عائلة الخاطف المفترض حنجور لا تزال غير مصدقة وتنتظر أن يطرق الباب في أي وقت

السلطات الأميركية لم تكتشف بعد كيف تحول الشاب العادي إلى ناشط متطرف

TT

كان هاني حنجور في الـ19 من العمر حين قدم من السعودية لدراسة اللغة الانجليزية في جامعة اريزونا عام 1991. سكن في منزل من سبع حجرات يحيط به شجر الصبار، ويبعد خطوات فقط عن المسجد القريب من الجامعة. بقي لأكثر من سنة ثم عاد الى بلده، لكن أخاه ياسر وجده «رجلاً متغيراً».

ويقول ياسر ان هاني صار يرفض الاستماع للموسيقى ومشاهدة التلفزيون واطلق لحيته. ويضيف انه تحدث مع شقيقه لساعات يحاول اخراجه من عزلته. وعلى الرغم من اعترافه بالتغير الكبير الذي طرأ على أخيه، فان ياسر يقول انه من الصعب تصور هاني من النوع المتشدد الذي يصل الى حد اختطاف طائرة واستخدامها في القتل والتدمير. وتابع ياسر في حوار اجري معه من مسكنه في الطائف بالسعودية «لم نتوقع ابداً ذلك، ولا نزال غير مصدقين. ما زلنا ننتظره ليعود ويطرق علينا الباب».

وحتى اليوم لا يزال ياسر غير مدرك بالضبط تفاصيل ما حدث لأخيه في تاكسون بأريزونا. ولا يبدو ان هناك احداً يستطيع معرفة الاسباب التي دفعت حنجور ليقرر خطف طائرة «أميركان ايرلاينز» يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، مع رفاقه الآخرين، وشن هجوم بها ضد وزارة الدفاع (البنتاغون).

وتشير الوثائق وتحليلات خبراء الارهاب الى ان تاكسون كانت واحدة من النقاط الاولى لالتقاء مجموعة «الجهاديين» الذين تحولوا لاحقاً الى تنظيم «القاعدة». وتقول ريتا كاتز، احدى خبيرات الارهاب في واشنطن، ان المركز الاسلامي في تاكسون ضم «في الحقيقة الخلية الاولى لـ«القاعدة» في الولايات المتحدة، ومنها بدأ كل شيء».

وتعتقد السلطات ان مؤامرة خطف الطائرات بدأت في اواخر التسعينات مع ثلاثة طيارين آخرين، هم محمد عطا ومروان الشحي وزياد الجراح، الذين كانوا جزءاً من خلية هامبورغ وتدربوا في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان. اما المشاركون الآخرون فتشتبه السلطات في نهم جندوا لاحقاً ولم يكونوا أبداً على دراية بالهدف الاخير من عمليات الخطف.

لكن حنجور يبقى استثناء في غموض دوره حسبما افاد مسؤولون أميركيون. وقال مسؤول مطلع على التحقيقات ان السلطات لا تزال غير مدركة لكيفية تحول حنجور من شخص عادي الى ناشط راديكالي ولا تعرف الشخص او الجهة التي اقنعته بالمشاركة في الهجمات. الا ان المسؤول قال انه يتوقع ان حنجور «ربما جند في احد مساجد (تاكسون) من قبل عطا او شخص آخر، وان عملية تجنيده كانت تقليدية: «تم اختياره ثم تقييمه، فاستمالته واقناعه بالمشاركة» في العمليات.

وحنجور الذي كان في الـ29 من عمره حين توفي، انفق عشرات آلاف الدولارات على التدرب ليصبح طياراً لكن لم يعرف ما إذا كان حصل على وظيفة في هذا المجال.

وبعد هجمات سبتمبر، خلص خبراء الطيران الى ان المناورات الاخيرة لرحلة «أميركان ايرلاينز»، وما تضمنته من دوران شديد اعقبه سقوط حاد تجاه مبنى البنتاغون، كان «موهبة عظيمة. لقد كان الدوران والهبوط نموذجيين».

