تحقيقات غربية وعربية تخلص إلى ان فكرة 11 سبتمبر ولدت في هامبورغ وليس أفغانستان

خلية الألمانية نقلت الفكرة لقندهار وبن لادن حرص على اختيار باقي «العضلات» من السعودية * المنفذون زادوا حماسا حين أبلغهم بن لادن برؤياه في المنام «أميركا تتدمر»

TT

في حدود الساعة السابعة من مساء احد ايام شهر رمضان عام 1998، توجه المصلون عبر ممر يؤدي الى قاعة الصلاة في جامع بمدينة هامبورغ، واضعين احذيتهم في الرفوف البنية اللون قبل ان يسيروا على سجادة باللون الفيروزي، وهو مزيج من الاخضر الذي يرمز للاسلام والازرق الذي يرمز للجنة.

وكانت بين المصلين مجموعة صغيرة من الرجال الذين تحلقوا حول شخص مصري صارم، نحيل البنية يدعى محمد عطا. قيلت كلمات قليلة، غير ان عطا تحرك بسمات قائد يصدر الاوامر. فحتى ذلك الحين كان هو «الرئيس»، كما كان احد رفاقه الخاطفين، زياد سمير الجراح، يسميه في حديث هاتفي قبل يومين من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. وكان الشيخ عادل، المتحدث الضيف من مصر، يقرأ من القرآن، ويذكر الرجال بمعاناة اشقائهم في فلسطين والشيشان، وكان يؤم المصلين قبل ان ينتهي صيام ذلك اليوم، وفقا لعبد الرزاق لبيد، المغربي البالغ 39 عاماً، والذي كان حاضراً في مساء ذلك اليوم من ايام ديسمبر (كانون الاول).

وقد مد بساط بلاستيكي كبير على الارض، وجلس عطا ليتناول التمر مع قدح من الحليب. والى جانبه كان رمزي بن الشيبه (30 عاماً)، وسعيد البهاجي (28 عاما)، ومنير متصدق (28 عاما)، وهم ثلاثة اعضاء مما سيعرف بخلية هامبورغ، وهم المجموعة الاساسية التي نفذت الهجمات على نيويورك وواشنطن.

وهؤلاء الطلبة ـ وهم مجموعة من سبعة رجال ضمت، ايضاً، مروان الشحي (23 عاماً)، وزكريا الصبار (25 عاماً)، والجراح (26 عاماً) ـ قد بدأوا بالتوحد وراء التزام مشترك «بالجهاد». وخلال السنة التالية كانت رحلتهم المشتركة تتسارع على نحو دراماتيكي تحت تأثير رجل «القاعدة» في المدينة، محمد حيدر زمار، ورغبة عطا الضاربة، على نحو متزايد، في توجيه ضربة عنيفة للولايات المتحدة.

ان بعضاً من اعمق الجذور التي تكمن خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد جرى ترسيخها في هذه المدينة العاصفة، والمزدهرة حيث ترعرعت النزعة المتطرفة دون ان يلاحظها احد في الجوامع، وفي مستودع كتب بغرفة خلفية خاصة، خزنت فيها نصوص حول العنف، وجماعات دراسة غير رسمية في اماكن اللقاء والاجتماع في الجامعة، ومحادثات حول الطاولات في شقق حيث كان الشباب يتمنون الموت لاميركا.

وفي احدى المحادثات، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998، قال الالماني الذي اعتنق الاسلام، شهيد نيكلز، موجهاً كلامه الى عطا «المسلمون ضعفاء الى حد عجزهم عن القيام بشيء ضد الولايات المتحدة الاميركية»، وفقاً لمادة جمعها المحققون الالمان.

ورد عليه عطا قائلاً «كلا، يمكن القيام بشيء ما. هناك وسائل معينة. والولايات المتحدة الاميركية ليست كلية القدرة».

ان هذا التقرير، الذي اعتمد على مقابلات اجريت مع بعض عائلات واصدقاء وزملاء اعضاء خلية هامبورغ، وبعضهم يتحدثون لصحافي للمرة الاولى، يتحرى بيئة هامبورغ التي الهمت وغذت المجموعة، والطريق الذي سلكته الخلية خلال سنتين ونصف السنة من وجودها. وتعتمد القصة، ايضاً، على مقابلات موسعة مع موظفي الاستخبارات الاميركية والالمانية، وفي هيئات تنفيذ القوانين، وكذلك على مواد ومعلومات وفرتها وكالات ومؤسسات استخباراتية اوروبية وعربية اخرى حول نشوء ومسار الخطة.

