بوش يضحي بالديمقراطية لكسب الحلفاء.. باكستان نموذجا

TT

واشنطن ـ رويترز: اعاد احتضان الرئيس الاميركي جورج بوش لحاكم باكستان العسكري الجنرال برويز مشرف، رغم اغتصاب جديد للسلطة من قبل الرئيس الباكستاني، الى الاذهان استعداد الولايات المتحدة للتخلي عن مبادئها المعلنة مقابل مكسب استراتيجي مثير للجدل. وقال حسين حقاني الباحث الزائر في معهد كارنيجي للسلام الدولي والمستشار الاسبق للعديد من رؤساء وزراء باكستان: «الولايات المتحدة تحتاج باكستان لكنها ليست في حاجة لان تقوي نظاما دكتاتوريا عسكريا لضمان تعاونها».

وفي اعقاب هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي رسم بوش خطا فاصلا بين من يحاربون الارهاب وبين من يشجعونه. ويرى ان مشرف يقف بوضوح في صفوف الاخيار المعادين للارهاب. وقال بوش للصحافيين بعد ان اعلن الرئيس الباكستاني في الاسبوع الماضي تغييرات دستورية تزيد على نحو كبير من سلطته: «لا يزال الرئيس مشرف ملتزماً معنا بشدة في الحرب ضد الارهاب.. انه يدرك ان علينا مواصلة مطاردة القاعدة» في اشارة الى الجماعة المتهمة بتنفيذ الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

لكن فيما يتعلق بمسألة دفع الديمقراطية قدما اعطى بوش انطباعا بانه اقل التزاما بهذه المثل الاميركية عندما تكون المصالح الاخرى مهددة. ويعتقد حقاني ان بوش ارتكب خطأ عندما حدد مشرف الرجل بدلا من باكستان الدولة كحليف للولايات المتحدة.

وقال: «عانت الولايات المتحدة من العواقب عندما حدث ذلك في الماضي»، مشيرا الى امثلة شاه ايران الذي اطيح به في ثورة عنيفة والزعيم الباكستاني الاسبق ضياء الحق الذي فرض الاحكام العرفية وفرديناند ماركوس الرئيس الفلبيني الذي اطيح به في «ثورة شعبية». واشار حقاني الى انه عرف هو وكثيرون اخرون مسبقا بخطوات مشرف الدستورية وان تحذيرا وقائيا من جانب بوش ربما اقنع الزعيم الباكستاني بالتراجع.

كما عاب تونكو فاراداراجان الكاتب بصحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية على بوش انه لم ينهر مشرف الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري سلمي عام 1999، والذي وعد باعادة الديمقراطية، لكنه مدد ولايته مرارا وسيطر تماما على المؤسسات الديمقراطية. وكتب يقول: «هل سيكون التحالف المناهض للارهاب اقل امانا اذا قام على شراكة مع مؤسسة اي مع حكومة منتخبة بدلا من الشراكة مع فرد واحد»؟

وسمحت التعديلات الدستورية الجديدة لمشرف ان يحل الدستور بارادته. وتمنع المعايير الصارمة الشخصيات المدنية التي تمثل تحديا جديا ومن بينهم رؤساء وزراء سابقون مثل بي نظير بوتو ونواز شريف من ترشيح انفسهم من الانتخابات المقرر ان تجرى في اكتوبر (تشرين الاول) القادم.

وتساءل فاراداراجان قائلا: «اذا كان بوش يستطيع ان يطالب بانتخابات حرة تؤدي الى صعود قادة جدد والى اصلاح سياسي للفلسطينيين، فلماذا لا يطلب الشيء نفسه من الدكتاتور الباكستاني ويوسع الفضل ليشمل الشعب الباكستاني». ومطالبة بوش باصلاحات سياسية فلسطينية ابرزت اوجه عدم الاتساق في السياسة الاميركية التي تغذي الاستياء في العالم من ازدواجية المعايير الاميركية. ويهاجم المنتقدون بوش لانه يبدو مستعدا للتمادي في اللين مع حكومات تسلطية تحتاجها الولايات المتحدة كشركاء رئيسيين.

وابدت وزارة الخارجية الاميركية قلقا علنيا من ان تغييرات مشرف الدستورية قد تؤدي الى نكسة للديمقراطية في باكستان. لكن تعهدات بوش حجبت التحذير الذي نقله نائب المتحدث باسم الخارجية، كما انها سلطت مزيدا من الضوء وحسب على التوترات بين التأييد الاميركي اللفظي للديمقراطية في العالم وبين الحاجة العملية لحلفاء اقوياء يعتمد عليهم.

كما قال مسؤول اميركي ان ريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية الاميركي حث مشرف سرا اثناء زيارة لاسلام اباد في اوائل الاسبوع الحالي على «التحرك نحو اعادة الديمقراطية». ويصر المسؤولون الاميركيون على ان اشادة بوش بمشرف ليست تفويضا على بياض، وان واشنطن مصممة على تشجيع الديمقراطية في باكستان، لانها الوسيلة الوحيدة لاقامة حكم مستقر، وللتغلب على القوى المتطرفة. لكن الادارة الاميركية لا تزال متعاطفة مع شكاوى الجيش الباكستاني بان الديمقراطية الباكستانية معيبة وفاسدة.

وقال مسؤول اميركي: «لا اعتقد ان الرئيس مشرف يتخذ هذه الخطوات انطلاقا من اي طموحات شخصية ولا انه يريد تنصيب نفسه حاكما مدى الحياة، لكن فكرة العودة للعملية الديمقراطية تجعله متوترا.. وصراحة فان لديه اسبابا وجيهة لان يتوتر».

الا ان حقاني وفاراداراجان يريان ان الديمقراطية لم تمنح ابدا فرصة حقيقية كي تضرب بجذورها خلال 54 عاما من الاستقلال في باكستان. وقالا ان الجيش الذي يتقدم كل بضعة سنين ليستولي على السلطة من قادة منتخبين يعد مشكلة رئيسية. وقال حقاني: «الجيش يعتقد ان اعادة تعريف الديمقراطية لا ممارستها هو الحل».