أحمد سعدات من سجنه لـ«الشرق الأوسط»: موضوع العمليات الاستشهادية يحتاج إلى بحث وحوار وطني فلسطيني حوله

أمين عام الجبهة الشعبية: الفريق الأميركي ـ البريطاني هو المرجعية العليا لاعتقالنا وقرار الإفراج عني لا تملكه السلطة الفلسطينية

TT

دعا احمد سعدات امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تعليق فريد له حول «العمليات الاستشهادية» إلى حوار فلسطيني داخلي حول أشكال النضال التي تخوضها الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل وإخضاعها لرؤية نضالية موحدة.

جاء ذلك في حديث خاص أدلى به سعدات لـ«الشرق الأوسط»، حيث سئل عن موقفه من الجدل الدائر في الساحة الفلسطينية حول العمليات الانتحارية ومطالبة البعض بوقفها، فأجاب أنه ليس من الحكمة تجريد الشعب الفلسطيني الاعزل الا من ارادته واستعداده غير المحدود للتضحية من أي سلاح يمتلكه، في الوقت الذي تستخدم في إسرائيل كل اشكال العدوان ضده، لكنه قال ان موضوع «العمليات الاستشهادية» بحاجة إلى بحث من خلال حوار وطني شامل. وقال احمد سعدات المعتقل في سجن اريحا تحت الاشراف الاميركي ـ البريطاني انه ورفاقه الاربعة، بالاضافة الى مدير المشتريات في السلطة العميد فؤاد الشوبكي يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي. وفي مقابلة مع «الشرق الاوسط» نفى سعدات بشدة ما ادعاه ممثلو السلطة من انه ابدى تفهما للاتفاق الذي توصلت اليه السلطة مع بريطانيا واميركا والقاضي بوضعه ورفاقه تحت حراسة اميركية ـ بريطانية، مشددا على رفض هذا الاتفاق. وقال ان المرجعية التنفيذية العليا المشرفة على اعتقاله ورفاقه تتمثل في الفريق الاميركي ـ البريطاني. واضاف سعدات انه يحظر عليه ورفاقه أي نشاط سياسي او اعلامي او اجتماعي، حيث يتم اخضاع كل من يزورهم للتفتيش الالكتروني الدقيق وبوجود احد اعضاء الفريق الاميركي ـ البريطاني. وأشار الى ان هذا الفريق درّب اعضاء الشرطة الفلسطينية في المعتقل على اجراء هذا التفتيش. وشدد سعدات على ان اعتقاله ورفاقه لا يخضع للولاية القانونية الفلسطينية، بل ان السلطة ملتزمة بمواصلة اعتقال الستة بحكم اتفاقها مع بريطانيا والولايات المتحدة على ذلك.

يذكر أن هذه المقابلة أجريت قبل مقتل محمد سعدات شقيق الأمين العام للجبهة الشعبية، حيث تم نقل اسئلة «الشرق الاوسط» الى أحمد سعدات في المعتقل واجاب عليها كما يلي:

* هل بإمكانك وصف ظروف اعتقالكم تحت رقابة الحراس البريطانيين والاميركيين؟

ـ الصفقة التي نقلنا بموجبها الى سجن اريحا تحت الاشراف الاميركي ـ البريطاني تهدف بشكل اساسي الى عزلنا عن العالم الخارجي، حيث يتم تسجيل اسماء الزوار الذين يزوروننا وارقام هواتفهم الشخصية وصلة القرابة بيننا وبينهم، ويتم تزويد الفريق الاميركي ـ البريطاني بنسخة عن هذه الاسماء، وهذا يثير تساؤلا عن مكان تدقيق المعلومات التي يحصل عليها اعضاء الفريق ما داموا لا يملكون سجلا للسكان. تحت ضغط الفريق الاميركي ـ البريطاني يتم تفتيش غرفنا واغراضنا الشخصية، ونمنع من استخدام الهاتف الجوال او هاتف السجن، اذا لم يكن حديثنا مراقبا او مسجلا. ويقوم الفريق برفع تقرير، ترسل منه اربع نسخ الى كل من السفارتين الاميركية والبريطانية واسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويتم ابلاغ الاسرائيليين عن تحركاتنا لدى خروجنا من السجن لتلقي العلاج. وبامكاني القول ان دور الفريق الاميركي ـ البريطاني يتجاوز حدود الرقابة ويرقى الى مستوى المرجعية العليا التنفيذية لاعتقالنا. وهذا الدور يخضع على الدوام لضغوط وابتزاز الطرف الاسرائيلي الذي يتهمهم بالتقصير ويدفعهم بالمقابل للضغط على السلطة لرفع حدة الاجراءات ويهددون بأنهم قد يغادرون المعتقل، حيث يعني هذا ان الاسرائيليين سيقتحمون المعتقل لحظة خروجهم.