وتبقى هجمات الحادي عشر من سبتمبر جريمة بدون تاريخ كامل. وقد لا يجري الكشف، مطلقا، عن الآليات الداخلية الدقيقة للخطة. فالتحري الكامل عن العناصر الحاسمة، مثل تجنيد ودور كل واحد من الخاطفين، ما تزال مجهولة بعد سنة من الاحداث.

ولكن في هامبورغ عاش مشاركون رئيسيون في الهجمات في مشهد عادي بسيط. وبينما تطورت خطة الحادي عشر من سبتمبر في السر، فانهم اقاموا في عالم غريب ومألوف في نفس الوقت بالنسبة لهم، وتحلوا بالانضباط الصارم والكراهية الشديدة التي تتطلبها تطور خطتهم، والحريات التي كانت ضرورية لنجاحها.

وكان راعي خلية هامبورغ ميكانيكي سيارات، يتمتع بطريقة جذابة في التعامل، ولديه سجل في الحرب، وهو ما جعله شخصاً مثالياً لتجنيد الآخرين للجهاد.

فقد ولد محمد حيدر زمار عام 1961 في مدينة حلب بسورية، وانتقل الى المانيا عام 1971 مع والده. ولفت هذا الصبي المتحدر من عائلة متدينة محافظة انتباه معارفه الشخصيين باعتباره تقياً ورعاً بحلول الثانية عشرة من عمره. واصبح من المترددين الدائمين على جوامع هامبورغ، وبينها جامع الامام علي، المعروف بالجامع الايراني، وجامع المجاهدين حيث كان عطا في سنوات كثيرة لاحقة يتناول افطاره في ايام رمضان.

وفي اواخر العقد الثاني من عمره كان زمار قد اقام علاقة مع اصوليين متطرفين عبر مأمون دراكزاتلي، قرينه السوري، الذي تتهمه السلطات الاميركية بانه احد ممولي القاعدة. وما يزال دركزاتلي يعيش في هامبورغ تحت التحقيق، ولكن المسؤولين الالمان يقولون انه ليس لديهم ما يكفي من الادلة لاعتقاله. وينفي علاقته بالقاعدة او بمؤامرة الحادي عشر من سبتمبر.

وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية التحق زمار بكلية تصنيع المعادن، وتلقى فترة تدريب في شركة مرسيدس للسيارات. وفي اواسط الثمانينات عاش في السعودية لسنوات عدة، وعمل كمترجم في شركة مشروع بناء مشترك الماني سعودي، ثم عاد الى هامبورغ ليعمل سائقا في شركة نقل.

وفي عام 1991 قرر زمار الالتحاق بـ«الجهاد» وفقا لاحدى وكالات الاستخبارات العربية. وسافر الى باكستان بجواز الماني، ثم حل في دار ضيافة عربية في افغانستان. واجتاز زمار تدريباً على الاسلحة والمتفجرات وفنون القتال مع مقاتلين عرب آخرين. واختير، من ثم، الى معسكر نخبة آخر قرب مدينة جلال آباد.

وعلى الرغم من ان زعيم القاعدة، اسامة بن لادن، كان يعيش في السودان في ذلك الوقت، فان المنظمة كانت قد اسست معسكرات تدريب في الجزء الشرقي من افغانستان تحت حماية القائد الافغاني قلب الدين حكمتيار. وقاتل زمار سوية مع قوات حكمتيار ضد النظام الشيوعي في افغانستان.

وعاد زمار، الذي زادته المعارك صلابة، الى هامبورغ في نهاية عام 1991، وخلال السنوات القليلة التالية قام بزيارة سورية والاردن وتركيا والسويد بينما كان يعمل كميكانيكي وفي مهن غير نظامية في المانيا. وفي عام 1995 ذهب للقتال في البوسنة حيث اقام في زينتسا مع مجاهدين عرب آخرين.

