باتريك تايلور أبرز مراسلي «نيويورك تايمز»: هناك أزمة في العلاقات العربية ـ الأميركية سببها اختلاط الأمور وتداخلها

TT

يعد باتريك تايلور من أبرز مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية، اذ أقام في منطقة الشرق الاوسط في الثمانينات، وظل لاكثر من 12 عاماً واحداً من الصحافيين الاميركيين البارزين المختصين بقضايا المنطقة. وعمل تايلور كذلك مراسلاً للصحيفة في الصين حوالي 5 سنوات، وكتب كتاباً عن العلاقات الاميركية ـ الصينية.

عاد تايلور لبلاده للتو من موسكو بعد أن امضى هناك ثلاث سنوات. وشارك اخيرا في ندوة نظمت على هامش موسم اصيلة الثقافي الرابع والعشرين، وكان عنوانها «اميركا والعالم: أية أميركا وأي عالم». وهناك التقته «الشرق الأوسط» وكان لها معه هذا الحوار.

* هناك انطباع سائد في العالم العربي مفاده ان «نيويورك تايمز» تكتب دائماً بتحيز مع اسرائيل، وموقفها غير نزيه تجاه القضايا العربية.. كيف ترى الامور من الداخل؟

ـ من الداخل، نقول قبل كل شيء إن «نيويورك تايمز» تعتبر نفسها صحيفة جادة تولي عناية للاخبار على الصعيد العالمي، واظن ان تناولنا للشؤون الخارجية ايضاً جاد على نطاق واسع وبعيد النظر، ومن بين الأمور التي ستستمر فيها الصحيفة إقامة مكاتب حول العالم.

بالنسبة لمسألة النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي لدينا مراسلون في المنطقة منذ أربع حقب على الأقل، ونغطي المنطقة عن طريق مكتب في القدس (المحتلة) وآخر في القاهرة لتغطية العالم العربي.

من الناحية التنظيمية.. مصادرنا توجد هناك، بحيث ننظر الى الامور من زاويتي كلا الطرفين، بالنسبة لمكتب القدس فان الطاقم يمضي معظم الوقت في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة ويخصصون نفس الاهتمام للسياسة الاسرائيلية.

يجب ان نميز بين الأخبار والمقالات، لقد خصصت «نيويورك تايمز» بعض افتتاحياتها للعمليات العسكرية الاسرائيلية في الاراضي المحتلة في الضفة الغربية خصوصاً، ولا ادري اذا كنتم قد قرأتم تلك الافتتاحيات، كانت هناك افتتاحيات قوية تبنت موقفاً مؤداه ان الصحيفة لا ترى حلاً عسكرياً بل ترى ان طاولة المفاوضات هي المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق الأمن للشعبين.

* يرى الكثيرون ان هناك تحليلات «سخيفة ومتحاملة» نشرت في الصحيفة حول بعض الامور التي تهم المنطقة ولا علاقة لها بواقع الحال؟

ـ هل تقصد في صفحات الاخبار أم صفحات المقالات؟

* في صفحات الاخبار.

ـ من الصعوبة الاجابة على ذلك من دون تحديد أمثلة ملموسة، هل يخطر ببالك مثل محدد.

* تغطيتكم لحصار الرئيس الفلسطيني عرفات في رام الله، وما حدث من قصف عشوائي في غزة عندما اغتالت اسرائيل قائد الجناح العسكري لحركة «حماس»؟

ـ وما هو الأمر الذي كان «سخيفاً» عند تغطيتنا لهذه الاحداث.

* حديثكم عن وجود ارهابيين في غزة في حين ان معظم الضحايا كانون من الأبرياء، بل من الاطفال والرضع.

ـ لست مطلعاً على التقرير الذي تتحدث عنه، لكن الواضح ان ما يحدث على الارض وعلى ضوء ما قاله الاسرائيليون أنفسهم، هناك اعتقاد بأنهم يستعملون قنابل وزنها أزيد من طن للقتل بطرق غير مباشرة، وهم يقتلون زعماء حماس من دون اللجوء الى القضاء، هم يعرفون ان هناك خسائر. ربما توجد خسائر جانبية.. شيء من ذلك ربما حدث، عندئذ وعندما ادركوا الخسائر الجانبية الجسيمة كانت هناك معارضة قوية داخل الحكومة الاسرائيلية نفسها حول استعمال القوة، ووجهت انتقادات شديدة للحكومة الاسرائيلية بما في ذلك انتقادات من طرف الادارة الاميركية.

