التيجاني الطيب القيادي بالحزب الشيوعي السوداني يكشف أسرار مفاوضات ماشاكوس

TT

كشف التيجاني الطيب عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وعضو هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض، في ندوة نظمها الحزب الشيوعي مساء الأحد الماضي، عن عدد من الأمور التي تعتبر في عداد ما دار في الغرف المغلقة بين مفاوضي الحكومة السودانية ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في ضاحية ماشاكوس الكينية خلال جولتي المفاوضات، والاشارة هنا للجولة الأولى التي خرج منها الطرفان ببروتوكول ماشاكوس في 20 يوليو (تموز) الماضي، والجولة الثانية التي اصطدمت باحتلال الحركة الشعبية خلال المفاوضات لمدينة توريت الاستراتيجية، مما أدى الى اعلان الحكومة السودانية تعليق مفاوضاتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.

الى ذلك اوضح التيجاني نقلا عن مجموعة مراقبين اوفدتهم هيئة قيادة التجمع الى العاصمة الكينية نيروبي، ان جولة اغسطس (آب) بين الطرفين واجهت مجموعة من العقبات المستعصية حين لامس التفاوض قضايا مثل تقسيم السلطة والثروة والفترة الانتقالية مما أدى الى تصعيد حالة من القلق بذل الوسطاء جهدا كبيرا في تذويبها دون ان يقطعوا بوصولهم لتلك الغاية.

ويقول التيجاني في هذا الاتجاه ان تحديد الحدود الجغرافية للجنوب كان من بين العقبات الكؤودة كون وفد الحركة طرح حدودا للجنوب تضم الى جانب حدود 1956 (عام استقلال السودان) مناطق مثل جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وابياي فيما رفض وفد الحكومة مجرد بحث هذه القضية، مما اضطر الوسطاء للتدخل مقترحين تأجيل الموضوع لفترة من الزمن باعتباره وجهة نظر خاصة حول مناطق خاصة، اضافة الى امكانية مناقشة الأمر بطريقة مختلفة، بمعنى امكانية اشراك سكان تلك المناطق في فترة لاحقة في الأمر، فوافق طرفا التفاوض على هذا الحل الوسطي.

واضاف التيجاني الى ان وفد الحركة فجر مع قضية الثروة مسألة في غاية الأهمية والتعقيد، فاقترح مفاوضوها انه، وقبل اي نقاش لتقسيم الثروة، لا بد من اطلاعهم على الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة فيما يخص البترول، والصفقات التي تمت واين ذهبت اموالها، واشترطوا وجود تلك الحسابات أمامهم ليطمئنوا الى عدالة التقسيم، ولكن مفاوضي الحكومة رفضوا بصورة قاطعة تلك المطالب قائلين ان الاتفاقيات والصفقات تعتبر في عداد الأسرار ولا يمكن للحكومة ان تقدمها لأي جهة ليست حاكمة، بمعنى تأجيل تلك المطالب الى حين انخراط الحركة الشعبية في الحكومة القادمة.

الى ذلك اوضح التيجاني ان الانتخابات والفترة الانتقالية قد شكلا ايضا قنبلتين موقوتتين أمام المفاوضات حين طرحت أمامهم اسئلة معقدة مثل من سيكون رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية، ومن يت الاالفترة الأولى من الرئاسة اذا كان للطرفين ان يقتسما فترة السنوات الست التي حددها بروتوكول ماشاكوس للفترة الانتقالية. وكشف التيجاني ان مفاوضي الحركة اقترحوا ان يتولوا رئاسة الجمهورية في الفترة الأولى فيما اعترض وفد الحكومة باعتبار ان ذلك يفضي الى تنازل الرئيس البشير عن الرئاسة لثلاث سنوات ليعود اليها مرة ثانية وهذا غير منطقي باعتبار ان انتقاله من رئيس الى نائب رئيس ليس منطقيا.

في المقابل حفلت قضية الانتخابات بما يمكن وضعه في خانة المناورات من جانب الحكومة التي اقترحت اجراءها خلال الشهور الستة الأولى من الفترة الانتقالية باعتبار انها ستفوز فيها بتوظيف امكانياتها وطرقها الخاصة، فاعترض وفد الحركة مما اضطر الوسطاء للتدخل واقترحوا اجراءها في فترة تتراوح بين 18 ـ 24 شهرا، فتم اتفاق مبدئي على هذا الاقتراح، دون ان يلغي ذلك وجود قنابل اخرى يمكن ان تنشأ من اجراء الانتخابات ذاتها كامكانية ان تأتي بفصائل سياسية بمستحقات اخرى مثل اتيانها بحكومة جديدة ليس لطرفي التفاوض ثقل سياسي فيها.

في اتجاه آخر اوضح التيجاني ان لاتفاق ماشاكوس من وجهة نظره سلبيات وايجابيات. والى ذلك حدد السلبيات في سعي الجبهة الاسلامية الى حل سياسي دون ان تفكك نفسها في مقابل سعيها لتفكيك التجمع والانفراد بحكم الشمال من خلال مشروعها القائم لتسخير الحركة الشعبية في تنفيذ مخططاتها اللاحقة. في المقابل اشار التيجاني الى ان التقييم بشكل عام ايجابي باعتبار ان قبول الجبهة الاسلامية ببروتوكول ماشاكوس اوصى بانهيار ثوابت النظام مثل رفع تطبيق الشريعة الاسلامية عن جزء من السودان ومثل قيام حكومة انتقالية توصي من حيث المبدأ بتفكيك دولة الحزب الواحد اضافة الى الانخراط في تسوية شاملة بما تحققه من سلام ونبذ للعنف. ولكن التيجاني ذكر في المقابل، ان كل ذلك، وبعدم شمول الحل يعاكس نضال الشعب السوداني من خلال سعي الحكومة لتجزئة حل الأزمة السودانية، وفتحها لفرص جديدة لمشاريع مثل قيام الدولة الدينية في الشمال وتزويدها بفرص حياتها من جديد وتقسيم السودانيين على اساس ديني اقرب ما يكون الأمر الى اعادة حلف الدستور الاسلامي الذي شهدته اعوام 1967 و1968 و1969 في السودان.

يشار الى ان د. صدقي كيلو عضو الحزب الشيوعي قد قدم ورقة اكاديمية عالية القيمة عن النضال من اجل دستور ديمقراطي مطالبا بأن يبدأ النقاش حوله من الآن ليصبح ادبا عاما يتداوله الناس، مقدما فذلكة تاريخية واكاديمية للفوارق بين الجمهورية الرئاسية البرلمانية مقررا ان الثانية هي الأنسب للسودان.