وفي عام 1996 قام زمار بزيارة اخرى الى افغانستان حيث تعهد، رسميا، بالولاء للقاعدة، وفقا لمعلومات احدى وكالات الاستخبارات العربية. وفي السنة التالية، وضع الالمان زمار تحت المراقبة بعد ان زودتهم الاستخبارات التركية بمعلومات سرية عنه. ولكن شأن الرقابة اللاحقة لواحد من رفاق عطا، هو البهاجي، الغيت الرقابة خلال اشهر بسبب الافتقار الى دليل على التخطيط الاجرامي.

وقال بيتر فريش، الرئيس السابق للمكتب الالماني لحماية الدستور، الذي يراقب المتطرفين في البلاد ان «ما لم نره كان دلائل ملموسة على فعل عنفي مثل هذا الذي حدث في نيويورك. فلم يكن لدينا الناس للقيام بالمراقبة، ولم نكن نعرف انه كان ينبغي علينا القيام بذلك».

وكانت هامبورغ، والمانيا عموماً، بيئة خالية من الخطورة تقريباً بالنسبة للمتطرفين الاصوليين، ويقول المسؤولون الالمان، القلقون من الماضي النازي للبلاد، في الوقت الحالي، انهم كانوا معارضين لاستهداف الجوامع، والخشية من اتهامات بالتمييز العنصري والاضطهاد الديني. وكانت مثل هذه التحفظات تعني انه بينما كانت السلطات مدركة للدعوات الى الاسلحة التي تبعد اعضاء خلية هامبورغ، فانها لم تر مبرراً للتدخل.

وباعتباره رائداً ناضجاً للجهاد، سرعان ما اصبح زمار واحدا من افضل الشخصيات المعروفة في اوساط المتطرفين الاصوليين في هامبورغ. وكان يوجه الشجب والادانة للولايات المتحدة والغرب.

وقال زمار في خطبة حول افعال الغرب الظالمة ضد الاسلام، وفقا لعزام ارشيد، نائب مدير جامع المجاهدين انه «لا يمكننا ان نجلس مكتوفي الايدي ولا نفعل شيئاً». وفي مناسبة اخرى قال زمار بصوت عال «من هم أسوأ الارهابيين؟ العالم الذي يزعم انه متحضر».

ويتذكر عبد الرزاق لبيد دعوة لمنزل زمار في حدود ذلك الوقت. ويبقى لبيد رفيقاً لاحد مريدي عطا، وهو عبد الغني مزودي، وقد اجري تحقيق معه من قبل الشرطة الالمانية حول خلية هامبورغ. ويزعم المسؤولون ان لبيد كان بين مجموعة من المتطرفين الذين تعهدوا بالشهادة في الغرفة الخلفية من مكتبة التوحيد الاسلامية في هامبورغ في ابريل (نيسان) الماضي. ولكن لبيد يرفض الاتهام. غير ان لبيد صريح بشأن صداقاته مع المجموعة التي ضمت الخاطفين. وفي مقابلة اجريت معه، مؤخراً، تذكر دعوة عشاء في شقة زمار في اواسط عام 1999 بعد لعبة لكرة القدم في ملعب محلي. وقد اعد زمار طبقاً من اللحم المفروم والطماطم والبصل والرز، بل واعد الكيك كحلوى، وكان يضحك بصوت عال، وهو يشغل نفسه بهذه الاشياء.

وكان بين اولئك الجالسين على المائدة مع زمار شباب من الصومال واثيوبيا والجزائر والمغرب. كان زمار يمتعهم بقصص من الخطوط الامامية لجبهة الحرب المقدسة كما يتذكر لبيد. وكان الرجل المتنفذ يتطلع الى متطوعين.

وقد التقى محمد عطا بزمار في جامع القدس بهامبورغ عام 1998 في اغلب الظن، وفقا لمصادر اميركية والمانية وعربية. وكان عطا قد وصل الى هامبورغ في عام 1992، وسجل، في وقت لاحق، بجامعة هامبورغ التقنية. وكان عطا، الطالب المنضبط، والمسلم الورع، متحفظاً ومنعزلا، خصوصا في رفقة الالمان.

وبين اقرانه المسلمين كان يتمسك بالفضيلة بتزمت. وكان يدين زياد الجراح ومروان الشحي على ولعهما بالموسيقى والكحول والتدخين الى ان تبرأ زميلاه الشابان من شراك الانغماس في هذه الملذات.

