القبض على 51 في حادث الثأر الجماعي وسائق الميكروباص يقول: الجناة طلبوا مني النزول ثم بدأوا يطلقون الرصاص على أفراد عائلة الحناشات

TT

لليوم الخامس على التوالي تواصل أجهزة الأمن والنيابة في مصر تحقيقاتها في حادث الثأر الجماعي الذي وقع يوم السبت الماضي بقرية بيت علام في جرجا بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وراح ضحيته 22 قتيلا وثلاثة مصابين من عائلة الحناشات على أيدي أبناء عائلة عبد الحليم. وقد حققت أجهزة المباحث وفرق النيابة نجاحات محدودة على صعيد السيطرة على الموقف والحد من تداعيات الحادث اذ تمكنت من القبض على نحو 16 متهما ضمن عائلة أبناء عبد الحليم متهمين بالاشتراك في الجريمة البشعة والتخطيط لها والتحريض عليها، وقد حققت معهم النيابة جميعا فضلا عن الاستماع الى أقوال عمدة القرية عبد القادر مصطفى وشيخ القرية الشيخ عدلي، كما نجحت أجهزة الأمن في الفصل التام بين العائلتين في القرية وفرض الأمن على أنحائها.

كما ألقت القبض على 25 طفلا و10 سيدات من عائلة عبد الحليم كانوا مختبئين في أحد منازل القرية المغلقة من الخارج حتى يوهمون الآخرين بأن المنزل خال من السكان. وكان حادث الثأر الجماعي قد تطور بسرعة مذهلة ووصلت أصداؤه خارج الحدود المصرية اذ تشاحن أبناء عائلتي الحناشات وعبد الحليم العاملين بالكويت مما أدى الى قيام القنصل المصري العام في الكويت باجراء اتصالات معهما، وعقد اجتماعا مع قيادات كل عائلة على حدة لتهدئة الوضع واحتواء تداعيات الأزمة.

وعلى صعيد الملاحقات الأمنية التي يقودها مساعد وزير الداخلية مدير أمن سوهاج اللواء عبد الرحمن علي بنفسه على رأس فريق من عشرات الضباط ومئات الجنود بدأ الجناة يتساقطون نتيجة الحملات الأمنية المكثفة والتي تم الدفع بها على أعلى مستوى الى أماكن مختلفة من أنحاء الجمهورية حيث تمكنت أجهزة المباحث من القبض على ثلاثة من مرتكبي الحادث فروا الى القاهرة عقب ارتكابهم للجريمة وهم: ثابت مدني، وحسن عبد المريد، وفتحي أمين، وأظهرت التحقيقات ان ثابت مدني هو المخطط والمحرض على ارتكاب الجريمة، كما ألقي القبض على 12 آخرين يشتبه في انهم اشتركوا أو حرضوا على ارتكاب جريمة بيت علام وهم عبد الله الطاهر وكمال عبدالحميد وحسن أنور محمد وحسن محمد حسن وعلاء جاد محمد أحمد ووليد سيد أبو الحمد والسيد أبو الحسن وعبد الحفيظ أمين وطارق أحمد مختار وكريم نجيب محمد أحمد وعلاء جاد محمد ومحمد عبد الحليم وتقرر حبسهم جميعا 4 أيام على ذمة التحقيقات مع مراعاة التجديد لهم. وفي الوقت الذي اقسم فيه أبناء عائلة الحناشات على أن يكون كل قتيل منهم بأربعة من أبناء عائلة عبد الحليم أوشكت المفاوضات التي يقودها عمدة القرية عبد القادر مصطفى مع عائلة عبد الحليم بتنسيق مع القيادات الأمنية على النجاح وتسليم الجناة لأنفسهم خاصة بعد تضييق الخناق الأمني عليهم سواء في الجبال المحيطة ببيت عامر أو في زراعات القصب.

وأكد مصدر أمني مسؤول ان المتهمين الذين تم إلقاء القبض عليهم في وقت سابق وهم: ممدوح تمام عبد الرحيم، ومحمد عبد الشافي محمود، وتمام عبد الرحيم عبد الحليم، وسامي طاهر محمود أدلوا بمعلومات هامة للغاية حول الحادث وسبل تدبير ارتكابه سواء ما يتعلق بشراء السلاح واخفائه وكيفية التحريض على ارتكاب الجريمة باعتبار ان عائلة عبد الحليم في الأصل «هوارة» وهي واحدة من أعرق عائلات صعيد مصر التي تمتد فروعها بطول محافظات الصعيد وان «الحناشات» من «الحفاشات» أي من الفلاحين وكل العيب أن يترك الهوارة دم أبناؤهم هدراً للفلاحين.