* كيف ترون استمرار اعتقالكم على الرغم من صدور قرار بالافراج عنكم من محكمة العدل العليا الفلسطينية؟

ـ بمعزل عما يساق على لسان هذا الوزير او ذاك من تبريرات، فوزير العدل الفلسطيني ابراهيم الدغمة وهو رجل قانون واختصاص اجاب وبوضوح عندما سئل عن عدم الافراج عني صبيحة صدور قرار المحكمة، فقال ان قرار الافراج عني لا تملكه السلطة الفلسطينية وان قرار استمرار اعتقالي يستجيب لاتفاق دولي موقع مع اسرائيل وكل من بريطانيا واميركا. وهذا الشق غير المرئي في الاتفاق يجعل من الاتفاق اتفاق رزمة تتحكم فيه اسرائيل، بحيث ان الافراج عن واحد من الستة يعني ان اسرائيل متحررة من أي التزام لها في الاتفاق.

* لماذا لا تتفهمون موقف السلطة القائل ان استمرار اعتقالكم جاء للحفاظ على امنكم الشخصي وللحفاظ على المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني؟ ـ لا ادري كيف يخدم اعتقال أي مناضل فلسطيني وليس أي مسؤول في منظمة التحرير او امين عام التنظيم الثاني في منظمة التحرير، الاهداف السياسية للشعب الفلسطيني. من الممكن ان يخدم اعتقالنا الاهداف السياسية الراهنة للسلطة الفلسطينية، بمعنى ان الافراج عنا قد يشوش على اللقاءات الامنية والسياسية لاعادة ترتيب العلاقات مع اسرائيل واميركا والحفاظ على كيانية السلطة والعودة للمفاوضات وفق رؤية الرئيس (الاميركي جورج) بوش للتسوية. اما الحديث عن حمايتي وامني فهذا منطلق سخيف، فاي مسؤول فلسطيني يجب ان يكون موقعه الطبيعي في الخنادق المتقدمة مع ابناء شعبه وان من يحتاج الى حماية هو الشعب الفلسطيني الذي ترتكب بحقه اكبر الفظائع وجرائم الحرب على يد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون العنصرية الارهابية. ومن ناحية ثانية فان وجودنا في السجن تحت الاشراف الاسرائيلي غير المباشر لا يوفر لنا الامن ولا الحماية. وظروف اعتقالنا تشرح كل شيء وتسقط كل الادعاءات او التبريرات المضللة. فتارة يجري الحديث عنا كضيوف وتارة اخرى للحماية. وهناك من المسؤولين في السلطة من قالوا انني شخصيا ابديت تفهما للاتفاق الذي تم بموجبه نقلي الى سجن اريحا تحت الرعاية الاميركية ـ البريطانية، مع اننا لم نستشر حوله وبلغنا عنه قبل قليل من تنفيذه. كما اننا في الجبهة الشعبية نرفض محاكمة رفاقنا على خلفية تصفية العنصري الصهيوني رحبعام زئيفي (وزير السياحة الإسرائيلي السابق)، حيث طعن رفاقنا في شرعية وقانونية المحاكمة وتوقيتها ايضا. نحن ندعو السلطة الى استخلاص العبر ومعالجة خطاياها ومصارحة الجماهير، بدلا من تضليلهم للحفاظ على ما تبقى من ثقة في اوساط جماهير شعبنا.