* هل سبق لك ان عملت في المنطقة؟

ـ نعم، اقمت في القاهرة ثلاث سنوات من عام 1986حتى عام 1989.

* لا أقصد منطقة الشرق الاوسط بل أعني الاراضي الفلسطينية أي الضفة وغزة؟

ـ عندما كنت في القاهرة ذهبت الى هناك وغطيت بداية الانتفاضة الاولى (أواخر الثمانينات)، وزرت الضفة الغربية وقطاع غزة ليس لفترة طويلة، لم تدم زياراتي طويلاً. ذهبت الى هناك لانني كنت ارغب في ان اكون أكثر اطلاعاً على الأمور.

* على ضوء ما شاهدت ما رأيك في السياسات الاسرائيلية تجاه الاراضي المحتلة؟

ـ انطباعاتي الشخصية ان هناك توافقاً في الآراء حول مشاعر الناس بكيفية عامة. اعتقد ان هناك كثيرين يشعرون بخيبة الأمل، وثمة قدر كبير من التشاؤم حول آفاق السلام في المنطقة. لكني شخصياً تابعت المسيرة التي قطعها الجانبان منذ منتصف الثمانينات، عندما قام عدد من القادة الاسرائيليين وقيادات فلسطينية بمبادرات سلام. تابعت العملية من المنطلق العربي ولاحظت كيف عقد ياسر عرفات المجالس الوطنية الفلسطينية، كما تابعت اجتماع جنيف عام 1988 (عندما خاطب الرئيس الفلسطيني الامم المتحدة)، حين بدأت تتكرس المبادرة السياسية، وقام عرفات باعلان مبادئ أساسية حول السلام. عندما نقوم بتحليل دوره تاريخياً (دور عرفات) ورغم انه موضع خلافات داخل الولايات المتحدة سنجد ان هناك تحركا فلسطينيا جادا نحو السلام.

عندما جاء كثيرون منا الى المنطقة (يقصد المراسلين الاميركيين) كان عرفات لايزال زعيم منظمة لحرب عصابات، وكانت منظمته «فتح» تتحمل مسؤولية اغتيال السفير الاميركي في الخرطوم عام 1973، وتتحمل كذلك مسؤولية عمليات اختطاف في المنطقة. ارييل شارون بدوره كان يقود الجيش الثالث نحو القاهرة عام 1973مخالفاً بذلك اوامر قيادته.

* ذلك كان في الماضي لكن ماذا عن الحاضر؟

ـ هذا ما أود ان اقوله. اليوم كلهم يتوجهون نحو السلام. عرفات يوجد داخل الاراضي الفلسطينية ويقود منظمته نحو السلام. وفي عام 2000 وقع اتفاقاً يعتبره كثيرون اطاراً لاتفاقية سلام. بقدر ما نقترب من اتفاقية السلام فان مستوى العنف وخيبة الامل يزداد بشكل تصاعدي، لقد ارتفع العنف بشكل فظيع، لكن يجب ان نأخذ بعين الاعتبار كم هي قريبة امكانية تحقيق اتفاقية سلام والتوافق على قيام دولتين.

الآن هناك رئيس اميركي، رغم انقسام الآراء حوله في العالم العربي، بنى رؤيته على قيام دولة فلسطينية في غضون ثلاث سنوات. هناك الكثير الذي يجب ان يعمل.. هناك اعمال عنف تعرقل التقدم نحو السلام، هناك سياسة تعرقل ذلك، لكن تأمل كيف هي قريبة الأشياء (السلام ) رغم كل شيء.

* جذور العنف

* من اين يأتي العنف من وجهة نظرك.. عربياً الأمر واضح؟

ـ هناك خصمان عنيدان هما شارون وعرفات. رجلان مسنان خاضا عدة حروب وشاهدا عمليات قتل بلا حصر، ولكل واحد منهما هدفه وأسلوبه في كيفية الوصول الى النتيجة. هناك خلافات حول رأي أحد الطرفين مما يعتبره احدهما أهداف الطرف الآخر. العنف في الصراع يأتي من كلا الطرفين، واذا امضينا الوقت لنرى من يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية لا يمكن ايجاد حل للنزاع.. انا صحافي ولدي طبيعة متفائلة، يجب ان نكون متفائلين وينبغي دفع عجلة السلام الى الامام، فالسياسة عملية ديناميكية تسير دائماً قدماً الى الامام.

