وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية: العالم الإسلامي يعيش حاليا حالة «اللا حول واللا قوة»

قال ل«الشرق الأوسط» تدفق المساعدات الأميركية على باكستان يعود لدور مشرف في مطاردة فلول «القاعدة» وطالبان

TT

قبل توليه منصب وزير الشؤون الخارجية في الهند منذ عدة أشهر، كان باشوانت سينها معروفا في الدوائر العالمية بأنه المتحدث الرئيسي باسم «الهند الرقمية». وبصفته وزيرا للاقتصاد والمالية كان سينها يحضر بانتظام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) بخطاب موجز للترويج للهند باعتبار انها «أفضل مكان به فرص الاستثمار» في آسيا اليوم. وبصفته وزيرا للشؤون الخارجية، تقع على عاتق سينها المهمة الأصعب في استعادة وضع الهند باعتبارها لاعباً مهماً في السياسات الدولية.

وقد أجاب سينها عن اسئلة «الشرق الاوسط» في مقابلة أجريت معه في مكتبه بنيودلهي الاسبوع الماضي. سألته:

* بالنظر الى سياسة الهند الخارجية الآن، يلاحظ بعض المراقبين ما يسمونه «بالافتقار الى التركيز»، بخلاف الفترة ما بين الخمسينات والستينات من القرن الماضي، اذ لم يظهر ان للسياسة الهندية الخارجية قضايا كبرى، هل تتطلع من خلال موقعك الجديد الى إيجاد قضايا جديدة؟

ـ لا يعتبر الأمر موضوع قضايا جديدة، فان العديد مما تسميه أنت قضايا قديمة في السياسة الخارجية للهند ما زالت صالحة اليوم، كما كانت منذ جيل مضى، على سبيل المثال، حالة اللا حول واللا قوة التي يحياها ما يسمى باسم «العالم الاسلامي» في عصر العولمة.. هذا يعتبر اليوم أكثر صدقا حتى مما كان في عقود مضت.

من المؤكد ان العالم قد تغير، وقد أدى انتهاء الحرب البادرة الى وجود فرص جديدة ومخاطر جديدة، فخلال الحرب الباردة كانت سياسة الهند الخارجية تهدف الى الحد من الاستقطاب في العالم بين الكتلتين المتنافستين، وهو ما أدى الى تزايد التهديد بنشوب حرب نووية، أما اليوم، أصبح لزاما علينا محاربة استقطاب آخر بين الأمم التي استفادت تماما من العولمة وتلك التي تخلفت، أحيانا بلا أخطاء من قبلها. فالأوامر الأخلاقية والقيم الانسانية، واذا اردت، بعض المثاليات، التي تتسم بها السياسة الخارجية للهند منذ البداية، ما زالت صالحة اليوم كما كانت أبدا.

* انتم تبدون أكثر نشاطا بالنسبة للبلدان المجاورة، هل يعتبر هذا جزءا مما يسمى سياسة «الاتجاه نحو الشرق»؟

ـ الهدف الأول لأي سياسة خارجية هو التأكد من وجود أفضل العلاقات مع الجيران المقربين، وهذا ما جعلني أعطي الأولوية لزيارة جميع الدول المجاورة في الاسابيع القليلة الأولى لتوليتي المنصب، باستثناء باكستان لاسباب واضحة. ونأمل أن نتمكن من تطوير التشريعات والاتفاقات التي تربطنا جميعا في ذلك الجوار. لقد تحدثت عن القضايا الكبرى، حسنا، إحدى تلك القضايا هي إيجاد تحالف يجمع جميع أمم شبه القارة الهندية، والهدف من وجود سياسة «الاتجاه نحو الشرق» هو تأكيد علاقاتنا وتطويرها مع الأمم الآسيوية الأخرى.

ولكن لا ننسى ان الهند تعتبر الآن رابع أكبر اقتصاد في العالم، مما جعلها تحظى بعلاقات متعددة الجوانب مع العديد من الدول ومجموعات الدول، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان.

