الكونغرس الأميركي لا يعارض عملا حازما ضد صدام لكنه يريد من البيت الأبيض مبررات يمكن الدفاع عنها

TT

قال أعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي أول من أمس إن على الرئيس أن يقنعهم بضرورة خوض الحرب ضد العراق، وجاءت هذه التصريحات بعد عودتهم من عطلة أغسطس (اب) إلى واشنطن، حيث يحمل الكثير منهم أسئلة جادة حول مخططات إدارة بوش الحربية. وضمن هذا السياق، قال العديد منهم، مثل زعيم الأقلية الجمهورية ترينت لوت، الذي سبق له أن أكد ضرورة حصول بوش على موافقة مجلس الشيوخ في استخدام القوة العسكرية ضد العراق، إنهم مؤمنون بضرورة طلب الإدارة الأميركية موافقة الكونغرس قبل البدء بالهجوم العسكري.

وقال بعض اعضاء الكونغرس أيضا إن على الولايات المتحدة أن تسعى مرة أخرى لجعل العراق يقبل بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين قبل اللجوء إلى الحل العسكري. وانه اذا عرقلت بغداد عودة المفتشين فإن هذا الموقف سيساعد على بناء دعم دولي للعمل العسكري الأميركي اللاحق.

وجاءت هذه التقييمات في وقت دعا بوش زعماء الكونغرس ونائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس لحضور اجتماع في البيت الأبيض صباح أمس صباحا لمناقشة القضايا المتعلقة بالإرهاب، وهذه تتضمن السياسات المعنية بالملف العراقي. ومن جانبه قام وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بتزويد أعضاء مجلس الشيوخ بمعلومات سرية امس. ومن المتوقع أن يطرح بوش في خطابه للأمم المتحدة يوم 12 الشهر الحالي موضوع الإطاحة بصدام حسين ضمن قضايا أخرى، حسب ما قاله مسؤولون في الإدارة الأميركية.

وقال المسؤولون إن هذه النشاطات تشير إلى الجهد الشخصي الذي يبذله بوش حاليا لإقناع أعضاء الكونغرس والعالم بضرورة اطاحة صدام حسين، لكنهم اعترفوا بأن هذه الجهود تكون دون ما يطلبه المشرعون الأميركيون. من جانب آخر أصر مسؤولو البيت الأبيض على أن ذلك شيء سابق لأوانه لأن بوش لم يتخذ قرارا نهائيا بعد. وضمن هذا السياق أخبر آري فلايشر المتحدث باسم البيت الابيض الصحافيين أول من أمس أن «الرئيس سيطرح القضية بغضّ النظر عما سيكون قراره النهائي. وحينما يصل إلى هذا القرار فإنه واثق من أن الناس سيستمعون إليه وسيتخذون أحكاما جيدة، نتيجة لتلك المشاورات المسبقة التي أجراها معهم».

وقال فلايشر إن بوش سيخطط لموقفه تجاه «التهديد» الذي يشكله صدام حسين «بطريقة استشارية، بطريقة محترمة، وبطريقة تستند إلى الاستماع للآخرين». وأضاف أن لقاء امس كان يهدف إلى «أن يقنع الرئيس الآخرين وأن يقود... إنه لإقناع الآخرين والاستماع لهم».

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر أعضاء مجلس الشيوخ أبقوا توجساتهم من نتائج أي غزو للعراق لأنفسهم، لكن بعد شهر من استماع اعضاء المجلس لمخاوف الناخبين في ولاياتهم من إمكانية حدوث حرب خلال فترة توقف أعمال الكونغرس في أغسطس (اب)، فانهم اصبحوا صريحين في التعبير عن مشاعر ناخبيهم.

