أبناء فلسطينية قتلت بتهمة التعاون مع إسرائيل يواجهون صعوبة في إيجاد مكان لدفنها

ابن إخلاص خولي يواجه محنة حول ما إذا كانت اعترافاته قادت لقتل أمه

TT

يقول سكان مدينة طولكرم ان مدى صحة تورط الفلسطينية اخلاص ياسين الخولي في التعاون مع الاسرائيليين امر لا يعلمه الا الله والسلطات الاسرائيلية، لكن الشكوك تساور غالبية الناس هنا. عقب يومين من عرض جثة اخلاص التي امتلأت بثقوب الرصاص في الساحة العامة بالمدينة كعبرة لكل من يفكر في التعاون مع اسرائيل، تحول ضدها الجيران وحتى اقرباؤها. فالتعاون مع اسرائيل، كما يقول سكان المدينة، يعتبر اسوأ جريمة يمكن ان يتخيلها المرء هنا.

ووسط اتهام اخلاص خولي بتزويد جهة اسرائيلية بمعلومات ادت الى اغتيال الناشط الفلسطيني زياد محمد الدعاس على يد قناص اسرائيلي في 7 اغسطس (آب) الجاري، واجه ابناؤها مشكلة في ايجاد مكان لدفنها. الجدير بالذكر ان عشرات من الفلسطينيين اعدموا بواسطة مسلحين فلسطينيين بتهمة التعاون مع اسرائيل منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية قبل 23 شهرا، بيد ان اخلاص خولي تعتبر اول امرأة ينفذ فيها حكم الإعدام بهذه التهمة. ومثلما حدث عند ظهور الفدائيات الفلسطينيات، فإن اعدام اخلاص خولي يفتح فصلا جديدا في النزاع. جلس بكر (17 عاما)، وهو الابن الاكبر لإخلاص خولي، يتململ خلال تفكيره في اجابة على السؤال عما اذا كانت اعترافاته الى مجموعة «كتائب شهداء الاقصى» هي التي قادت الى إعدام والدته. قال بكر ان بعض افراد «كتائب شهداء الاقصى» جاءوا الى بيتهم المكون من غرفة واحدة واخضعوه لاستجواب قاس الى درجة انه لم يعد يتذكر ما قاله لهم. واضاف انه كان على استعداد لأن يقول لهم أي شيء لوضع نهاية للألم الذي تعرض له. ورفع بكر «تي شيرت» كان يرتديه لإظهار العديد من الندب وآثار الجراح التي خلفها التعذيب على ظهره النحيف. بعض الاصابات كبير والبعض الآخر اصغر حجما لكنها جروح واصابات جديدة.. لم يرد بكر على اتهام المجموعة له خلال الاستجواب بأنه ابلغ والدته بمكان اختفاء زياد دعاس لتبلغ هي شقيقا لها في اسرائيل يوصف بأنه «متعاون معروف». وروى بكر، في حضور شقيقاته وابنة شقيقته، كيف اقتادته مجموعة من ثلاثة اعضاء غير مسلحين تابعين لـ «كتائب شهداء الاقصى» الى سيارة في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وهو معصوب العينين الى سيارة نقلته الى مخيم لاجئين مجاور. عقب الانتهاء من استجوابه حوالي الساعة التاسعة والنصف من مساء نفس اليوم، قال بكر ان بعض اعضاء المجموعة اقتادوه الى منزل الاسرة، واعتقلوا والدته للاستجواب. لم ير والدته بل لمحها لانهما كانا محبوسين في غرفتين مختلفتين. واطلق سراحه بعد ظهر اليوم التالي، وابلغه احد اعضاء المجموعة بأن امه «ماتت» دون المزيد من الشرح. كما عرض التلفزيون الاسرائيلي خلال الاخبار المسائية فيلما التقط بكاميرا فيديو، بواسطة «كتائب شهداء الاقصى»، ظهرت فيه اخلاص خولي وهي تدلي باعترافاتها حول التعاون مع اسرائيل. كانت ترتدي غطاء رأس اصفر ونظارة وهي جالسة امام مرتبة مقلوبة. قالت انها نقلت معلومات عن زياد دعاس الى شقيقها الذي يعيش في اسرائيل. ثم سألها صوت شخص لم يظهر في الصورة حول ما اذا كان الاعتراف انتزع منها بالإكراه واجابت على السؤال بالنفي لكنها كانت تبدو خائفة. وردا على سؤال آخر حول ما اذا كان هناك ما تريد قوله للفلسطينيين، قالت اخلاص: «اود ان اقول لكل البنات والاولاد، كبارا وصغارا، لا تتعاونوا (مع الاسرائيليين) حتى لو كان الرفض سيؤدي الى الموت».

