رئيس وزراء جامو وكشمير: نريد البقاء تحت سيادة الهند والعلمانية تحفظ هويتنا

قال إن أموال المتبرعين في العالم الإسلامي تصل أحيانا إلى إرهابيين يقتلون الأبرياء

TT

يمكن ان تسمع صوته قبل دقائق من ظهوره على المشهد. فصوت فاروق عبد الله القوي الجهوري يصلح لاوبرا ايطالية يسبقه بأميال. لكن ليس هذا هو السبب الذي يدعوه به اصدقاؤه (رقم واحد).

لقد حاز عبد الله ذلك اللقب لانه رقم واحد على قائمة الشخصيات العامة التي يريد مقاتلو كشمير اغتيالها. وبوصفه الوزير الاول لجامو وكشمير فإن المقاتلين الاستقلاليين يرون في فاروق عبد الله السياسي الكشميري الوحيد القادر على منح شرعية لما يعتبرونه «حكما استعماريا» هندياً.

عندما التقينا في منزله المتواضع في سرينغار، العاصمة الصيفية لجامو وكشمير، كان الوزير الاول متهيئاً لما سيكون آخر حملاته الانتخابية. لقد قرر قبل اسابيع التخلي عن زعامة حزب المؤتمر الوطني الذي ظل يتعاقب على حكم جامو وكشمير منذ أواخر الاربعينات من القرن العشرين. وفي احتفال إذاعي درامي على شبكات التلفاز الهندي نزع فاروق عبد الله عمامته ذات الذيل ووضعها على رأس ابنه عمر، فبعد وقت وجيز سيجيء دور عمر ليكون «رقم واحد» على قائمة تصفيات «الارهابيين» بينما سيجد فاروق الوقت للعب رياضة الغولف التي ظلت هوايته المفضلة منذ سنوات عديدة. وكان لنا مع عبد الله هذا الحوار:

* أنت تدخل معركتك الانتخابية الاخيرة، هل تعتقد ان حزبك يستطيع ان يحتفظ بالسلطة؟

- الكثير في ذلك يعتمد على جهود الحزب وقيادة الحملة التي يتولاها ابني عمر. أملي الخاص هو أن نفوز باغلبية المقاعد الـ 87 في المجلس القادم، وبالتالي تشكيل الحكومة المقبلة ايضاً. دعني اضيف مباشرة أن الحصول على اغلبية لن يمنعنا من إدارة حوار مع كل القوى السياسية الاخرى في جامو وكشمير.

* هل ستكون الانتخابات نزيهة؟

- إن لنا مجتمعاً مفتوحاً ونظاما ديمقراطياً تعدديّاً، وهناك هيئة انتخابية غير متحيزة أظهرت استقلاليتها وتعلقها بحكم القانون في العديد من المناسبات. إن التهديد الوحيد لهذه الانتخابات يأتي من الارهابيين الذين قاموا من قبل باغتيال المئات من اعضاء الحزب وناشطيه. وسيقوم الارهابيون بكل ما يستطيعون عمله لاعاقة الانتخابات. كما ان حلفاءهم السياسيين الذين لم يجرؤوا على خوض الانتخابات لأنهم يعلمون أنهم لا يحظون بتأييد شعبي سيحاولون ايضاً أن يشككوا في مصداقية الانتخابات، ولكنني واثق انهم لن ينجحوا في ذلك.

* هل هذا يعني ان كل شيء على ما يرام وان كل شخص سيدلي بصوته تأييداً للوضع القائم؟

- أنا لم اقل ذلك. الوضع القائم لا يمكن أن يجد تأييداً من أي شخص. الناس تريد التغيير، ونحن نحاول أن نقدم لهم ما يريدون بوسائل سلمية. إن الوضع القائم يعني العنف والارهاب، وهو يعني ايضاً التردي الاقتصادي وعدم الأمان والآمال المحبطة. لا أحد يريد ذلك.

* ماذا سيقدم حزبكم للناخبين على وجه التحديد؟

- إن حزبي ملتزم بالسعي للحصول على المزيد من الادارة الذاتية لجامو وكشمير في اطار الاتحاد الهندي. ليس هناك شك في أن شعب جامو وكشمير يريد البقاء كجزء من الهند ويعرف انه بفضل ديمقراطية وتعددية وعلمانية الدستور الهندي يستطيع الحفاظ على ثقافته وطريقته في الحياة.

* يقول معارضوك إنك مجرد واجهة للهند؟

- هذه ملاحظة غريبة. أنا لست خارج الهند، أنا هندي. لكن هذا لا يعني انني اتفق مع اي حكومة تكون في السلطة في نيودلهي. لقد اعترض حزبي على بعض هذه الحكومات وتعاون مع البعض الآخر. وعلى نحو ما فإن أزمة جامو وكشمير بدأت عندما قررت حكومة ذلك الحين سجن والدي (الشيخ عبد الله) في الخمسينات من القرن العشرين، وهكذا انهت دستور ولايتنا ووضعت الحكم الذاتي الخاص في الولاية.