وكان جامع القدس قد افتتح عام 1993، واصبح مركزاً لوجهات النظر الاستفزازية والمثيرة للفتن. وقال امام الجامع محمد بن محمد الفيزازي في موعظة قبل الحادي عشر من سبتمبر، مسجلة على شريط فيديو، انه «يجب ذبح اليهود والصليبيين» واستمرت مثل هذه المواعظ. فقد جرى الشهر الماضي شراء شريط فيديو في جامع القدس، يظهر فيه أحد الواعظين الأصوليين، ذكر أنه اسمه هو أزيد الكيراني، وهو يطلق نداء لمعركة موت ضد «اليهود وإسرائيل وكل الكفرة». ويضم الجامع ثلاثة طوابق في بناية عادية تقع بالقرب من محطة قطار هامبورغ. وفي الطابق الأول تقع قاعة الصلاة للرجال، حيث السجاد الفيروزي اللون وكذلك لون الجدران. ويمكن أن تستوعب قاعة الرجال 400 شخص، كما قال عبد العزيز العودي، مدير الجامع. وعلى اليسار تقع قاعة صلاة النساء غير المفروشة بالسجاد وغير المصبوغة الجدران.

وبحلول عام 1998، وعندما التقى بزمار، كان عطا زائرا منتظما للجامع لفترة لا تقل عن أربع سنوات. وكان قد التحق، أيضا، بمجموعة دراسية يديرها محمد بن ناصر بلفاس. وقام عطا بزيارة مكتبة التوحيد حيث تباع الكتب وأشرطة الفيديو حول الجهاد من غرفة خلفية لا يستطيع الجمهور العام دخولها.

وكانت هذه الأماكن هي أولى المراكز العديدة بالنسة لخلية هامبورغ. وكان أعضاؤها قد جاؤوا إلى ألمانيا كطلاب من دول عربية مختلفة خلال السنوات 1992 ـ 1997. وبعد التحاقهم بكليات مختلفة التقوا في هامبورغ في الفترة بين أواسط وأواخر التسعينات، وفقا لكاي نيم، القاضية الفيدرالية الرئيسية في ألمانيا.

فمتصدق، على سبيل المثال، التقى بعطا عام 1995، وفي السنة التالية كان أحد الموالين له. وكان متصدق هو الذي عرف عطا، في وقت لاحق، على البهاجي، الألماني المغربي، وعلي الصبار، المغربي. والتقى عطا بالشحي الإماراتي في معهد لغة ألمانية في بون عام 1997. وجاء الجراح، اللبناني، إلى المجموعة عبر الصبار. أما ابن الشيبة، طالب اللجوء اليمني، فقد التقى بالمجموعة من خلال جامع القدس.

وتردد آخرون على المجموعة، غير أنهم أبعدوا لهذا السبب أو ذاك. وعبر الصداقة والتطرف والطموح تبلور هؤلاء السبعة كوحدة: عطا، الشحي، الجراح، ابن الشيبة، البهاجي، متصدق ، والصبار.

وقالت نيم «إن عطا كان العقل المدبر للمجموعة واعتبر رئيسا لها على أساس عمره، إقامته الطويلة في ألمانيا، ومهارته اللغوية الجيدة، ولكن، أيضا، على أساس مواهبه التنظيمية وقدراته على الإقناع».

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1998 انتقل عطا وابن الشيبة، والبهاجي إلى شقة في شارع ماريا قرب الجامعة في هامبورغ. وكان الشحي يعيش هناك، أيضا، بين حين وآخر، وكان متصدق والصبار والجراح يلتقون الآخرين، ويقومون بنقاشات مطولة في الشقة.

وكان زمار زائرا معتادا، ولكن سرعان ما تفوق عطا عليه باعتباره صوتا متنفذا. وكان زمار يحظى باحترام في معظم الأحيان على صلاته مع شبكة دولية.

وقالت نيم إنه «بينما حتى ذلك الحين بدا أفراد المجموعة أشخاصا عصريين ومنفتحين، ويتميزون بمظهرهم الغربي، بل إن بعضهم كان يعيش حياة انغماس في الاستهلاك والملذات، فإن سلوكهم ومظهرهم قد تغير في ما بعد إلى سلوك ومظهر أشخاص (أصوليين)».