* اذن انت متفائل رغم ما يجري في المنطقة؟

ـ لست الوحيد المتفائل في كل الاحوال. قطعاً هناك مبررات ودوافع للتشاؤم، وهناك الكثير الذي دمر في السنوات القليلة الماضية، لكنني اعود من جديد الى الحقائق. هناك توافق عالمي في الآراء.. هناك توافق على نطاق واسع في المجتمعين الفلسطيني والاسرائيلي، على الأقل بين شرائح عريضة منهما، والخطوط العريضة للاتفاق المقبل متوفرة. هذا يتطلب بعض الوقت ويتطلب الكثير الذي يجب ان يبذل من طرف القيادات، ويتطلب الكثير من الشجاعة والكثير من أجل التئام الجروح، لكن هناك فرصاً ستأتي. في الشرق الاوسط كل شيء ممكن، وعندما يقول شخص ما هذا كل شيء يقع في الخطأ. الشرق الاوسط دائما يفاجئك ويحيرك ويعلمنا دروساً، وعندما تحاول اهماله أو تركه أو تجاهله يعلمك درساً وعندما تحاول السيطرة على عملية ما يعلمك درساً آخر.

* ما هو برأيك الدرس المقبل؟

ـ أعتقد أن الدرس المقبل سيأتي من الولايات المتحدة. عندما حدد بوش رؤيته بشأن قيام دولة فلسطينية في ثلاث سنوات رفع من حجم الآمال في اسرائيل ولدى الفلسطينيين بامكانية ان تساهم القيادة الاميركية كي تحقق هذه الاهداف. عندما التقى الامير عبد الله (ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي) في تكساس في ابريل (نيسان) الماضي مع الرئيس بوش كان هناك تقاسم في المهام على أساس ان يعمل الاميركيون مع اسرائيل والقادة العرب مع عرفات معاً، من اجل مبادرات متفق عليها لضمان تحقيق الامن، وبهدف العودة الى المفاوضات السياسية.

وأعتقد ان هناك آمالاً كبيرة في ان تقوم اميركا بهذه المبادرة. يجب ان نتذكر اننا نقترب من موسم انتخابات في الولايات المتحدة وأول انتخابات للكونغرس ستكون في الخريف المقبل، مباشرة بعد ذلك سندخل انتخابات الرئاسة، وهذه هي الفترة الاولى للرئيس حيث حدد خلالها هذه الرؤية، واذا حصل على فترة ثانية ستكون هناك آمال عريضة معقودة عليه لاستكمال العمل وتطبيق رؤيته وعلينا ان ننتظر ونرى كيف سيقوم بذلك.

* اعتماداً على ما تقول هل تعتقد ان «دولة فلسطينية» اضحت في المتناول؟

ـ اعتقد انه لا يمكن التقليل من أهمية الهدف الذي حدده الرئيس الاميركي، وما لذلك من تأثير في المجتمع الدولي. خلال عامين ونصف العام أو ثلاث سنوات أو ثلاث سنوات ونصف السنة ستخلق المبادرة ديناميتها الذاتية، وستفرض ايضاً متطلباتها السياسية ليس بالنسبة للمجتمع الدولي فحسب ولكن بالنسبة للسياسة الاميركية، ولا بد من مواصلة الضغوط للسير قدماً. المباردة (مبادرة بوش) عبارة عن تعهد.. الآن الآمال موجودة وسنرى كيف ستكون النتائج.

* كأميركي كيف ترى صورة العرب والمنطقة في الاعلام الاميركي؟

ـ هناك أزمة في العلاقات بين اميركا والعالمين العربي والاسلامي. سبب هذه الازمة ولو جزئياً مرده الى ما حدث في 11سبتمبر (ايلول)، ويعزى ذلك للآثار الفظيعة على نفسية الاميركيين، اضافة الى المشاعر السلبية التي ولدها الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. نتذكر عندما قال شارون إن عرفات مثل اسامة بن لادن فان عدداً كبيراً من الاميركيين قالوا لشارون تراجع عن هذه المقارنة.. لدينا بيرل هاربر آخر، لدينا أزمة قومية ولا تحاول ان تقحم صراعاتك في الموضوع، وتمت مقاومة هذا التوجه. لكن هذا الأمر تغير في الستة أشهر الاخيرة، وربما تسأل لماذا؟ جزء من التفسير ربما يرجع في رأيي الى الصورة التي روجتها وسائل الاعلام خلال الستة اشهر الاخيرة.