* كيف تقيمون جهود الفصائل والقوى الفلسطينية للوصول لوثيقة مشتركة تنظم الوضع الفلسطيني الداخلي؟

ـ بودي الاشارة هنا الى ان الحوار الجاري لاقرار الوثيقة للعمل الوطني لا يرتكز على اسلوب ادارة الصراع ضد الاحتلال، فأرى ان الجهد يجب ان يوجه نحو تحقيق الاهداف الوطنية الشاملة وفق رؤية استراتيجية للمرحلة الى جانب البناء الديمقراطي للبيت الفلسطيني، وبناء أدوات وهياكل ادارة الصراع وادارة المعركة ضد الاحتلال ومشاريعه العسكرية والسياسية. في حين ان السلطة تحاول حصر المسألة في كيفية وقف المقاومة بغرض توظيف ذلك في مفاوضاتها ولقاءاتها الامنية مع اسرائيل واميركا لاستعادة صلاحياتها الامنية التي صادرها الاحتلال الإسرائيلي.

* ما موقفكم من الجدل الدائر في الساحة الفلسطينية حول العمليات «الاستشهادية»؟ ـ نحن في الجبهة الشعبية لا نرى انه من الحكمة ان يتم تجزئة العمل المقاوم في الوقت الذي تدار فيه المعركة الهمجية من قبل الاحتلال في مدننا وقرانا وفي كل بيت. ليس من الحكمة تجريد الشعب الفلسطيني الاعزل الا من ارادته واستعداده غير المحدود للتضحية، من أي سلاح يمتلكه، في الوقت الذي يستخدم فيه العدو كل اشكال العدوان من اجل استهداف رأس المقاومة. لكن في الوقت ذاته من المنطقي ان يدور حوار داخلي حول توظيف هذا الشكل او ذاك من اشكال النضال واخضاعه لرؤية نضالية فلسطينية.

* السلطة الفلسطينية اكدت انها بصدد اجراء اصلاحات جذرية في هياكلها، كيف تنظرون الى توجهات الاصلاح في السلطة؟

ـ من المؤسف ان نجد تقاطعا بين المطالب الاميركية ـ الاسرائيلية باصلاح السلطة وبين مطالب الشعب الفلسطيني وان تباينت اهداف المطالب الاميركية ـ الاسرائيلية، كما انه من المؤسف القول ان خطوات الاصلاح التي تحدثت عنها السلطة لم تلامس المطالب الشعبية التي ترى ضرورة ان يكون الاصلاح جذريا وشاملا للسياسة والهياكل القيادية والقوانين المنظمة. وأشدد على انه لا توجد طبقة حاكمة تنازلت عن امتيازاتها طواعية، بل بعد النضال، لذا يتوجب مواصلة النضال من اجل تحقيق خطة شاملة للاصلاح.

* تم اقرار اجراء انتخابات للرئاسة وللمجلس التشريعي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، هل ستشارك الجبهة فيها؟

ـ هذا يتوقف على الشروط السياسية والقانونية لهذه الانتخابات. نحن نرى اجراء انتخابات للمجلس التشريعي كجزء من عملية شاملة يجب ان تشمل انتخاب مجلس وطني وبقية مؤسسات منظمة التحرير، هذا فقط الذي يجعلنا نتجاوز الاشتراطات السابقة التي قامت عليها اتفاقات اوسلو، وبذلك يتم تهيئة الاجواء لانتخابات حقيقية.

* كيف يقضي سعدات السجين يومه في المعتقل؟

ـ كأي سجين فان مفردات حياتي محدودة بمحدودية شروط الاعتقال وكل يوم هو تكرار لليوم الذي سبقه. كسر الروتين يتم بفعل استقبال الزوار في فترات الصباح او المساء التي اصبحت قليلة منذ اكثر من شهرين. اصحو في الصباح الباكر الساعة السابعة واتهيأ لسماع الاخبار في الثامنة وحتى العاشرة. اقرأ حتى موعد الغداء الذي يكون في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر. وبعد الغداء اخلد للراحة والنوم حتى الرابعة، وحتى السابعة مساء انشغل في القراءة. من العاشرة مساء وحتى الثانية فجرا اكرسه للقراءة ومتابعة الندوات على شاشة التلفاز.