فقد تخلى الجراح عن الحفلات وتناول الكحول، وهو ما كان يحبه، وأطلق لحيته. وباع الصبار جهاز التلفزيون والفيديو. وبدأ الشحي، الذي اعتاد على تأجير المرسيدس لأغراض البهرجة، يرتدي الملابس الأفغانية، وفقا لمجلة «دير شبيغل» الألمانية.

وكان عطا يرفض مصافحة النساء، حتى عندما أبلغته أستاذة أنه قد حصل على درجة الماجستير في تخطيد المدن، وقدمت له يدها لتهنئته.

وقالت نيم، مستشهدة بأدلة جمعتها تحقيقات ألمانية، إن «مناقشات المجموعة أصبحت قاسية ومسمومة على نحو متزايد. فقد ركزت كراهية الأفراد على يهود العالم والولايات المتحدة الأميركية. وكان ينظر إلى إلحاق الهزيمة بهؤلاء باعتباره الهدف المركزي للجهاد».

وعمقت المجموعة أواصرها في جلسات نقاش مكثفة. وقدم عطا والبهاجي، وشخص ثالث هو طيار باكستاني اسمه عاطف بن منصور، طلبا للحصول على غرفة في الجامعة التقنية حيث يمكن للطلبة المسلمين اللقاء وأداء الصلاة، مستشهدين بسابقة حصول الطلاب المسيحيين البروتستانت على غرفة في الحرم الجامعي.

وكتب الثلاثة في رسالتهم يقولون «لا بد أنكم تعلمون أن النزعة الروحية تلعب دورا أساسيا في حياة كل شخص وتعزز إنتاجيته الفكرية. إن تخصيص غرفة سيوفر إمكانية التشاور ومساعدة بعضنا بعضا».

ورفضت الجامعة الطلب، غير أن عطا أسس، في وقت لاحق، جمعية إسلامية، عبر توجيه طلاب الجامعة. وكشفت مجلة «دير شبيغل»، مؤخرا، كنزا من المعلومات من الجمعية التي حفظت في صناديق في الحرم الجامعي. وبينها قواعد صاغها عطا تشير إلى أنه يجب قتل من لا يصلي بصورة منتظمة، ومعاقبة من يهمل إرادة الله، وتعلن أن التلفزيون أوجده اليهود.

وبين الكتب كانت هناك مجلدات حول الجهاد، أحدها حمل استشهادا يقول: «قال أسامة بن لادن: سأدفع ثمن تذكرة ومصاريف سفر كل عربي وعائلته يريد المجيء للجهاد». ووفقا للمجلة كانت هناك معلومات، أيضا، حول الطائرات، جرى الحصول عليها من شركة إيرباص.

وبحلول خريف عام 1999 كان أعضاء خلية هامبورغ قد اتفقوا في ما بينهم على التخطيط لهجوم كبير باستخدام طائرات تجارية، وفقا للمحققين الألمان. وتتعارض وجهة النظر هذه مع بعض الافتراضات التي تشير إلى أن خطة الحادي عشر من سبتمبر قد أعدت بالكامل من جانب زعامة «القاعدة»، وأعطيت إلى الخاطفين أثناء تدريباتهم في أفغانستان.

وقالت نيم إنه «على الأقل في أكتوبر (تشرين الأول) 1999 أدت (نزعة مجموعة هامبورغ المتطرفة) إلى فكرة مهاجمة الولايات المتحدة باستخدام الطائرات، وهو مفهوم ربما كان قد أوحت به أفكار من ممثلين آخرين للشبكة الدولية. ثم سافر أفراد المجموعة إلى أفغانستان لغرض مناقشة التفاصيل مع أعضاء الشبكة الدولية وللحصول على الدعم المالي واللوجستي».

وتدعم هذه الفرضية، وفقا لخلاصة تحقيقات ألمانية، تصريحات شهود، واكتشاف الشرطة الألمانية ملفا حول برامج الطيران على كومبيوتر أحد متآمري هامبورغ. وكانت المعلومات قد جرى التعامل معها عام 1999. وليس هناك دليل، وفقا للتحقيقات الألمانية، على أن هناك شخصا في خلية هامبورغ قد سافر إلى أفغانستان قبل نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1999.

