التهديد بضرب العراق يضع معسكري بوش الأب وبوش الابن في خانتين متباينتين

بيكر وسكوكروفت وايغلبرغر لا يشاركون تشيني ورامسفيلد رؤيتهما حول ما يشكله صدام من خطر وسبل التعامل معه

TT

هل يشكل صدام حسين خطرا وشيكا على أمن الولايات المتحدة؟ الرئيس جورج بوش يقول: نعم، لكن برينت سكوكروفت مستشار أبيه السابق للأمن القومي يقول: لا. هل على الولايات المتحدة أن تجعل هدفها إسقاط صدام حسين؟ يقول نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني: نعم، بينما يقول وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر: ربما لا. وهل على الولايات المتحدة أن تقوم بغزو العراق بدون الحصول على موافقة الأمم المتحدة؟ يقول مساعدو بوش وتشيني: نعم، في الوقت الذي يقول جيمس بيكر وزير خارجية جورج بوش الأب: لا.

بلغ النقاش حول التدخل الأميركي في العراق أقصى حدوده خلال هذا الصيف داخل الولايات المتحدة، وإذا كانت الإجابات غير واضحة بعد فإن الأسئلة على الأقل أصبحت واضحة أكثر فأكثر. وحتى الآن ما زال النقاش يدور بشكل أساسي بين معسكرين جمهوريين، بينما ظل الديمقراطيون متفرجين. ويُعرف أحد المعسكرين غالبا باسم «المحافظين الجدد» وهذه التسمية تشمل الرئيس بوش ونائبه تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومسؤولين آخرين. أما المعسكر الآخر فيُطلق عليه اسم «الواقعيين»، وينتمي إليه بيكر وسكوكروفت.

لكن النقاش ارتفعت حدته درجة أخرى حينما سخر الصحافي المنتمي إلى معسكر «المحافظين الجدد» ويليام كريستول، الذي كان مساعدا لنائب الرئيس بوش الاب ، دان كويل، من سكوكروفت ومؤيديه معتبرا إياهم من «المسترضين» وهذه عبارة جدلية تستخدم داخل دوائر السياسيين المعنيين بالسياسة الخارجية. من جانبه، رفض سكوكروفت الرد على كريستول لكن صديقه لورنس ايغلبرغر أحد وزراء الخارجية السابقين اعتبر المحافظين الجدد أصحاب «عنجهية». من جانب آخر، لم يقل الزعماء الديمقراطيون الكثير باستثناء حثهم للرئيس بوش لاستشارة الكونغرس قبل دخول الحرب. وقال أحد الوجوه البارزة في الحزب الجمهوري عنهم: «إنهم يضحكون من وراء الخطوط...إذا كنا نقاتل بعضنا بعضا فهم لا يريدون ما يصرف الانتباه عن ذلك». لكن الديمقراطيين قد يفقدون فرصة المشاركة في هذا النقاش جراء هذا الموقف. وفي هذا الصدد قال مايكل ماندلبوم، الأكاديمي في مجلس العلاقات الخارجية: «إنه نقاش مهم جدا، نقاش حول سؤال معقد فحواه: متى يكون العمل العسكري الهادف لمنع وقوع هجوم لاحق مبررا؟ واتضح أنه من الصعب أن تدخل الولايات المتحدة في حرب على الرغم من أن عليها أن تقوم بذلك. لكن تلك الصعوبة قد تكون دليلا على الحالة الصحية السليمة للنظام الأميركي». وكان بوش ومساعدوه قد أعلنوا عن ترحيبهم بالنقاش، إضافة إلى تأكيدهم أن الرئيس لم يقرر بعد أي عمل عسكري سيتبناه. وضمن هذا السياق قال مسؤول في البيت الأبيض اول من امس «سيكون من الخطأ تفسير ما بقينا نردده كإشارة إلى أن عملا عسكريا موشك على الحدوث».

ويمكن ايجاز النقاط الأساسية للنقاش حتى الآن في ما يلي:

- هل يشكل العراق خطرا فوريا على الولايات المتحدة؟

طوال هذه السنة ظل الرئيس بوش يحذر من أن صدام حسين قد يقدم بعضا من أسلحته النووية والكيماوية والبيولوجية لمنظمات مثل «القاعدة». وفي هذا الصدد قال بوش: «قد يكون ممكنا توقع أن يسعى صدام حسين آنئذ لتحقيق الهيمنة المطلقة في الشرق الأوسط، والتحكم بجزء كبير من مصادر الطاقة العالمية، وتهديد أصدقاء الولايات المتحدة بشكل مباشر في المنطقة برمتها أو ابتزاز بلدان آخرى نوويا». وتبدو هذه الفكرة كرد على سكوكروفت الذي كتب في صحيفة «وول ستريت جورنال» محاججا ضد فكرة التهديد العراقي الذي اعتبره مبالغا فيه. وقال في مقالته «صدام ديكتاتور عدواني مألوف، له أهداف تقليدية... وهناك دلائل واهية تشير إلى أن الولايات المتحدة نفسها هدف لعدوانه. لكن بالأحرى تكمن مشكلة صدام حسين مع الولايات المتحدة في أننا نقف بوجه طموحاته. وهو يسعى للحصول على أسلحة دمار شامل لا لكي يعطيها للإرهابيين بل ليردعنا عن التدخل».