وكشف تقرير الطب الشرعي عن أن الجناة أطلقوا أكثر من 500 رصاصة تراوح نصيب كل قتيل بين 16 و32 رصاصة وان القتلى جميعهم فوق العشرين عاما عدا طفل واحد يبلغ من العمر 11 عاما وان الرصاص تم اطلاقه من مسافة تتراوح بين مترين وثلاثة أمتار. وفي تحقيقات النيابة التي يقودها المحامي العام لنيابات جنوب سوهاج المستشار مصطفى حسين مع فريق من المحققين يضم عددا كبيرا من رؤساء النيابة ومديري ووكلاء النيابة أنكر المتهمون الاتهامات الموجهة اليهم بمشاركتهم في ارتكاب حادث الثأر الجماعي كما أنكروا وجودهم في قرية بيت علام وقت الحادث بعد ان اعترفوا بارتكابهم الحادث في تحقيقات الشرطة.

وكشف سائق سيارة المجني عليهم والذي أنجته تقاليد الثأر في صعيد مصر من القتل حيث يبدأ الثأريون باستبعاد الضيوف ومن لا علاقة لهم بالثأر أولا ثم يبدأون في عمليتهم الانتقامية رغم علمهم ان من يستبعد من موقع الحادث يعرفهم شكلا واسما وانه قد يبلغ عنهم إلا ان هذه هي تقاليد الثأر التي تستبعد النساء أيضا.

وقال السائق لمدير نيابة جرجا محمد ابو سيف ووكيل أول النيابة عمرو محمود ان الجناة طلبوا منه حين أوقفوا السيارة الميكروباص بعد ان ضربوا اطاراتها أن ينزل من السيارة ويبتعد ويختفي تماما من موقع الحادث فدخل الى زراعات الذرة وبعد ثوان سمع طلقات الرصاص.

وأضاف ان المجني عليهم توسلوا للجناة أن يتركوهم وانه حرام عليهم ان يأخذوهم غدراً إلا انهم أبوا ان يستجيبوا لهم، وقال انه ظل يسير في زراعات الذرة حتى وصل الى الطريق الآخر فوجد جراراً زراعياً طلب من سائقه ان يصطحبه الى منزله ثم استشار أقاربه وقرر تسليم نفسه. كما استمعت النيابة الى أقوال شيخ القرية محمد حسونة وعمدتها عبد القادر مصطفى وشيخ خفراء القرية النجدي احمد علام.

وكشفت التحقيقات عن واحدة من مفارقات القدر وهي ان 10 من بنات عائلة عبد الحليم متزوجات من عائلة الحناشات، ولاحظ المحققون تطابق أقوال كبراء البلد «العمدة وشيخ البلد وشيخ الخفر» في التحقيقات الى حد كبير. أما القرية نفسها فقد غرقت في صمت مطبق بسبب الفجيعة الرهيبة من ناحية وانتظاراً لاجراء يهدىء النفوس وهو القبض على جميع الجناة وتقديمهم الى محاكمة عاجلة، قبل ان ينفجر الموقف مع أول امكانية توفر لأحد أبناء العائلتين ان تطال الآخر في أي مكان على وجه الكرة الأرضية وما تردد عما حدث في الكويت من تحرش أبناء العائلتين كلاهما بالآخر أبرز نموذج.

وسبق لأهالي الصعيد ان أخذوا بثأرهم في دول عربية عديدة وكذلك دول أوروبية إذ تلجأ العائلات أحياناً حين يقتل أحد أبناؤها آخرين الى تهريبهم خارج البلاد ويظل أبناء العائلة الأخرى يقتفون أثره حتى يتوصلون الى مكانه ويذهبون إليه خفية لقتله. وما زال الرأي العام المصري الذي روعته الجريمة ينتظر سماع أنباء عن هدوء الحال فاقداً الأمل في انتهاء حوادث الثأر في الصعيد والتي تناولتها عشرات الأبحاث والدراسات والخبراء من أهل الصعيد أنفسهم. من ناحية أخرى فشلت مديرية الشؤون الاجتماعية بسوهاج حتى الآن في تقديم المساعدات التي قررتها المديرية لأسر القتلى والمصابين الا ان فريق الشؤون الاجتماعية لم يتمكن من دخول القرية حتى الآن بناء على تعليمات الأمن حيث ترفض اسر القتلى المساعدات.