* لكن حزبكم الآن في تحالف مع حزب رئيس الوزراء الهندي ايتال بيهاري فاجبايي؟

- نعم. ذلك على المستوى القومي، أما على مستوى الولاية فنحن ننفذ سياساتنا الخاصة. وفي هذه الانتخابات مثلاً فإن حزب بهراتا القومي (بي جي بي) يقوم بإعداد قائمة مرشحيه ضدنا.

* لقد ذكرت الادارة الذاتية.. هل يسعى حزبكم الى العودة الى المادة 370 من الدستور الهندي والتي تعطي جامو وكشمير الحق في التحكم في كل شؤونها عدا العملة والدفاع والشؤون الخارجية؟

- نحن بالتأكيد نريد حجماً أكبر من الحكم الذاتي، لكن ما ظل يحدث خلال نصف قرن لا يمكن الغاؤه بين عشية وضحاها. لقد اعقبت اعتقال والدي سلسلة من التحركات من نيودلهي لتخفيف هذه الادارة الذاتية. ولقد استخدموا عدداً من السياسيين الضعفاء الذين وضعوا مكان ابي لهذا الغرض. ودفعوا المجلس كي يجيز قراراً بوضع جامو وكشمير تحت إدارة نيودلهي المباشرة. لقد الغوا وظائف الرئيس ورئيس الوزراء واستبدلوها في ذلك الحين بوظائف الحاكم والوزير الاول. وكان الغرض من الفكرة تحطيم الوضع الخاص للولاية وجعلها مثل اي ولاية أخرى في الاتحاد الهندي. ولم يفهم اولئك الذين كانوا في السلطة في نيودلهي أن جامو وكشمير يمكن ان تكون لها شخصيتها الخاصة وتكون في الوقت نفسه عضوا متحمساً ذا ولاء للاسرة الهندية العريضة. وهكذا فإن المادة 370 بقيت بالاسم فقط. إن اخطاء نيودلهي من الخمسينات ولاحقاً هي نموذج لاخطاء نهرو في 1947 ـ 1948، وهي اخطاء سمحت اولاً لباكستان بالاستيلاء على ثلث اراضينا تقريباً، ثم في عام 1961 اعطت الصين الفرصة لإلحاق 20 في المائة اخرى من اراضينا.

* لقد شددت على هنديتك، هل تعني القول إنه ليس هناك تأييد لالحاق جامو وكشمير بباكستان؟

- أنت حر في أن تذهب وترى بنفسك. إن تقديراتي هي أن هؤلاء الذين يحلمون بالانضمام (لباكستان) لا يمثلون سوى نسبة صغيرة من السكان. وحتى معظمهم يفكرون هكذا لانهم محبطون وغاضبون من غرور نيودلهي ورفضها السماح لمؤسسات ولايتنا بالتطور. لقد قرر البنغلاديشيون عام 1971 انه يمكنهم ان يكونوا مسلمين بدون ان يكونوا باكستانيين. وأعتقد أن ايّ شخص قد قبل بأن كل المسلمين لا يحتاجون لأن يكونوا جزءاً من باكستان. وعندما غزت قوات باكستان ولايتنا عام 1947 اكتشفنا أن هويتنا، أو ما نسميه «الكشميرية»، لن تكون في مأمن في باكستان طائفية. لقد فهمت أنت الآن أننا في كشمير لنا طريقتنا في أن نحيي عقيدتنا الاسلامية. إن كشمير لم تهتد الى الاسلام بالقوة كما حدث في مناطق تعتبر الآن ضمن باكستان. لقد اختار اهل كشمير الاسلام قبل الف عام وتبنوه في ثقافتهم وفي طريقة حياتهم. إن اسلامنا ليس اسلاماً طائفيّاً، ان اسلامنا متفتح وليبرالي وذو أثر صوفي، اننا نؤدي صلواتنا اليومية في مساجدنا ولا نعتبر غير المسلمين أنجاسا، ولا نحاول ان نفرض على أيّ أحد أن يكون مسلماً. وهنا قد تجد قوماً يحملون معتقدات دينية مختلفة يعيشون مع بعضهم البعض في نفس الشارع. إن ارضنا ارض التنوع، ويتكلم شعبنا الكشميرية والبنجابي والدوجري والاوردو والبيرسلان والهندية والانجليزية وحتى البهارية. ولنا اكثر من اثنتي عشرة جالية اسلامية من السنة والشيعة. وليست هناك ايّ طريقة يستطيع بها اسلوب وجود طائفي واحد أن يفرض على شعبنا باسم الاسلام.