ولكن حتى إذا كانت مجموعة هامبورغ أول من تبنى فكرة هجوم إرهابي باستخدام الطائرات، فإن هذه الفكرة ليست جديدة تماما. ففي عام 1994 خطط أصوليون جزائريون لتوجيه طائرة إلى برج إيفل في باريس. غير أنه ما من أحد من الخاطفين كان بوسعه أن يقود طائرة. واقتحمت الشرطة الفرنسية الطائرة عندما هبطت للتزود بالوقود.

وفي عام 1995 أحبطت الشرطة في مانيلا مؤامرة لتفجير 12 طائرة أميركية على المحيط الهادي، كانت على صلة بأحد مخططي تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وتضمنت الخطة، أيضا، هجوما على مقرات وكالة المخابرات المركزية في لانغلي عبر هجوم انتحاري بطائرة مليئة بالمتفجرات.

وكان أحد المتآمرين في مانيلا خالد شيخ محمد، الكويتي من أصل باكستاني، الذي عرف باسم «العقل»، وهو الآن هارب، وصفته وكالات استخبارات أميركية وغيرها باعتباره العقل اللوجستي المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكانت هناك تقارير، اعتمدت على دليل لمصدر استخباراتي واحد، أشارت إلى أن خالد شيخ زار ألمانيا عام 1998، مما أدى إلى تكهنات بأنه التقى بخلية هامبورغ.

ويعتبر خالد شيخ الذي تعود اسرته الى اقليم بلوخستان في باكستان، الطائرات وسيلة للارهاب. وقد احتل منصبا تزداد اهميته داخل البنية الاساسية للقاعدة، وهو خال رمزي يوسف، الباكستاني الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة بعد ادانته في عملية تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993.

وفي مقابلة اذاعتها هذا الاسبوع محطة «الجزيرة» القطرية قال خالد شيخ «قبل عامين من الغارات المقدسة على واشنطن ونيويورك، عقدت اللجنة العسكرية اجتماعا قررنا فيه بداية التخطيط لعملية استشهادية في اميركا».

وشاركت العديد من قيادات القاعدة في فكرة شن هجوم جوي. وطبقا لتحقيقات المشتبه في انتمائهم للقاعدة في الاردن فإن محمد عاطف (ابو حفص المصري) المسؤول العسكري السابق في القاعدة، توصل الى الفكرة في اواخر 1999 بعدما ذكر المحققون الاميركيون ان طيارا في شركة مصر للطيران قد انتحر باسقاط طائرته في المحيط الاطلسي في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1999.

وفي وسط هذه الخلفيات، عندما تسلل عطا الى افغانستان من باكستان في اواخر 1999 في صحبة مجموعة من رجال القاعدة، كان يحمل فكرة ستثير اهتمام المسؤولين عنه.

كان اول من غادر هامبورغ الى افغانستان هو زياد الجراح في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1999. وقد طار الى كراتشي في باكستان عبر اسطنبول بطائرة تابعة للخطوط الجوية التركية. وبعد اربعة ايام، تبعه عطا مستخدما نفس الطريق. ثم الشحي واخيرا ابن الشيبة، وإن كان المحققون الالمان لم يكتشفوا بالضبط الطريق الذي استخدمه الاثنان الاخران. وانتظر بهاجي والصبار ومتصدق حتى ربيع العام التالي، قبل ان يسافروا الى افغانستان.

وفي افغانستان تم اصطحابهم الى بيت للضيافة في قندهار يطلق عليه اسم بيت الغماد نسبة الى قبيلة الغامدي السعودية، طبقا لمحطة الجزيرة. وهناك التقوا بثلاثة سعوديين فيما وصفه ابن الشيبة بأنه مجلس الطيارين والشخصيات الاساسية.

وكان ينتظر في قندهار خالد المحضار، وهو صياد سابق في البحر الاحمر قدم من مكة ونواف الحمزي، وهو تاجر صغير من مكة ايضا، طبقا لمصادر سعودية.

وهؤلاء السعوديون الثلاثة مع خلية هامبورغ شكلوا المجموعة التي اعدت حولها مؤامرة 11 سبتمبر.

اما «القاعدة» فتولت مسؤولية تجنيد باقي المجموعة وعددها 12 سعوديا بالاضافة الى فايز راشيد احمد حسن الغامدي المعروف ايضا باسم فايز احمد وهو من الامارات.