وقال شقيق آخر لحنجور، يدعى عبد الرحمن، انه هو الذي اقترح ارسال حنجور الى تاكسون للدراسة. واعتمد عبد الرحمن في ارسال شقيقه على اصدقاء له في جامعة اريزونا. وسجل عبد الرحمن شقيقه هاني في دورة لتعلم الانجليزية كما عثر له على غرفة في منزل يبعد خطوات فقط عن المركز الاسلامي.

وقد اخذ حنجور دروساً في اللغة الانجليزية من 14 أكتوبر (تشرين الأول) الى 6 ديسمبر (كانون الأول) 1991 حسب سجلات الجامعة. لكن لا يعتقد انه بقي طويلاً هناك. فقد كان له عنوانان: غرفة مع عائلة وشقة قريبة من الجامعة. وقالت مالكة البيت، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، ان المحققين الأميركيين ابلغوها ان حنجور ربما بقي نحو 15 شهراً.

ويبدو ان تجربة القدوم الى أميركا كانت صدمة في البداية بالنسبة لحنجور. فحسب افادات عبد الرحمن وتقارير اعلامية، فان حنجور نشأ كطفل انطوائي في عائلة من 8 أبناء في مدينة الطائف. وكانت لأخوته ووالديه عائلة موسعة تعيش في فيلا من طابقين في منطقة الفيصلية الثرية المجاورة. وكان والده يملك سلسلة من متاجر السيارات في جدة.

وبعد تلك التجربة عاد حنجور الى السعودية وعاود مشاهدة التلفزيون والاستماع للموسيقى. كما ان عائلته كثيراً ما طرحت عليه فكرة الزواج، الا انه ظل يرفض قائلاً انه يريد الانتظار حتى يستقر اكثر. وهناك تقدم حنجور بطلب ليشتغل في شركة الخطوط الجوية السعودية، الا ان طلبه رفض بسبب علاماته غير الكافية، حسبما قال ياسر في مقابلة صحافية أواخر العام الماضي. وقالت له الشركة انها ستعيد النظر في طلبه اذا حصل على رخصة طيار من الولايات المتحدة.

وكان ذلك على ما يبدو دافعاً لعودة حنجور الى الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) 1996. وخلال 18 شهراً تنقل بين ولايات كثيرة: من فلوريدا الى كاليفورنيا فأريزونا ثم فلوريدا ثانية قبل ان يعود الى اريزونا.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1997 انتقل الى ميلبورن بولاية فلوريدا حيث سجل في معهد فلوريدا للتكنولوجيا لتعلم الانجليزية ثانية. ولم يقدم للمعهد أي تأشيرة ولا تاريخ ميلاد. ثم التحق به في ذلك المعهد بندر الحازمي الذي كان دخل الولايات المتحدة في ذلك الشهر. وقد عاش حنجور والحازمي في مكانين منفصلين وليس معروفاً ما اذا كانا يعرفان بعضهما البعض من قبل.

وقد رفضت العائلة التي سكن عندها حنجور التعليق قائلة ان مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) طلب منها عدم التحدث. اما العائلة التي سكن عندها الحازمي فقالت ان حنجور جاء ليزوره على الاقل ثلاث مرات. وفي عام 2000 تقدم حنجور بطلب لتجديد تأشيرته لدراسة اللغة الانجليزية في اوكلاند حيث كان درس اربع سنوات من قبل. لكنه لم يظهر ابداً في المعهد. وفي المقابل اتصل هاتفياً بدانكن هاستي في مركز التدرب على الطيران في سكوتسدايل، وقال له انه يريد التعلم على كيفية قيادة البوينغ 757. واعتقد هاستي ان الطلب كان غريباً فضلاً عن ان قدرات حنجور في مجال الطيران كانت ضعيفة. فحاول ان يشرح له ان الطيار الراغب في العمل مع شركة طيران يمر في البداية عبر طائرات صغيرة من طراز 737، مما يتيح له مزيداً من الخيارات للعمل في المستقبل.

لكن حنجور رد عليه «لا. اريد ان اطير بـ 757». وعندما رفض هاستي طلبه ثانية، قال له حنجور: «هل 737 تشبه 757». ورد عليه هاستي بأنهما متشابهتان، لكن حنجور ظل متمسكاً بالتدرب على 757، حسبما يفيد هاستي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»