* هل توافق على القول ان الهند بصورة ما تستغرقها قضية باكستان؟

ـ ربما تؤكد وسائل الاعلام هذا الانطباع، بما في ذلك وسائل اعلامنا نحن، ففي اول مؤتمر صحافي لي على سبيل المثال، تحدثت عن عدد كبير من القضايا، وأي شخص قرأ الصحف الهندية في اليوم التالي سيخرج بانطباع أنني لم اتكلم إلا عن باكستان، بالتأكيد، اننا نعاني من مشكلات كبرى في العلاقات مع باكستان، ولم يكن الهجوم على البرلمان الهندي بأيدي إرهابيين ترعاهم باكستان بالأمر الذي يمكن تجاهله، وكان الاعتداء يهدف الى قتل «الدرجة الأعلى» في قيادة أمتنا السياسية. كما يوجد أيضا التكرار شبه اليومي للممارسات الإرهابية التي ترعاها باكستان في اقليم جامو وكشمير، وهذه أشياء لا يمكن تجاهلها، ولكنني اؤكد على عدم وجود استغراق.

* الآن، بما أننا تكلمنا عن باكستان، دعني أسألك عن فرص اقامة حوار بين نيودلهي واسلام آباد؟

ـ لقد قلنا دوما اننا على استعداد لاقامة الحوار، ولكن لا يحتمل اقامة حوار فعال طالما ان باكستان مستمرة في تنظيم قتل المدنيين في اقليم جامو وكشمير. ان ما نقوله هو انه يتعين على باكستان وقف الإرهاب العابر للحدود اولا، وعندئذ تدخل في مباحثات معنا، واننا على استعداد لمناقشة كل شيء.

* بما في ذلك قضية اقليم جامو وكشمير؟

ـ بالتأكيد، برغم اننا لا نعتبر اقليم جامو وكشمير أرضا متنازعا عليها، فإننا نعترف بحقيقة ان باكستان تنازعت معنا حولها.

* ألا توجد تركيبة سحرية يمكنها حل قضية كشمير؟

ـ لاتوجد تركيبات سحرية، ولكن لدينا عددا من الأفكار، كما توجد أيضا اتفاقات سملا ولا هور بين الهند وباكستان، والتي يمكن استخدامها كأساس للتسوية.

* هل تعتقد انه بامكانك عقد اتفاق مع الرئيس برويز مشرف؟

ـ ـ لقد قضى الجنرال مشرف في السلطة الآن خمس سنوات ، وبموجب الترتيبات الدستورية الحديثة التي وضعها، يملك جميع الصلاحيات، وهكذا، فانه يمكنه، اذا اراد ذلك، ان ينضم إلينا في مفاوضات لحل جميع مشكلاتنا الثنائية.

* هل تعتقد انه سيفعل ذلك.. هل انت متفائل حيال هذا الشأن؟

ـ بصراحة لا، فخبرتنا توضح اننا يمكننا احراز بعض التقدم مع الحكومات المدنية المنتخبة بصورة ديمقراطية في باكستان، ولكن لم يكن الأمر كذلك أبدا مع الحكم العسكري هناك، ومع ذلك، فان ذلك لا يعني أننا لن نتجاوب بصورة إيجابية عند حدوث أي انفراج في السياسة الباكستانية.

* الدور الاميركي

* ما هو الدور الفعلي الذي تلعبه الولايات المتحدة فيما يتعلق بالنزاع مع باكستان، هل يعتبر هذا وساطة؟

ـ لا، لا أسميها وساطة، فقد تولت الولايات المتحدة دورا قياديا في الحرب الدولية ضد الإرهاب، والهند أيضا، لديها اهتمام قومي حيوي للقضاء على الإرهاب الدولي، ولهذا فان الولايات المتحدة والهند تعتبران حليفتين ضد قوى الإرهاب، وفي ذات الوقت، تحتاج الولايات المتحدة الى دعم باكستان كي تدمر فلول حركة طالبان و«القاعدة» في كل من باكستان وافغانستان، وهذا هو السبب وراء تدفق مساعدات الولايات المتحدة على باكستان، مما يدعم موقف الجنرال مشرف، ولكن يوجد تباين واضح عندما تساعد باكستان الولايات المتحدة ضد حركة طالبان و«القاعدة»، بينما تقوم بتجنيد وتدريب وتسليح جماعات إرهابية أخرى ضدنا، فالحرب على الإرهاب ينبغي ان تكون حربا ضد جميع أشكال الإرهاب، فلا يمكن لباكستان ان تنتقي وتختار، ولهذا ترى الولايات المتحدة هذا أمرا واجبا لتلح على هذه النقطة مع القادة الباكستانيين. ومع ذلك فان هذا لا يعتبر وساطة. وعندما تنجح الولايات المتحدة في اقناع باكستان بالتوقف عن تصدير الإرهاب ضدنا، اذا نجحت في ذلك، سوف نكون في وضع يسمح ببدء حوار مباشر مع جارتنا، وفي الوقت ذاته، يجب ألا نغفل حقيقة أن شعب الهند اصبح يكن شعورا متزايدا بالغضب نحو باكستان وسياستها المتعجرفة والداعمة للمجرمين الذين يستهدفون المدنيين الابرياء في اقليم جامو وكشمير، والولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة وتعلم ان التصرفات الباكستانية تضر بأهداف الحرب العالمية ضد الإرهاب.

