تفاصيل اللقاءات السرية بين بوش ومستشاريه حول العراق بعد هجمات سبتمبر

الرئيس الأميركي اتخذ قراره بإطاحة صدام في نوفمبر الماضي والنقاش ما زال يدور حول وسائل تحقيق الهدف

TT

جاء قرار الرئيس الاميركي جورج بوش العام الماضي باطاحة صدام حسين، بدون إجراء لقاءات رسمية تهدف إلى صياغة قرار رسمي بذلك وبدون توفر أي تقييم استخباري يسبق عادة قرارات مهمة من هذا النوع. وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم سيطرح بوش مسألة «تغيير النظام» بالتفصيل، وهذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها الرئيس الاميركي رأيه علنا بخصوص العراق. مع ذلك كان بوش قد قرر إزاحة صدام عن السلطة منذ 10 أشهر، اي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أما النقاش الذي ظل يدور داخل إدارته فهو حول الوسائل لتحقيق هذا الهدف. والسؤال الآن هو: كيف توصل بوش إلى هذا القرار الذي قد يكون الأهم خلال فترة رئاسته؟ على ضوء ما قاله مسؤولون في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون والوكالات الاستخبارية والكونغرس وفي دوائر أخرى، توضح العملية مدى ثقة بوش بأحكامه الشخصية ومزاجه السياسي المتشدد وتكشف أيضا مدى ثقته بدائرة صغيرة من مساعديه، ومدى ولعه بالسرية وتفضيله خوض الحرب بشكل أحادي. في ما يلي بعض النتائج الرئيسية لما اباح به هؤلاء المسؤولون. يقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن قرار استهداف صدام حسين «تنامى تدريجيا لكن بشكل غير واضح وغير منتظم». في السياق نفسه، قالت غوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي «لم تكن هناك لحظة إلهام مفاجئة، ولم يحدث اجتماع لاتخاذ قرار بهذا الشأن. لكن العراق ظل على شاشة الرادار في كونه يشكل خطرا وأن عليك أن تقوم بشيء للتعامل معه في نهاية المطاف.. ذلك كان قبل هجمات 11 سبتمبر (ايلول) لأننا كنا نعلم في ذلك الوقت أنه مشكلة.

لم تتم استشارة الكونغرس، وهذا يشمل الحلفاء الرئيسيين لبوش. ولم يُسمح بظهور المخاوف التي أثارها الضباط الكبار ومحللو الاستخبارات علنا إلا بعد انقضاء وقت ما على طرحها. بل حتى أن البيت الأبيض لم يطلب حتى الآن من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) والوكالات الاستخبارية الأخرى أن تهيئ تقييما استخباريا قوميا حول العراق، اي وثيقة رسمية تجمع كل المعلومات الاستخبارية في تحليل واحد. ويبرر أحد مسؤولي الاستخبارات ذلك بأن البيت الأبيض لا يريد أن تُطرح وبشكل تفصيلي تلك الشكوك غير المؤكدة حول ترسانة أسلحة العراق وحول ما يسعى صدام حسين إلى تحقيقه منها. وقال مسؤول كبير في الحكومة الأميركية ان تقييما من هذا النوع لم يُنظر له كعامل مساعد في دعم قرار بوش بشأن العراق:

ـ بعض العوامل التي لعبت في الوصول إلى قرار غزو العراق في شهر أكتوبر (تشرين الاول) الماضي ـ بضمنها المخاوف من أن تكون شبكة «القاعدة» قريبة من الحصول على أسلحة نووية، وأن إرهابيين دوليين وراء الهجمات بالجمرة الخبيثة «الأنثراكس» ـ اتضح أنها مبالغ بها كثيرا. مع ذلك لم تتم إعادة النظر في القرار.

ـ لم يكن السؤال إن كان صدام حسين طرفا مركزيا في هجمات 11 سبتمبر. بدلا من ذلك وخلال عدة أيام بعد الهجمات على نيويورك وواشنطن، حوّل الرئيس ومساعدوه أنظارهم تجاه بغداد كأكبر خطر مستقبلي لوطن بدا فجأة هدفا سهلا للإرهابيين. وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة التي يحملها قرار من هذا النوع فانه تم التوصل إليه بسرعة خارقة غير مألوفة. وكانت السياسة المعنية بهذا القرار بحاجة إلى وقت طويل كي يتم الكشف عنها، وهذا الوقت يزيد عن وقت تنفيذها. وكان بوش راغبا في الكشف عن نواياه في يناير (كانون الثاني) الماضي حينما ألقى خطاب «حال الاتحاد» واعتبر فيه العراق جزءا من «محور شر» الى جانب ايران وكوريا الشمالية. وفي الفترة الأخيرة أشار بعض مساعدي الرئيس بوش الى أن أباه (الرئيس الاسبق جورج بوش) متخوف من الطريق الذي يريد الابن اتباعه.

