائلة المحابية وعدد سكانها حوالي 500 نسمة وعائلة الحناشات وعدد سكانها حوالي 400 نسمة رجالا ونساء واطفالا.

على يمين مدخل القرية مبنى الوحدة المحلية تتم فيه المفاوضات بين الامن وأهالي القرية لتسليم الجناة، وعلى يسار مدخل القرية يوجد مسجد يحمل اسم «مسجد الرحمن» الهدوء والسكون يخيمان على القرية، المنازل ارتدت ثوب الحداد على رجالها الذين راحت دماؤهم مقابل رصاصات غادرة، أهالي القرية لا يتأثرون بحرارة الجو فالدماء ساخنة بطبيعتها، فارق النوم كل أهالي بيت علام. شيوخ العائلات يخططون لما هو قادم، والشباب جاهز يعلن استعداده لتنفيذ هذه الخطط والاطفال باعوا الدنيا وما فيها بعد ان فقدوا آباءهم.

في شرق القرية تقع منازل عائلة الحناشات متراصة متاخمة لبعضها، وفي شمال القرية منازل عائلة عبدالحليم، يفصل بين العائلتين شارع تسكنه عائلة الخراف حيث يقول الحاج محمد احمد (60 سنة) احد شيوخ هذه العائلة انهم يعيشون في قلق دائم «فنحن نتوقع حدوث ضرب بين الطرفين في أية لحظة». ويضيف الحاج محمود قائلا رغم ان جرجا شهدت حوادث ثأر عديدة إلا ان ما حدث في قرية بيت علام لم يصدقه عقل ولم يكن متوقعا.

انهينا كلامنا مع الحاج محمود وتوجهت أسير في شوارع القرية التي تؤكد على وعي غائب بين أهاليها، فلا توجد منشآت حكومية تعكس تنمية القرية، فقط كانت معالم دول الخليج تلقي بظلالها فوق ربوع القرية من خلال اطباق الدش التي توجد فوق كل منزل حيث يضيف علي محمود همام من عائلة عبد الحليم قائلا: أهالي بيت علام يعتمدون اعتمادا كليا على العمل في دول الخليج فأكثر من نصف سكان القرية يعملون في دولة الكويت، فالقرية هي الوحيدة التي لا يعمل أهاليها في القاهرة والاسكندرية مثل بقية قرى مركز جرجا لكن أهالي بيت علام استطاعوا تكوين امبراطورية صعيدية في دول الخليج.

بينما يواصل الحديث علي عبد اللطيف (17 سنة) من عائلة الحناشات ليؤكد ان: الدولة هي المسؤولة عما حدث، فلو انها تهتم بتنمية الصعيد وتحرص وتفرض التعليم اجباريا على ابنائه وتساهم في عقد ندوات سياسية وتؤسس جمعيات تضم شباب الصعيد لاختلف الأمر وتغيرت المفاهيم القديمة التي سكنت عقول ووجدان الرجل الصعيدي مثل مفهوم الثأر الذي ما زال ينخر في محافظات الصعيد.