* انني متحير قليلا حول سياسة الهند النووية، اذا ما كانت هناك سياسات بالفعل، لقد اعلنت تأجيل اجراء مزيد من الاختيارات، وأكدت على ان الهند لن تكون البادئة في استخدام اسلحتها النووية، ولكن منذ اشهر قليلة حبس العالم أنفاسه حينما بدت كل من الهند وباكستان على شفا حرب نووية؟

ـ إننا نعتبر الاسلحة النووية أسلحة ردع، كما كان الحال مع القوى الأخرى خلال الحرب الباردة، فلقد وصلت القوى العظمى في ذلك الوقت الى مرحلة المواجهة دون افلات زمام الصراع النووي، وموقفنا واضح: عدم البدء باستخدام الاسلحة النووية وعدم استخدام الاسلحة النووية ضد أمم لا تملكهاة، اننا لا نتعامل مع الاسلحة النووية باعتبارها فقط شكلا آخر من أشكال التسلح يمكن التلويح به في سياسات عسكرية تقليدية، وخلال اوج الأزمة التي حدثت مؤخرا بيننا وبين باكستان أصدرت بعض القوى الغربية قرارات تمنع سفر مواطنيها الى شبه القارة، وذهبت وسائل الاعلام لمنتهى الاضطراب، مخلفة الانطباع بأننا على وشك ان نشهد محرقة نووية في منطقتنا، وبصراحة شديدة، فوجئنا بتلك الاتجاهات لاننا اعتقدنا ان الأزمة ستؤدي الى استخدام الأسلحة النووية ضد بعضنا.

* كما تعلم فان ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش اخذت على عاتقها تغيير النظام العراقي، من خلال استخدام عمل عسكري اذا لزم الأمر، ما هو موقفكم إزاء ذلك؟

ـ اننا ضد استخدام القوة العسكرية ضد أي دولة، بل أكثر من ذلك اذا ما كان الهدف هو تغيير النظام الحاكم، وفي ذات الوقت، اننا نؤكد على انه يتعين على العراق الوفاء بجميع التزاماته وفقا لشروط وقف اطلاق النار لسنة 1999وقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة ذات الصلة، وهكذا يمكن رفع العقوبات بأسرع وقت ممكن.

* توجد تقارير تفيد بامكانية انضمام الهند الى منظمة المؤتمر الاسلامي.. ما هي القصة الحقيقية؟

ـ بادرت قطر التي ترأس حاليا منظمة المؤتمر الاسلامي باتخاذ عدة خطوات في ذلك الاتجاه، إننا نقدر تلك الخطوات، خاصة اننا نتمتع بعلاقات مفيدة وثيقة ومشتركة مع جميع الدول الاسلامية تقريبا. واعتقد ان عددا من الدول الأخرى، بما فيها تايلاند، والتي يوجد أيضا بها مجتمع مسلم ذو قدر كبير، قد تم التقدم إليها أيضا بالطبع، تمت دعوة الهند لحضور القمة الاسلامية الأولى التي عقدت في الرباط عام 1969، ولكن فيما بعد، تم وضع قاعدة تسمح فقط للدول ذات الأغلبية المسلمة بالدخول في العضوية.

يوجد بالطبع مسلمون كثيرون في الهند أكثر من أي دولة أخرى، مع احتمال استثناء اندونيسيا، وهكذا، فإن العلاقات مع العالم الاسلامي تمثل قضية ذات أهمية خاصة لنا، وعلى أي حال، سوف نعمل على دراسة الأمر برمته بعناية، فإن الإبقاء على العلاقات الجيدة مع العالم الاسلامي وتطويرها يعتبران قضية هامة في سياستنا الخارجية.