* قضية عائلية

* بالنسبة للرئيس بوش يشكل عراق صدام أكثر من مشكلة جيو ـ سياسية، فهو إضافة إلى ذلك قضية عائلية. وكان بوش الابن قد وعد بتركيز أقوى على العراق أثناء الحملة الرئاسية في أول خطاب له حول الأمن القومي في عام 1999، وذكر بوش آنذاك كوريا الشمالية وإيران والعراق كخطر كامن بسبب التهديد الذي يحمله الإرهاب الكيماوي والبيولوجي والنووي.

وبعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة سنة 2000 عبأ إدارته بمحاربين قدماء من حكومة أبيه. فنائب الرئيس ديك تشيني كان وزيرا للدفاع لبوش الأب، أما باول فكان رئيسا لهيئة الأركان في زمن بوش الأب، واحتل منصب وزير الخارجية منذ وصول بوش الابن للحكم. كذلك عين مساعد تشيني السابق، بول ولفوويتز، في منصب نائب وزير الدفاع. أما ريتشارد هاس الذي كان على رأس مجلس الأمن القومي فقد أصبح في عصر بوش الابن مديرا لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية.

وفي الأول من مارس (آذار) 2001، وبعد مرور ستة أسابيع على تسلم بوش للحكم اجتمع دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ومدير «سي آي ايه» جورج تينيت وباول ورايس لمراجعة السياسة المتعلقة بالعراق، بضمنها الخيارات العسكرية. وهذه المراجعة ما زالت مستمرة عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر. وخلال العقد الذي أعقب حرب الخليج السابقة أصبح ولفوويتز أكثر المسؤولين تحمسا لإسقاط صدام حسين، من جانبه عّبر تشيني في جلساته الخاصة عن ندمه من بقاء صدام حسين في السلطة، على الرغم من أنه حسب بعض مساعديه، لم يطرح قضية الإطاحة بالرئيس العراقي حينما بدأت «عاصفة الصحراء». لكن بوش الابن ظل يفضل الصمت وعدم اطلاق أية إشارة على أنه يسعى إلى إكمال ما لم ينته منه بوش الأب. لذلك حينما ضرب منفذو عمليات 11 سبتمبر مركز التجارة العالمي والبنتاغون كان مساعدو بوش جد متلهفين لرؤية الرئيس العراقي كمسؤول محتمل عن الهجمات أو على الأكثر عنصر التهديد المقبل.

ولا بد أن السؤال حول مدى تورط صدام حسين مع منفذي هجمات 11 سبتمبر كان سيقسم الإدارة الأميركية ويلحق الضرر بمحللي الاستخبارات الذين شعروا أنهم مضغوط عليهم للوصول إلى استنتاجات قاطعة عن من أدلة ضئيلة. ونتيجة لمشاعر العجز الناجمة عن فشل «سي آي ايه» في إيجاد صلة بين صدام حسين وهجمات 11 سبتمبر، طلب مسؤولو «البنتاغون» من مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جيمس وولسي الذي كانت له أواصر مع المعارضة العراقية، التحقيق في هذا الموضوع. وأكد وولسي، الذي رفض توضيح النشاطات التي قام بها خلال السنة الأخيرة، إن هناك دلائل على تورط العراق في أحداث 11 سبتمبر لكن «لم يتم مسك الدليل القاطع» بعد.

