سكان بغداد لا يعكسون شعوراً بقرب الحرب ويعولون على معارضة روسيا والصين وبعض العرب لاندلاعها

TT

تجنبا للحرب والقنابل الاميركية التي سقطت على بغداد في حرب الخليج الثانية عام 1991، نقل سعد محسن والدته واشقاءه الثلاثة في سيارة الاسرة وتوجه الى منزل احد اقربائه على بعد 60 ميلا الى الجنوب من العاصمة. يقول سعد (28 عاما) انهم كانوا خائفين وانهم لم يعرفوا في ذلك الوقت ما يمكن ان يكون عليه شكل الحرب في مواجهة دولة مثل الولايات المتحدة. ولكن في ظل الحديث عن حرب يحتمل ان تشنها الولايات المتحدة على العراق الآن، يقول سعد انه لا يعتزم مغادرة بغداد، مؤكدا انه ينوي واسرته البقاء في منزلهم حتى اذا وقع هجوم اميركي. واضاف سعد الذي كان يتحدث خلال استراحة من العمل في مطعمه اثناء فترة الغداء، انه لم يعد هناك خوف، فالاميركيون، كما يقول، ظلوا يهددون منذ عام 1991 وبات الامر عاديا الآن بالنسبة لهم. موقف سعد الذي ينم عن احساس مختلط بين الثقة والإذعان، يشيع بين الكثير من سكان بغداد (5 ملايين نسمة) فيما الرئيس صدام حسين يتهيأ لمواجهة اخرى مع الولايات المتحدة. خلال اللقاءات التي اجريت مع 20 مواطنا عاديا بمساعدة مترجم يعمل لدى الحكومة، لم يذكر أي من الاشخاص الذين طرحت عليهم مجموعة من الاسئلة أي تجهيزات خاصة للتعامل مع الضربة العسكرية المحتملة. يقول عبد الكريم شاكر (62 عاما) وهو استاذ لغة عربية متقاعد، ان الولايات المتحدة قالت انها ستهاجم العراق، لكنه اكد ان هذا ليس امرا جديدا، فالعدوان الاميركي، كما يقول، بات جزءا من الحياة. اما الاسئلة حول تخزين الاغذية والمياه، فقد قوبلت بالضحك لدى الكثيرين، فيما تركزت حركة البيع في المتاجر على بيع الكراسات والقرطاسية والادوات التي يحتاجها التلاميذ للعام الدراسي الجديد الذي ابتدأ للتو. وعلى الرغم من ان رفض العراق عودة مفتشي الاسلحة اثار اهتماما في الكثير من عواصم العالم، فإن الناس هنا لا يشعرون بوجود أزمة. شوارع العاصمة وجسورها على نهر دجلة الذي يعاني نقصان المياه هذه الأيام تعج بأصوات السيارات، كما تعج الاسواق بالحركة والنشاط وكذلك المطاعم والمقاهي حيث تركزت الاحاديث، وسط قعقعة الاطباق ودخان النرجيلة، على اشياء اخرى غير الحرب المحتملة. من خلال جولة بالسيارة في انحاء العاصمة بغداد يلاحظ عدم وجود جنود باستثناء رجال الشرطة المسؤولين عن تنظيم حركة المرور في الشوارع. لا وجود للمدافع المضادة للطائرات اوالمدافع العادية او أي اسلحة اخرى. وكان محللون عسكريون غربيون خارج العراق قد قالوا ان مثل هذه المعدات ستكون مخبأة في الغالب الى حين بدء القتال. وطبقا لما ذكره دبلوماسيون ومراقبون، ليس هناك دليل على ان العراق حرك أي معدات خارج المصانع التي تعتبر ذات اهمية. ويلاحظ ان الاستعدادات العسكرية لم تظهر حتى الآن الا في التلفزيون الرسمي للدولة، فقد عرضت بعض اللقطات لوحدة تابعة لمجموعة من الصبية يطلق عليها «اشبال صدام» داخل معسكر للتدريب. وغالبية الذين اجري معهم اللقاء وصفوا الحديث عن حرب الولايات المتحدة كونه دعاية اميركية، واعربوا عن تفاؤلهم ازاء تراجع جورج بوش عن شن حرب ضد العراق بفضل معارضة روسيا والصين وحلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي. وامتلأت الصحف العراقية بتصريحات من قادة العالم المعارضين لأي عمل عسكري اميركي من جانب واحد وتقارير حول المساعي الدبلوماسية لوزراء الحكومة العراقية. يقول التاجر جابر عباس ان الولايات المتحدة هددت عدة مرات بمهاجمة العراق، لذا لم يعد هناك من يعتقد أن هذا الهجوم سيقع فعلا. ولكن في واقع الامر نفذت الولايات المتحدة تهديدات سابقة ضد العراق مثلما حدث عام 1998 عندما شنت مع بريطانيا غارات جوية استمرت اربعة ايام بسبب عدم تعاون بغداد مع مفتشي الاسلحة. يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة تطلق النار بانتظام على تجهيزات الدفاع الجوي العراقية في مناطق حظر الطيران شمال العراق وجنوبه. وكانت دوريات مناطق حظر الطيران قد اقيمت عقب انتهاء حرب الخليج لحماية مناطق الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب. ويقول دبلوماسيون ومسؤولون في منظمة الامم المتحدة ان بغداد تبدو في الظاهر مزدهرة، الا ان الاقتصاد العراقي يواجه ازمة عميقة في ظل العقوبات التجارية التي تفرضها الامم المتحدة واولويات الإنفاق للحكومة العراقية، فهذه الصعوبات ربما تكون قد حالت دون تمكن المواطنين العاديين من الاستعداد للحرب.

الجدير بالذكر ان نسبة 80 في المائة من العراقيين تعتمد على الحصص الغذائية الشهرية من الحكومة، اذ يجري الإنفاق عليها ضمن برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي يسمح للعراق ببيع النفط لإنفاق عائداته على الاحتياجات الانسانية. ويقول مسؤول في الامم المتحدة ان العراقيين يحصلون على حصة شهر واحد من الغذاء عند تسلمهم الحصص المقررة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»