خلال تعاملنا مع طالبان في افغانستان نقلت للأميركيين مشاهد سيئة من الاراضي المقدسة (الاراضي الفلسطينية)، وشاهد الاميركيون تتابع العمليات العنيفة في الاراضي المقدسة، وصورة اولئك الانتحاريين التي نقلتها وسائل الاعلام تركت آثاراً قوية في نفوس الاميركيين الذين شعروا بضعفهم بعد احداث 11سبتمبر. هذان امران يجب ان يظلا بمعزل عن بعضهما بعضاً، لكن حصل ربط بينهما، ربما تقول إنه من المنطقي عدم الربط بينهما.. لكن الربط حدث. كل هذه الامور اختلطت وارتبطت. ليس من الواضح كيف يمكن اعادة فصلها. هناك نقاش واسع في الولايات المتحدة حول امكانية القيام بحملة عسكرية ضد العراق، كل ذلك ارتبط بعضه ببعض.. واختلط كل شيء.

السؤال المطروح هل العراق مسألة استراتيجية حتى تهتم به الولايات المتحدة، هذا هو السؤال الذي يجب ايجاد اجابة له. هناك من يرى ان الادارة الاميركية يجب ان تضع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي في طليعة اهتماماتها، ويجب ان يكون المسألة الاستراتيجية التي يجب التركيز عليها في المنطقة.

بعض الناس في ادارة بوش يؤكدون ان العراق له أولوية استراتيجية، آخرون يرون ان القضية التي تحرك السياسة في المنطقة منذ 40 عاماً ولا تزال وتسببت في اربع حروب تتمثل في النزاع في الاراضي المقدسة، وهذا ما يجب ان يحل في المقام الاول واحراز تقدم سياسي بشأنه.

هذه الامور لم تتضح بعد في سياستنا، وصار خلط بينها، مما أحدث شعوراً سلبياً في العالم العربي، وحالة من الهستيريا والهواجس في الولايات المتحدة. ويتساءل الاميركيون لماذا هم عرضة للكراهية. توجد أزمة حقيقية في العلاقات بين اميركا وهذا الجزء من العالم.

* ضرب العراق

* طبقاً لذلك هل تعتقد ان ادارة بوش جادة في ضرب العراق؟

ـ يجب ان نسمع ماذا يقول رئيس الولايات المتحدة، لقد قال إن سياسته هي تغيير النظام في العراق. ليس هناك خيار مستبعد ولا استبعد أية امكانية. نحن نعرف ان الخطة العسكرية تمضي قدماً، وهي خطة عسكرية جدية. يجب ان نستنتج ان هذه الامكانية واضحة جداً.

* هناك انظمة كثيرة اخرى تعتبر «سيئة» من وجهة نظر الولايات المتحدة.. كيف تفسر ان العراق اصبح على رأس قائمة الأنظمة التي تسعى ادارة بوش لإسقاطها؟

ـ بعض الناس في الادارة الاميركية، ومنذ 11سبتمبر، أقروا بضرورة التركيز على حركة طالبان، لكن يبدو أن هناك مرحلة تالية في الصراع ضد الارهاب.. والسؤال حول ما اذا كان العراق هو المرحلة التالية.

بعض الناس يقولون ما لا نعرفه ولا يمكن ان نعرفه.. قطعاً هناك أشياء لا نعرفها. هل كان العراق متواطئاً مع تنظيم القاعدة؟ في هذه الحالة سيكون مستهدفاً من الحملة ضد الارهاب. لعدة أشهر تأكد ان العراق لم يكن جزءاً من حملة القاعدة ضد الولايات المتحدة، هذا ما يجعل مجموعة من المفكرين الاستراتيجيين في الادارة، ومعظمهم من المحافظين يقولون الى جانب هذه القضية لا بد من تحديد جديد للمصالح الاستراتيجية الاميركية، وان أي بلد بعد 11سبتمبر لديه امكانية لتطوير اسلحة الدمار الشامل ربما يزود بها الارهابيين، أو تستعمل كوسيلة ارهابية ضد الولايات المتحدة أو مصالحها، لذلك (من وجهة نظرهم) يجب ان نذهب للقضاء على هذا التهديد حتى لو تطلب ذلك استباق الأمر واعتبار الشبهة حقيقة.