محافظ طولكرم، عز الدين شريف اعرب من جانبه عن قلقه إزاء احتمال استخدام ما حدث لاخلاص خولي في حملة لتشويه الفلسطينيين وسمعة طولكرم. وقال شريف ان من حق أي شخص المثول امام محاكمة مؤكدا ادانته لمن يطبق القانون بيده. واضاف شريف ان اسرائيل تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب الاحتلال وحظر التجول المفروض مما حال دون اداء الشرطة الفلسطينية لدورها وتوفير الحماية لسكان المدينة. وقال شريف ان اسرائيل تفكر في امنها هي ولا تأبه بأمن الفلسطينيين.

وفي منزل الاسرة، الذي يقع على بعد بضعة مبان فقط من مكتب الحاكم، جلست اثنتان من بنات اخلاص وابنة اختها وصديقة للاسرة. كان الحزن باديا على الحضور. وقالت الابنة نجلاء (18 عاما)، ان المجتمع بكامله تحول ضدهم الآن، وقالت ان جدتهم نفسها رفضت الحديث معهم. لم تشاهد نجلاء الشريط الذي اعترفت فيه والدتها بالتعاون مع اسرائيل، لكنها تعتقد ان الاعتراف املي عليها بالاكراه. واضافت انه حتى اذا ثبت ان والدتها متعاونة، وهو ما تستبعده نجلاء، كان من الممكن تطبيق عقوبة اخرى عليها غير الإعدام.

الجدير بالذكر ان اعضاء في كتائب الاقصى ادعوا مسؤولية اعدام اخلاص خولي وذلك في مكالمات هاتفية الى وكالتي «رويترز» و«اسوشييتد برس» بعد وقت قصير من القاء جثتها بالقرب من نصب تذكاري في المدينة. واعرب سكان طولكرم عن اعتقادهم انه من الطبيعي ان ينفي أعضاء الاسرة وجود متعاونين في وسطهم لأن في ذلك وصمة تلازمهم على مدى سنوات، ان لم يكن اجيالا. وقال نادر نوفل (23 عاما)، الذي يعمل في متجر بالقرب من الساحة الرئيسية بالمدينة، ان التعاون مع اسرائيل وصمة تظل ملازمة للاسر الى الابد، بل يعتقد ان قتل اخلاص بهذه الطريقة لا يعدو ان يكون عقوبة صغيرة لأن التعاون، على حد قوله، «اسوأ جريمة يمكن ان يتخيلها الشخص».

والكثير من سكان طولكرم يعتقدون بصحة البينات الظرفية التي استخدمت في إدانة اخلاص، رغم انهم يشعرون في نفس الوقت بالقلق إزاء استخدام التعذيب والإعدام بدون محاكمة. وتتضمن الادلة التي استخدمت ضد اخلاص حقيقة ان شقيقها كان يعيش في اسرائيل كمتعاون معروف، كما يقول سكان المدينة، وانها كثيرا ما شوهدت تسير مع اشخاص غرباء او تلتقيهم. وتعتقد مايسا بدران (35 عاما)، التي تعمل في صيدلية لا تبعد سوى خطوات من منزل خولي، ان لديها بعض التحفظات لأن اخلاص ام لأطفال، لكنها اشارت الى ان «الخونة يستحقون ما ينزل بهم من عقاب». فإخلاص، على حد تعبير مايسا بدران، «لم تفكر في اطفالها واسرتها قبل التورط مع الاسرائيليين».

*خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»