بالتأكيد سيساعد إيجاد علاقة بين الحكم العراقي وأحداث 11 سبتمبر الحكومة الأميركية في كسب الرأي العام الأميركي والكونغرس والأمم المتحدة إلى جانبها. لكن ذلك الأمر غير ضروري بالنسبة لبوش، فهو يرى أن تهديد الإرهاب المستقبلي الذي يشكله صدام حسين سبب كاف لغزو العراق. وفي هذا الصدد قالت رايس: «الإرهاب مشكلة، وأسلحة الدمار الشامل مشكلة، لكن الربط الممكن بينهما هو مشكلة أخرى... ما عملته هجمات 11 سبتمبر (ايلول) هو أنها كشفت ما يمكن أن يحدث إذا قرر الأشرار أن يهاجموك، وتنفيذ ذلك لن يستغرق وقتا طويلا». وما فعلته أحداث سبتمبر ايضا هو أنها دفعت الملف العراقي ليحتل الصدارة ـ بنفس أهمية القبض على أسامة بن لادن أو تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ـ اذ أنها جعلت اطاحة بصدام حسين إضافة إلى نزع السلاح عن العراق هدفي الإدارة الأميركية الرئيسيين. وهذا يعني أن العمل العسكري ضد العراق ـ لا تفتيش أكثر للأسلحة عبر مجلس الأمن الدولي ـ في الأفق. كما ان هناك نتيجة أخرى لهجمات 11 سبتمبر تتمثل في استعداد أعضاء الكونغرس والجمهور، بعد ما عانوه من العمليات الإرهابية، لتأييد أي هجوم «وقائي» يقع ضد بلد آخر، لتجنب هجوم على الولايات المتحدة يدبره ذلك البلد مستقبلا.

* زخم جديد لدعاة إطاحة صدام

* في الأسابيع الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر تصاعد نقاش داخل الدائرة الداخلية لمساعدي بوش في ما إذا كان يجب استهداف العراق خلال المرحلة الأولى من الحرب ضد الإرهاب. فبعد مضي أربعة أيام على الهجمات، اجتمع بوش في 15 سبتمبر الماضي مع كبار مستشاريه في كامب ديفيد لمناقشة الحرب القادمة. وكان هناك آنذاك إجماع عن مسؤولية أسامة بن لادن عن الاعتداءات. قال باول المعروف عنه أنه من دعاة الحذر، إن على الولايات المتحدة أن تركز أولا على الحرب ضد «القاعدة» ونظام طالبان في أفغانستان الذي وفر لها مكانا آمنا. لكن ولفوويتز قال آنذاك ان صدام يشكل خطرا على الولايات المتحدة أكبر بكثير من اسامة بن لادن. فالرئيس العراقي استعمل الغاز السام ضد شعبه، وعمليات التفتيش عن الأسلحة انهارت قبل ثلاث سنوات. وعبّر رامسفيلد عن تأييده لوجهة نظر ولفوويتز، فهو من جانبه توصل إلى قناعة قبل 11 سبتمبر بأن سياسة الأمم المتحدة تجاه العراق فشلت. وبعد هجمات سبتمبر ابدى رامسفيلد ونائبه ولفوويتز رفضا حادا لسياسة «احتواء» صدام حسين التي اتبعتها إدارة بيل كلينتون، وأيدهما في هذا الموقف المؤرخ المتخصص في الشرق الأوسط برنارد لويس ورئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، وهذا التنظيم هو المظلة لمجموعة تنظيمات تعارض نظام صدام حسين. وحينما اجتمع 30 منهم في غرفة الاجتماعات بالكونغرس، حضر رامسفيلد لوقت قصير للاستماع إلى بعض نقاشاتهم. ونُظمت جولة لأحمد الجلبي والآخرين لزيارة الخراب الذي تركته هجمات 11 سبتمبر. من جانبه حاجج أحمد الجلبي بأن إسقاط صدام حسين عن الحكم يجب أن يكون ضمن أسبقيات الإدارة الأميركية، مذكرا بأن صدام حسين له أواصر مع الإرهاب منذ أكثر من عقدين. أما المؤرخ لويس فذكّر المسؤولين الأميركيين بما كان سيحصل لو أن الإرهابيين حصلوا على أسلحة دمار شامل.

وبعد إلقاء بوش لخطابه اليوم في الأمم المتحدة، سيلقي غدا خطابا آخر أمام لجنة مشتركة تضم ممثلين عن مجلسي النواب والشيوخ. ومن المحتمل أن يشير الرئيس بوش أمام أعضاء الكونغرس الى المخاطر الناجمة عن تزويد الإرهابيين بأسلحة الدمار الشامل من «دولة مارقة» مثل العراق. وتجدر الإشارة إلى أن تشيني ابدى حذرا بهذا الخصوص آنذاك على الرغم من موقفه المتشدد تجاه العراق. لكنه بعد إجرائه مشاورات مع الزعماء العرب أصبح مقتنعا بأنهم لن يقدموا دعما للولايات المتحدة إذا وسعت المهمة الأولى التي تهدف إلى نزع أسلحة الدمار الشامل لكي تشمل تغيير النظام.