وادعى خالد شيخ ان تلك المجموعة (13 شخصا) اعدت من «كتيبة الشهداء» في «القاعدة». واصبحوا معروفين بالنسبة للمحققين الاميركيين بإسم «العضلات» الذين تتركز مهمتهم في اخضاع الركاب.

وفي يناير (كانون الثاني) 2000، وخلال تدرب عطا في افغانستان، عقد اجتماع اخر ربط بين خلية هامبورغ وباقي الخاطفين. فقد التقى ابن الشيبة والمحضار والحازمي في كوالا لمبور عاصمة ماليزيا بوجود ناشط آخر من القاعدة هو توفيق بن توفيق بن عطاس الذي فقد ساقا في الحرب ضد الروس في افغانستان.

ومن المعروف ان ابن الشيبة وهو يمني الجنسية يرتبط بصلة قرابة بزوجة المحضار. وهو ينتمي الى اسرة يمنية معروفة ذات علاقات طويلة بالقاعدة وقد حصل على الجنسية السعودية عام 1996 فقط طبقا للمسؤولين في وزاراة الداخلية السعودية.

وقد صورت الاستخبارات الماليزية الاجتماع. ويعتقد ان «القاعدة» بحثت في مرحلة لاحقة الهجوم على المدمرة الاميركية كول في اليمن بالاضافة الى عمليات في الاراضي الاميركية.

وفور عقد اجتماع ماليزيا، طار المحضار والحازمي الى لوس انجليس وانضما بسرعة الى مدرسة تعلم قيادة الطائرات في شمال سان دييغو.

وفي اواخر فبراير (شباط) 2000 بدأ عطا وباقي الطيارين في العودة من افغانستان. واعلنوا ان جوازاتهم سرقت لاخفاء الاختام التي يمكن ان تدينهم، وبدأوا في الاتصال بمدارس تعلم الطيران في الولايات المتحدة للحصول على تأشيرات دخول.

وكان اعضاء الخلية يعلمون انهم سيهاجمون نيويورك، طبقا للمسؤولين الالمان، الذين اشاروا الى بيان من الشحي. وفي ابريل (نيسان) او مايو (ايار) 2001 تحدث الشحي مع موظفة في احدى مكتبات المانيا وقال لها ان مركز التجارة العالمي سيجري تدميره.

وقال الشحي للموظفة، طبقا لرواية «سيقتل الالاف، وستتذكرونني حينها».

وقد تقدمت الموظفة كشاهدة، طبقا لمكتب المدعي العام الفيدرالي، الذي رفض الكشف عن اسمها او القول متى قدمت مثل هذه المعلومات.

وفي المقابلة مع «الجزيرة» قال ابن الشيبة ان الشحي، حتى قبل ان يعرف بالعملية «كان يشاهد رؤى جميلة بأنه يطير في السماء مع طيور خضراء كبيرة ويرتطم بالاشياء». وسأله محرر الجزيرة «ما هي هذه الاشياء»؟

فرد ابن الشيبة «مجرد اشياء».

وكان ابن الشيبة والصبار يأملان في المشاركة في الهجمات، ولكن طلبيهما للحصول على تأشيرة للولايات المتحدة رفضا.

وتجدر الاشارة الى ان عريضة اتهام زكريا موساوي تشير الى انه تم اختياره للحلول محل ابن الشيبة في ديسمبر 2000. وفي ذلك الشهر طار ابن الشيبة الى لندن للقاء موساوي، الذي غادر بريطانيا الى باكستان.

وقال ابن الشيبة ان الطيارين فحصوا الاهداف المحتملة واطلقوا عليها اسماء مشفرة: فبرجا مركز التجارة اصبحا يعرفان بإسم «وزارة تخطيط المدن» في اشارة الى دراسات عطا، الذي كان ضد فكرة اقامة ناطحات سحاب. اما البنتاغون فقد اطلق عليه اسم «كلية الفنون الجميلة» في حين اطلق على مبنى الكابيتول، الذي ذكر ابن الشيبة انه كان هدف الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا، اسم «كلية القانون».

وتدفقت الاموال على الطيارين عبر ناشط «القاعدة» في دبي، مصطفى احمد الحازمي، طبقا للمحققين الاميركيين. وفي اول مارس (اذار) ترك الصبار وابن الشيبة الشقة الواقعة في شارع ماريين.