لكن سكوكروفت يحاجج بأنه في حال حصول صدام حسين على أسلحة نووية سيتعين على الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري. لكن الآن يجب أن تأتي حرب الإدارة الأميركية على الإرهاب أولا ـ وغزو العراق سيعرقل هذا المسعى. وتساءل: هل على الولايات المتحدة أن تصر على اطاحة صدام حسين أو أنه يمكن احتواء العراق من خلال نظام دولي أكثر صرامة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق؟ في المقابل يرى بوش ومساعدوه أن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها ضمان عدم مهاجمة صدام حسين لجيرانه أو استعمال أسلحة الدمار الشامل هو إسقاط حكومته. وقال بوش في هذا الصدد: «السياسة المقرَّرة لهذه الحكومة هي تغيير النظام».

لكن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في حكومة بيل كلينتون تحاجج ضد فكرة تغيير النظام الذي تعتبره غير ضروري ـ وأن أهداف الولايات المتحدة يمكن تحقيقها من خلال إرسال الفرق الدولية للتفتيش عن الأسلحة إلى العراق. وقالت أولبرايت الأسبوع الماضي: «أعتقد أن العراق وصدام حسين قد تم احتواؤهما جيدا من خلال قوانين العقوبات الاقتصادية الدولية. وأظن أنه سيكون أمرا جيدا جدا إذا رجع مفتشو الأسلحة إلى العراق».

أما بالنسبة لأغلبية الجمهوريين «الواقعيين» فقد اتخذوا موقفا وسطا تجاه هذه المسألة، ويرون أن على الولايات المتحدة أن تجرب تفتيش الأسلحة أولا ثم تتجه نحو الحرب إذا فشل عمل المفتشين. من جانبه يرى هنري كيسنجر، الذي احتل موقع وزير الخارجية في فترات رئاسة نيكسون وفورد، أن تفتيش الأسلحة أما سيضعف نظام صدام حسين أو يعطي الولايات المتحدة مبررا قويا لتغيير النظام. وقال كيسنجر «إذا كان ممكنا وضع نظام لتفتيش الأسلحة يقبله صدام حسين، وإذا كان ممكنا تطبيقه وفرضه عليه، فان ذلك سيحقق تغييرا ملموسا للنظام. لكنني لا أعتقد أن ذلك ممكن بدون وجود التهديد بالحرب... أنا أفضل شخصيا التحدث أقل عن تغيير النظام والتحدث أكثر عن إزالة أسلحة الدمار الشامل». لكن تشيني رفض هذه الفكرة معتبرا أن فكرة تجديد عمليات التفتيش على الأسلحة «حماقة خطيرة»، وقال في هذا الشأن: «على العكس، هناك خطر عظيم من منح شعور زائف بأن صدام قد تم احتواؤه».

ـ هل يتعين على الولايات المتحدة الحصول على موافقة الأمم المتحدة اذا قررت غزو العراق؟

وعد بوش ومساعدوه أن «يتشاوروا» مع الكونغرس ومع حلفاء الولايات المتحدة قبل البدء بأي هجوم ضد العراق، لكنهم لم يقدموا أي تعهد بطرح هذه القضية أمام مجلس الأمن الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المحافظين الجمهوريين الجدد قد اعتبروا الأمم المتحدة، بشكل غير رسمي، عنصرا معيقا للعمل العسكري الأميركي، ورفضوا فكرة أن يسعى الرئيس الأميركي للحصول على تأييد خارجي قبل ضرب عدو مثل صدام حسين.

لكن «الواقعيين» يحاججون بأن السعي للحصول على موافقة الأمم المتحدة هو فكرة جيدة، لأنه سيساعد على إقناع البلدان الأخرى للمشاركة في هذا المسعى. فجيمس بيكر الذي قال إنه يؤيد فكرة «تغيير النظام» قال في مقالة نشرها في صحيفة «نيويورك تايمز» إن «السعي للحصول على موافقة الأمم المتحدة هو الآن ضروري، سياسياً وعملياً، وسيساعد على بناء دعم دولي».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»