بصيغة اخرى.. مهاجمتهم قبل ان يفعلوا أي شيء، وهذا ما تم التركيز عليه بالنسبة للعراق، وهذا يتطلب نقاشاً واسعاً لان من المحتمل ان يفرض على الولايات المتحدة القيام بتضحيات هائلة لوحدها بذلك. حلفاء اميركا التقليديون في المنطقة لا يرغبون في ان تضع واشنطن الأمر ضمن أولوياتها، بل يرغبون في وجود بعض الحلول في افغانستان واستقرار الوضع هناك ثم ايجاد حلول في الاراضي المقدسة (فلسطين).

* الرؤية الأميركية للعرب

* طبقاً لمعايشتك للقضايا العربية الى أي حد يمكن القول بصحة أو خطأ ما ينشر بأن التفكير العاطفي هو الطاغي عند العرب وليس التفكير العقلاني؟ ـ قارن هذا بما حدث في نزاع ايرلندا الشمالية. التصادم بين مجموعتين دينيتين حول حقهم في العيش واستقلالهم الثقافي والديني ووجود كل واحد في منطقته، ذلك صراع قديم والعاطفة جزء لا يتجزأ منه.

عندما خرج كثير من اليهود من اوروبا بعد «الهولوكوست» أصروا على ان لديهم وطنهم حتى ولو توجب عليهم ان يصارعوا من اجل الحصول عليه، وان يتسبب ذلك في نزوح سكان آخرين.

القتال من أجل وطن بحكم طبيعته عاطفي، بالطبع هناك عواطف لان الناس يتقاتلون من أجل ما يعتبرونه وطنهم. نحن أمام شعبين لديهما سمات دينية وثقافية وعرقية مميزة، وهما يعملان على فرض حقهما فوق قطعة أرض واحدة.. ويتقاتلان منذ 40 عاماً. لا بد ان تكون العواطف جزءاً من هذه القضية.. لا مهرب من ذلك.

عندما تفقد أسرتك وتتشتت العائلات، وعندما تتقطع اطراف الناس، كل ذلك يترك آثاراً عاطفية فظيعة. دور القادة السياسيين الشجعان الذين يرغبون في تسوية النزاعات هو البحث عن طرق للتغلب على مثل هذه العواطف. أعتقد أن العرب ليسوا عاطفيين أكثر من شعوب أخرى وثقافات اخرى، الأميركيون والانجليز والايرلنديون والألمان والفرنسيون ايضاً يمكن أن يصبحوا عاطفيين عندما يتعلق الأمر بالنزاعات.

* اذن العرب ليسوا عاطفيين أكثر من الآخرين؟

ـ قطعاً ليس أكثر من الآخرين، أعتقد أن الحروب والنزاعات تخلق حالات عاطفية قوية ومهمة صانعي السلام التغلب على العواطف.

* برأيك ماذا يمكن للعرب والأميركيين ان يفعلوا من أجل تفاهم أفضل؟

ـ إذا نظرت الى النزاع في ايرلندا الشمالية ستجده عبارة عن تصادم حضاري بين بروتستانت وكاثوليك.

* بالنسبة لهذا النزاع نحن أمام حالة تصادم ديني.. لكن أسأل عن كيفية خلق حالة تفاهم عربي ـ أميركي؟

ـ أعتقد أن العلاقات العربية ـ الأميركية سينزع عنها مفهوم التصادم قريباً جداً وبسرعة تبعاً للتطورات السياسية، وهو ما يبدو لي أنه سيتحقق في المستقبل. عندما يحدث استقرار في افغانستان بفضل قيام نظام يمثل جميع شرائح وقطاعات المجتمع الافغاني، ويتم حل الأمر في الاراضي المقدسة، لك ان تتخيل، اذا توصلنا في هذا الاطار الذي نراه ونقترب منه في الاراضي المقدسة بقيام دولة فلسطينية ووطن اسرائيلي جنباً الى جنب في أمن، ويبنيان مؤسساتهما ويتم تطوير «السوق» في الشرق الاوسط.. هل من الممكن ان نقول بعد ذلك بحدوث تصادم بين العرب واميركا؟ أعتقد ان اميركا والمجتمع الدولي سيقومان بتمويل الكثير من ذلك، ليبينوا حسن النية وتلبية مطالب اللاجئين الذين خسروا في هذه العملية.

بالنسبة للعراق وعندما نصل في النهاية الى حل.. كل ذلك سيساعد، وعندما حشدت الولايات المتحدة جيشاً كبيراً مع حلفائها عام 1990لاخراج صدام حسين من الكويت، لا يمكن لأحد أن يقول إنه كان هناك تصادم حضاري، ثمة بعض أسئلة بالطبع لماذا غزا صدام الكويت ولماذا غزا ايران .