* لكن مع ذلك فهناك بعض الكشميريين يبدون وكأنهم يناضلون من أجل تحرير كشمير من الهند؟

- إن المأساة التي التصقت بأرضنا هي الصلة الباكستانية، إن ضياء الحق الحاكم العسكري السابق لباكستان هو الذي أمر بما يسمى بـ «عملية توباز» على امل اجبار الهند بالانسحاب من كشمير. واعتقد ضياء الحق مستنداً إلى الولايات المتحدة الأميركية أنه يستطيع تحقيق نصره الكبير في افغانستان ويوسع امبراطوريته شرقاً ايضا. إن الارهاب في ولايتنا يعود الى قرار ضياء الحق. واليوم اذا قررت باكستان سحب دعمها من العنف الارهابي فإنه سينتهي. لقد رأينا وضعا مماثلاً في افغانستان مؤخرا. فبمجرد أن تخلى الرئيس برويز مشرف عن طالبان تبددت تماماً كما يتبدد الجليد في الصيف.

* قد يرفض الناس الوحدة مع باكستان، ولكن ماذا عن الاستقلال؟

- إن احتمال الاستقلال غير مطروح على المائدة. إن الهند وباكستان كليهما ترفضانه. والخيار هو بين الهند وباكستان. وبالرغم من ان الحكومات المتعاقبة في نيودلهي حطمت ثقة شعبنا يمكنني ان أؤكد لك أن الغالبية الكاسحة في اوساط شعبنا تختار الهند.

هناك عناصر في حزب بهراتا القومي الهندي (بي جي بي) تقوم بحملة لما تسميه «التثليث»، بمعني تقسيم الولاية الى ثلاثة اقسام هي: وادي كشمير وسهول جامو ومرتفعات لاداخ.

* هل هناك اي تأييد لطرح كهذا؟

- لا، ابداً. إن تحركاً كهذا قد يحرك سيناريو يقود الى تفكك الهند كاتحاد. سيدعو السيخ لدولتهم الخاصة كما قد يرغب التاميل في شق طريقهم الخاص، وستحاول الولايات الشمالية الشرقية الابتعاد. ويغري ذلك البنغاليين بشق طريقهم وحدهم ستبقى الهند فقط بما اسميه «حزام البقرة» أي بولايات قليلة في الشمال والغرب وستكون الهند في حجم البوسنة.

* إذن ما هو الطريق الى الامام؟ الاستمرار في العنف؟

- لا. إن الحل من جزءين. داخل جامو وكشمير يجب أن نستعيد حكمنا الذاتي الكامل بضمانات قويّة للهندوس والبوذيين. ويجب أن يصير خط التحكم الذي يفصل الجزء الذي تحتله باكستان من ارضنا. يجب ان تصير حدوداً مفتوحة تمكن الناس من التواصل كما تستأنف التجارة. ان الفصل الحالي يمكن تدريجيا أن ينال القبول كفصل دائم بضمانات من الامم المتحدة. وانا اعتقد أن اربعة بين الاعضاء الخمسة في مجلس الامن التابع للامم المتحدة يفضلون هذا التوجه.

* ما هو عضو مجلس الامن هذا الذي لن يؤيد هذا التوجه؟

- الصين.

* في مدن اسلامية عديدة وعلى ابواب المساجد تجد في كثير من الاحيان افراداً يجمعون الاموال لما يقولون انه تمويل «للمسلمين المضطهدين في كشمير»، هل على الناس ان يساهموا في أمر كهذا؟

- ابداً. أرجوك، أرجوك، أرجوك.. قل لاخواتنا واخواننا في العالم الاسلامي أن يكونوا حذرين فيما يتعلق بمنح الاموال، إن اموالهم قد تنتهي الى ايدي ارهابيين اغتالوا المئات من قادة ونشطاء حزبنا. إنني آمل ان اقوم بجولة في العالم الاسلامي وابلغ المسلمين بالحقيقة حول كشمير. آمل أن أقول لهم انه بينما نواجه مظالم عميقة من نيودلهي فإننا لا نرغب ان نكون جزءاً من باكستان. نريد أن يكون لنا حكمنا الذاتي وفقاً لدستورنا الخاص. نريد أن نعيش في سلام. أرجوكم الا تؤيدوا هؤلاء الذين يقطعون رقاب النساء والاطفال ويحرقون المنازل ويحطمون الزرع ويعذبون كبار السن ويخدعون اصحاب الحوانيت. إني اصيح من اعماق قلبي: أرجوكم الا تمولوا أكثر انواع الارهاب قسوة، ارهاب يشوه سمعة الاسلام على امتداد العالم. لقد زرت مؤخراً عدداً من الدول الغربية، وفي كل مكان كنت الاحظ أن الناس صاروا ينطقون اسمي «عبد الله» وهم يشعرون بالضيق. وقد كان رد فعل أحد موظفي الاستقبال في احد الفنادق تجاه اسمي وكأنه اصيب بصعق كهربائي. إن الاسلام الذي هو بالنسبة لنا هنا في كشمير دين الرحمة والرأفة والحب والجمال، يصور بوصفه معتقداً للعنف والوحشية، يهدف الى القتل والهجمات الانتحارية. أرجوكم لا تمولوا أولئك الذين يقدمون تلك الصورة القبيحة للاسلام.