وسط الرباط يتحرك إلى حي «أكدال» وشارع الصحافة المغربية تحول إلى ذكريات

TT

خلال السبعينات كان حي «اكدال» في الرباط الحي المفضل للشرائح المقتدرة وكبار موظفي الادارات الحكومية. حي سكني لا توجد به ادارات أو شركات. هادئ تفوح في شوارعه رائحة الزهور وأشجار الياسمين. لكن مع مطلع الثمانينات ستنقلب أوضاع هذا الحي رأساً على عقب عندما تقرر السماح ببناء عمارات وبنايات تتكون من عدة طوابق. هجم المقاولون والمنعشون العقاريون على «أكدال» وراحت اسعار الاراضي تعرف تصاعداً حتى أضحى الحي من أغلى احياء العاصمة المغربية. حالياً لم يعد «اكدال» قبلة الادارات والشركات فقط بل استطاع ان «يسحب» وسط العاصمة اليه.معظم الوزارات انتقلت الى «اكدال» وكذلك الكليات الجامعية وعدد لا يحصى من الشركات.

في السابق كان شارع «علال بن عبد الله» قلب الرباط. الآن تحول شارع «فال ولد عمير» في «اكدال» الى قلب بديل الى حد ان مقاهي الرصيف في «أكدال» اضحت تغلق في الفجر والناس تتسكع الى ما بعد منتصف الليل دون انتباه للوقت الذي يتسرب.

ومثل معظم الشرائح الاجتماعية الاخرى تحول الصحافيون والكتاب الى مقاهي «فال ولد عمير» واصبح بائع الصحف الليلي الذي يوجد في شارع فرنسا وهو الشارع الذي يتوسط «اكدال» سعيداً بهذا التحول.

وبموازاة مع ذلك تحول شارع علال بن عبد الله في وسط الرباط الذي كان في زمن مضى يعج بالصحف والصحافيين الى شارع مقفر. معظم الصحافيين رحلوا والصحف غادرت أو اندثرت.

هذه الايام تنشر صحيفة «العلم» اعلاناً صغيراً عن بناية معروضة للبيع في شارع «علال بن عبد الله». هذه البناية على وجه التحديد هي التي كانت تضم مكاتب «العلم» نفسها وزميلتها «لوبنيون» التي تصدر بالفرنسية.

في زمن مضى، تحول الآن الى ذكريات، كانت مقاهي شارع «علال بن عبد الله» ملتقى للصحافيين والمثقفين والتشكيليين والسينمائيين والمسرحيين وبطبيعة الحال المخبرين وعناصر الشرطة السرية وأيضاً بعض المحتالين الأنيقين، هؤلاء انتقلوا الآن الى شارع «فال ولد عمير» او الى مقاهي «اكدال» كانت هناك عدة صحف في شارع «علال بن عبد الله» فاضافة الى «العلم» و«لوبنيون»، اختارت صحيفة «لوماتان» التي تصدر من الدار البيضاء، وسط شارع «علال بن عبد الله» مقراً لمكاتبها الرئيسية في العاصمة، ومن تلك المكاتب صدرت صحيفة «المسيرة» قبل ان تندثر كما هو شأن يوميات اخرى لم تقو على الصمود أو قتلها أصحابها، ومن نفس المكاتب انطلقت يوميتا «الميثاق الوطني» و«المغرب» اللتان اندثرتا بعد ربع قرن من الصدور.

وانتقلت «الميثاق الوطني الى رأس شارع» علال بن عبد الله «قبل ان تهجره الى حي «ديور الجامع»، وهناك راحت تحتضر في صمت.

في الشارع نفسه صدرت صحيفة «أنوال» لكن الانشقاق الذي حدث داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي كانت تصدرها أدى الى اختفاء هذه الاسبوعية، ولولا انتقال وكالة المغرب العربي للأنباء (وكالة الانباء الرسمية) الى مبنى في شارع «علال بن عبد الله» لكان الطابع الصحافي لهذا الشارع قد انتهى تماماً. وفي حالة أقرب ما تكون الى «مواساة» وكالة المغرب العربي لاتزال تحتفظ وكالة الأنباء الفرنسية بمكاتبها هناك في أحد الأزقة المتفرعة من شارع «علال بن عبد الله». كان شارع «علال بن عبد الله» يعج بمتاجر الهنود حالياً لم يبق منها سوى متجر واحد يبيع بعض الملابس. واذا كان الجميع يعرف الى أين رحل الصحافيون والصحف فإن أحداً لا يعرف الى اين ذهب اولئك الهنود.

ولعل من مفارقات هذا الشارع العريق أن عدداً كبيراً من متاجره وبناياته تعرف نزاعات في المحاكم. وربما يفسر ذلك العدد الهائل من مكاتب المحامين المنتشرة مثل الفطر في بنايات الشارع والأزقة المتفرعة عنه.

يعلق أحد الصحافيين بسخرية مريرة على أحوال شارع «علال بن عبدالله» الذي يحتضر قائلاً «نخشى ان يأتي يوم تقرر فيه وزارة الثقافة ضم شارع «علال بن عبدالله»، الذي يحمل إسم احد ابطال المقاومة المغربية ضد الاحتلال الفرنسي، الى المآثر التاريخية.

ولعل الصحافيين المغاربة الذين يتجمعون حالياً في مقاهي شارع «فال ولد عمير» الأنيقة والتي يرتادها الشباب والصبايا يقول لسان حالهم إن الماضي دائماً ما نحبه عدلاً أو ظلماً.