واستمرت المجموعة في السفر من والى الولايات المتحدة، فقد سافر عطا والشحي والجراح عبر المحيط الاطلسي اكثر من مرة. وقد تمكن المحققون في اسبانيا من اكتشاف خلية للقاعدة العام الماضي، يعتقدون الآن انها سهلت لقاءات التخطيط التي حضرها عطا في اميركا في يناير ويوليو من العام الماضي.

وربما لعب محمد زمار المسؤول عن التجنيد في هامبورغ، دورا في اجتماعات اسبانيا التي لاتزال غامضة. وكان زمار قد التقى في عام 1991 الاصولي السوري الاسباني ابو مصعب السوري او مصطفى عبد القادر مريام، طبقا لوكالة استخبارات عربية. وبقى الرجلان على اتصال حتى عام 2000.

وفي ذلك الوقت بدأت المجموعة المعروفة باسم «العضلات» التي تضم 13 شخصا في الوصول للولايات المتحدة. ويبدو ان بن لادن لعب دورا مباشرا في اختيار افراد تلك المجموعة. وكان من الواضح انه يريد سعوديين. وذكر مسؤول عربي «لقد تم اختيارهم بسبب حماسهم والتزامهم وجنسيتهم.» وقد ذكر زهير هلال محمد الثبيتي السعودي الذي قبض عليه في المغرب للتخطيط لهجوم على السفن الاميركية والبريطانية في جبل طارق، للمحققين ان بن لادن فكر في اشراكه في عملية 11 سبتمبر، طبقا لرواية مسؤولين استخباريين مغاربة.

ونقل الثبيتي، الذي عاش في نيويورك لحوالي 6 اشهر في عام 1999 وتدرب فيما بعد على استخدام المتفجرات في افغانستان، عن بن لادن قوله «اريدك لمهمة في الولايات المتحدة.» الا ان القاعدة رفضته لانه شخص غير منضبط، طبقا للتحقيقات مع الثبيتي وغيره من الذين قبض عليهم في المغرب.

وكانت الحكومة السعودية قد ذكرت ان مجموعة «العضلات» السعودية تم تجنيدها خارج السعودية بعدما غادروا البلاد للمشاركة في المعارك في الشيشان. وكان الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي قد ذكر في مقابلة صحافية انه يعتقد ان معظم مجموعة المتطوعين المتأخرة لم يعرفوا انهم سيموتون في 11 سبتمبر. وبحلول اغسطس (آب) 2001 غادرت المجموعة افغانستان، وبدأ بن لادن في التحدث لانصاره عن رؤية شاهدها، طبقا للثبيتي، الذي اوضح «انه قال انه شاهد اميركا مدمرة».

وتجدر الاشارة الى ان ثلاثة فقط من اعضاء خلية هامبورغ ماتو في العملية وهم عطا والجراح والشحي. بينما فر بهاجي وابن الشيبة والصبار، وتسعى السلطات الالمانية للقبض عليهم. اما متصدق فقد ادين في المانيا الشهر الماضي بالضلوع في مؤامرة 11 سبتمبر.

وبالنسبة للزمار فقد قبض عليه في المغرب في العام الماضي وتم ترحيله الى سورية، حيث يجري التحقيق معه.

وبعد عام من الهجوم، لا تزال اسر الخاطفين سواء في السعودية او في هامبورغ في حالة من الغضب.

فقد فتحت نشه بهاجي ارملة سعيد بهاجي باب شقتها الجديدة وهي تحمل ابنها عمر الذي يبلغ من العمر 18 شهرا. وقد اجبرت على ترك شقتها في هامبورغ بسبب سمعة زوجها. وكانت المرة الاخيرة التي شاهدته فيها هي 3 سبتمبر، عندما ابلغها انه في طريقه الى باكستان لمدة شهرين لكي يتدرب مع شركة كومبيوتر.

وقبل رحيله ذهب الى المسجد وعاد بعد ان قص شعره.

وقالت «زوجي بريء». وتعتقد انه لايزال على قيد الحياة. ففي شهر يونيو (حزيران) تلقت حماتها رسالة هاتفية قالت انها من بهاجي نقلها عبر الهاتف صوت غير معروف. واوضحت زوجته انه يخشى العودة الى منزله. وقالت «ان كل شيء مقدر. الله يمنحني القوة لكي اتحمل. انه اختبار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»