مع ذلك فلبوش مخاوف أخرى. وفي هذا الصدد قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن الرئيس قرر بعد مرور تسعة أيام على وقوع الهجمات تجنب الملف العراقي لأن ذلك سيضع عبئا ثقيلا على الولايات المتحدة في ذلك الوقت وفي تلك الظروف. لكن الوقت لا بدّ أن يأتي لاحقا لفتحه ثانية، ففي الخطاب الذي ألقاه في 20 سبتمبر الماضي لم يشر بوش إلى العراق. وطلب تشيني من ولفوويتز أن يكف عن التحريض على استهداف صدام، لكن ذلك الهدف تم تأجيله فقط، إذ أن تشيني طمأن ولفوويتز الى أن مطلبه لم يُرفض بل أجِّل، من منطلق أن «الأشياء الأولى أولا»، كما قال بوش لمساعديه.

* هجوم آخر

* كانت الحملة العسكرية في أفغانستان تسير على ما يرام في اكتوبر الماضي رغم ان اسامة بن لادن تمكن من الفرار. وفي البيت الابيض تركزت المداولات على ما هو مقبل: هل هناك هجمات جديدة يجري تدبيرها؟ هل سيشجع ذلك اعداء آخرين للولايات المتحدة على ارتكاب عمل ضدها؟ وما هي المرحلة الثانية من الحرب ضد الارهاب؟ ظل تشيني مقتنعا بأن الوقت قد حان للقيام بعمل ضد صدام حسين، وخلال تناول الغداء بمقر نائب الرئيس، كان تشيني يستمع فيما كان برنارد لويس يشرح وجهات نظره للحضور. التقى الرجلان قبل حوالي 10 سنوات خلال حرب الخليج الثانية. ومنذ ذلك الحين ظل لويس يعتقد بان الولايات المتحدة خذلت العراقيين بعدم دعمها للانتفاضة ضد صدام عامي 1991 و.1995 كما شعر مسؤولو الادارة بالضيق ازاء احتمال حدوث هجوم آخر لتنظيم «القاعدة».

لقد تعرض بوب ستيفانز، من ولاية فلوريدا، للبكتيريا المسببة لمرض الجمرة الخبيثة (الانثراكس) وتوفي في 5 اكتوبر. وبعد عشرة ايام وصل خطاب ملوث بالانثراكس الى مكتب توم داشل رئيس الاغلبية بمجلس الشيوخ الاميركي، مما ادى الى إخلاء مبنى مجلس الشيوخ وحجره صحيا لفترة شهور. وكانت ثمة مخاوف من احتمال تعرض البيت الابيض للتلوث بالانثراكس، مما دفع بوش للاعلان «انا لست مصابا بالانثراكس». وسعت الادارة الاميركية الى طمأنة الشعب الاميركي، بيد ان المستشار الصحافي للبيت الابيض، آري فلايشر، قال ان الرئيس بوش كان يشعر بالقلق ازاء احتمال حدوث هجمات خطرة بواسطة الانثراكس من جانب «القاعدة». وكان معروفا ان العراق لديه مخازن للانثراكس، مما ساعد في ظهور تكهنات بأن صدام حسين زود «القاعدة» بكميات منه. ورغم رصد موارد ضخمة للتحقيق في قضية الانثراكس، لم يتوصل المحققون الى معرفة الجناة، مما قد يشجع ارهابيين آخرين، طبقا لاعتقاد رامسفيلد وولفوويتز. وترى رايس من جانبها ان هجمات 11 سبتمبر سلطت الضوء على احتمال تعرض الولايات المتحدة لمثل الاضرار التي حدثت. كما يدرك المسؤولون ان صدام حسين ظل يحاول تطوير اسلحة كيماوية ايضا، وعلموا ان «القاعدة» سعت الى الحصول على اسلحة كيماوية او مواد تستخدم في هجمات ارهابية، والقت الشرطة الباكستانية القبض على عالمين نوويين سافرا الى افغانستان، فيما اعتبر علماء نوويون باكستانيون آخرون مشتبه فيهم. وتشير وثائق عثر عليها داخل كهوف «القاعدة» وملفات عثر عليها في اجهزة الكومبيوتر التابعة لها الى مساع تهدف الى تطوير اسلحة نووية. ويعتقد مسؤولون في الادارة الاميركية ان من السهل الحصول على سلاح او تكنولوجيا ضرورية من جهة تملكها مسبقا، وعليه اشارت اصابع الاتهام الى بغداد.