* لكن لا يمكنك المقارنة بين ما حدث مع الكويت بما حدث مع ايران. بالنسبة لحالة ايران لم يكن هناك غزو عراقي.

ـ لقد دخل صدام حسين في حربه مع ايران عام 1981 لانه اعتقد ان الغرب سيقف معه، وان التيار الاصولي المتطرف القادم من ايران يشكل تهديداً للعالم العربي وللأمن الغربي.

* لكن ذلك موضوع آخر.. الأمر يختلف؟

ـ لقد استفاد صدام حسين من ذلك، واستغل التوافق الذي لمسه في العالم وتصرف.. ما أود أن أقوله إنه يمكن إيجاد حل لهذه النزاعات، وتوجد طرق سياسية للحل وعندما نتوصل الى ذلك هذا سيلغي مفهوم التصادم الحضاري الذي لا أظن أنه يوجد أصلاً.

كما اعتقد ان الصراع الايراني ـ الاميركي، منذ وصول آية الله الخميني الى السلطة، كان يحمل بذور صدام حضاري.. ربما لم نفهم ذلك في البداية، ورغم ذلك وفي النهاية عندما تمت التسوية، ومع التوصل الى حل لم يتبين أن هناك مشاكل أساسية بين التقاليد الغربية وتقاليد الجمهورية الاسلامية الايرانية، خصوصاً ان تطور الأمور في ايران اتجه نحو مجتمع تعددي يتقدم في دائرته السياسية الخاصة به.

* بعد هذه الفترة التي أمضيتها في المنطقة أو في تغطية أحداثها هل استطعت أن تفهم كيف تسير الأمور وكيف يتصرف صناع القرار؟

ـ قال ضاحكاً: هل فهمت انت ذلك؟ أعتقد أن متابعة السياسة في الشرق الاوسط أمر معقد. لقد غطيت كل القمم العربية والمجالس الوطنية الفلسطينية، كانت هناك أمور كثيرة فوق الطاولة، تابعت إبعاد مصر عن القمم العربية وعودتها الى الجامعة العربية، عايشت فترة معقدة في العالم العربي، تابعت العلاقات مع دول الخليج العربي، ثم العلاقات بين عرب الشرق الأدنى والصراع بين سورية والعراق، وهو صراع معقد لكن لا ادعي أنني فهمت كل شيء.

* لنعود الى صحيفة «نيويورك تايمز» هناك اعتقاد راسخ في العالم العربي أن التحليلات التي تكتبها الصحيفة تحابي باستمرار اسرائيل، فضلا عن انها غير ودية تجاه القضايا العربية وشخصياً لم اقتنع بجوابك السابق حول الموضوع؟

ـ ما تعتقده خطأ. أظن أن قراءة متأنية لصحيفة «نيويورك تايمز»، خصوصاً المقالات الافتتاحية بشأن الحملة العسكرية الاسرائيلية في المنطقة لن يجعلك تصل الى نفس الاستنتاج. في الصفحات الداخلية لدينا منبر للنقاش والسجال وتنشر فيه جميع وجهات النظر.

* لكن وسط النخبة العربية التي تطلع على الصحيفة هناك اعتقاد راسخ بشأن محاباتها لاسرائيل؟

ـ لا اوافق على هذا الرأي، اعتقد أن «نيويورك تايمز» تحتوي على تعددية ممتازة وهي من اكثر الصحف تعددية في العالم سواء في صفحاتها الاخبارية أو في صفحات المقالات الافتتاحية، واعتقد أن كثيراً من القراء يوافقون على ذلك، وهو ما يتبين من موقع الصحيفة على شبكة الانترنت. هناك قراء (يقصد قراء عرب) يقرأون ويكتبون رسائل عبر الموقع ويساهمون في النقاش، نحن نحرص على الحصول على ردود فعل حول ما يكتب في الصحيفة.

* انت اذن راض عن الخط التحريري الحالي؟

ـ ليست مهمتي الاشراف على الخط التحريري.

* كصحافي كيف ترى الأمر؟

ـ كصحافي اعتقد أن الصحيفة تقوم بعمل ممتاز، هذا العام ألحت الصحيفة على استحالة أي حل عسكري للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ودعت الطرفين للعودة الى طاولة المفاوضات ليعملا من جديد من اجل عملية السلام.