وضمن هذا المناخ عبّر بعض أكثر المؤيدين لبوش عن أنهم حتى مع احتمال تأييدهم للعمل العسكري ضد العراق، لن يستطيعوا القيام بذلك على أساس ما قُدم لهم وللجمهور الأميركي من معلومات حتى الآن. وفي هذا الصدد قال السيناتور لاري كريغ، رئيس لجنة السياسات الجمهورية في مجلس الشيوخ: «لو أنني صوتُّ اليوم على موضوع الحرب فسيكون تصويتي بالرفض، لأنني غير مقتنع من أن القضية قد طُرحت بشكل مقنع على الجمهور الأميركي». وأضاف أن الحكومة بدأت تطرح القضية علنيا لكنها تحتاج القيام بجهود أكبر، على الرغم من أنه من أكثر المؤيدين لسياسات الإدارة الأميركية الحالية.

أما السيناتورة سوزان كولنز التي تعتبر من الشخصيات المعتدلة داخل الحزب الجمهوري فهي الأخرى صرحت بموقف مماثل: «تحتاج الولايات المتحدة كي تقوم بضربة وقائية ضد العراق لأن تقدم أدلة قاطعة. أنا ما زلت بانتظار الاستماع إلى الأدلة».

لكن لوت لم يتبن موقفا مماثلا حينما قال: «أعتقد أن علينا أن نصل إلى صوت أكثر تجانسا تجاه التهديد الذي يشكله صدام حسين وتجاه مخططات الإدارة الأميركية لمواجهته». وحينما سئل إن كان مرتاحا لما طرحه البيت الأبيض حتى الآن بخصوص هذه القضية قال: «أنا بحاجة إلى يومين آخرين كي استطيع الإجابة على هذا السؤال».

من جانبه قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ توماس داشلي: «معظم الديمقراطيين متفقون على ضرورة أن يقدم الرئيس شروحا أكثر حول القيام بعمل عسكري ضد العراق». وقال داشلي إن الإدارة الأميركية تحتاج بشكل خاص إلى شرح المعلومات الجديدة التي بحوزتها حول التهديد الذي يشكله العراق وآثار الهجوم عليه على المساعي المبذولة حاليا ضد الإرهاب، إضافة إلى آثاره على العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة بحلفائها، وما هي تكاليف الغزو العسكري وتكاليف خطط إعادة بناء العراق بعد صدام حسين. وأضاف داشلي أن الالتجاء إلى عمل عسكري أحادي بدون دعم الحلفاء له قد تكون له «نتائج خطيرة جدا جدا على بلدنا».

من جانب آخر، طرح بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين تساؤلات حول وضع إدارة بوش العراق كأسبقية لها في الوقت الذي كان يجب «أن يكون للوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أسبقية» حسب ما قال السيناتور الديقراطي دايان فاينشتاين. وأضاف كذلك: «أن يُترك هذا الموضوع بدون حل والبدء بالهجوم على بلد عربي، فان ذلك سيوحد العالم العربي ضدنا». وقال آخرون إنه قد تكون الإدارة الأميركية ميالة إلى إصدار حكم سريع. وضمن هذا السياق قال السيناتور الديمقراطي جون كيري أحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة: «أعتقد أنهم يدفعون بموضوع الحرب بشكل سريع».

أما السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي يعتبر من أكثر المؤيدين لسياسة الإدارة الأميركية تجاه العراق، على الرغم من خلافاته معها في قضايا أخرى، فقال إن تشيني قد بدأ بشرح موقف الإدارة الأميركية المنحاز إلى غزو العراق. وتوقع أن يحصل بوش بسهولة على موافقة مجلسي النواب والشيوخ في حالة سعيه لها.

وإذا كان بوش لم يعلن بعد إن كان سيسعى للحصول على موافقة الكونغرس لاستعمال القوة ضد العراق، قال العديد من الشيوخ إنهم مقتنعون بسعيه للحصول على هذه الموافقة مثل ما فعل أبوه، حينما أراد أن يخوض حرب الخليج الثانية سنة .1991 وفي هذا السياق قال السيناتور الجمهوري لوت: «على الرغم من أن الحكومة لا تحتاج قانونيا إلى موافقة الكونغرس لكنني أعتقد أنه من الناحية الواقعية يحتاج بوش إلى مشاركة الكونغرس ودعمه». أما السيناتور داشل فقال: «نحن لدينا مسؤولية دستورية ونحن سنسعى إلى الإيفاء بهذه المسؤولية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»