وبنهاية اكتوبر ساعدت كل هذه العوامل في بناء زخم حول فكرة استخدام العمل العسكري لإطاحة صدام حسين، وباتت الوجهة التي تبناها كل من رامسفيلد وتشيني سياسة للادارة الاميركية رغم مخاوف الجنرال كولن باول وآخرين. ويبدو ان الرئيس بوش الابن عازم على التأكيد على رئاسته تماما مثلما اكدت حرب الخليج الثانية على رئاسة بوش الاب وباتت مرتبطة بها.

* إطاحة صدام أكثر صعوبة مما تبدو

* يبدو ان التقدم الذي احرز سريعا في الحرب في افغانستان شجع رامسفيلد وآخرين على تبني حجة قائمة على اساس ان القوات الاميركية ستسحق القوات العراقية المتهالكة. ويقول انصار هذه الحجة ان تنفيذ العملية سيكون سهلا نسبيا، وفكر رامسفيلد في توجيه ضربة سريعة تستخدم فيها قوات اقل عددا معظمها من جنود وضباط العمليات الخاصة. ولكن المهمة اكثر صعوبة وستستغرق وقتا اطول مما كان يتمناه رامسفيلد وآخرون. وفي وقت لاحق برزت مخاوف من جانب بعض المخططين العسكريين والقادة الاجانب الذين شكوا من عدم استشارتهم في التوصل الى القرار.

وفي البنتاغون، اختلف كبار الضباط مع رامسفيلد حول ما اذا كانت قوة عسكرية صغيرة كافية لتنفيذ مهمة العراق واقترحوا غزوا واسع النطاق للعراق، الا ان رامسفيلد وصف خطة هؤلاء بأنها متوقعة وكبيرة الحجم. وحذر الضباط من جانبهم من ان أي غزو جديد خلال استمرار الحرب في افغانستان سيرهق الجيش الاميركي. ويعتقد بعض المشرعين ان بوش لا يستمع الى اعتراض الجنرالات في هذه القضية. ففي اجتماع انعقد بالبيت الابيض الاسبوع الماضي ابلغ رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الرئيس بوش بأن كبار الضباط ابدوا تحفظات قوية ازاء الهجوم المقترح على العراق. وقال عضو مجلس النواب آيك سكيلتون الذي حضر الاجتماع المذكور ان بوش بدا مندهشا، وبعد وقفة قصيرة عن الحديث رد قائلا: «اتمنى ان يبلغوني بمخاوفهم».

وجاء هذا الحديث بعد اشهر من التسريبات الخاصة بالانقسام الحادث في اوساط الادارة الاميركية. فقد برزت اسئلة حول ما اذا اجرى بوش مشاورات واسعة. وتكون انطباع لدى البعض بأن بوش كان يبحث عن مبرر بعد ان قرر استهداف صدام. وعندما ارسل تشيني الى العواصم العربية في مارس الماضي لحشد التأييد اللازم للولايات المتحدة ضد صدام حسين، قوبل بمطالب تركزت حول ضرورة معالجة حالة العنف المتصاعد بين الفلسطينيين والاسرائيليين اولا. والدبلوماسيون الاسرائيليون اثاروا من جانبهم قضية اخرى، اذ طلبوا من بوش الانتظار حتى فراغ اسرائيل من تطوير نظام دفاعها الصاروخي قبل شن الهجوم على العراق. وتبددت فكرة الهجوم الخاطف، كما ان الصعوبات المرتبطة بتأسيس حكومة مرحلة ما بعد الحرب في افغانستان جعلت المشرعين اكثر حذرا إزاء تنفيذ نفس مهمة افغانستان في العراق بعد وقت قريب. وفي نهاية الامر توصل مسؤولو الإدارة الاميركية الى ان هناك حاجة الى عملية عسكرية اكبر حجما. وفي يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) قرر بوش الطلب من الكونغرس رسميا المصادقة على اطاحة صدام حسين، وفي نفس الإطار التقى مسؤولون كبار في البنتاغون ووزارة الخارجية مجموعة من قادة المعارضة العراقية لتخفيف المخاوف ازاء عدم وجود استراتيجية لمرحلة ما بعد اطاحة نظام صدام. ومن المتوقع ان يسعى الرئيس بوش الى الحصول على تأييد دول العالم من خلال خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة اليوم. ومهما تكون طبيعة ردود الفعل لخطاب بوش، فإن مستشاري الرئيس بوش قالوا ان تصميمه على اطاحة صدام حسين لا يزال قائما، علما بأنه اتخذ هذا القرار خلال السبعة اسابيع التي اعقبت هجمات 11 سبتمبر.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»