الدعم الإقليمي والدولي لعمل أميركي ضد بغداد ليس من دون مقابل

TT

عقب المحاولات الجاهدة لإقناع دول اخرى بالمساعدة في اطاحة الرئيس العراقي صدام حسين، بدأ الرئيس الاميركي جورج بوش استخدام مصطلحات ربما تجدها هذه الدول اسهل على الفهم مثل «النقد» و«السلاح» و«صفقات الاعمال» و«المصالح».

ويرى المحللون ان خطاب الرئيس بوش اول من امس امام الامم المتحدة سيكون بداية لمفاوضات مكثفة من وراء الكواليس للتوصل الى الحوافز اللازمة لاستمالة دول لا تزال محجمة حتى الآن، علنا على الاقل، عن الانضمام الى أي حملة لإطاحة صدام.

ويتوقع المسؤولون الاميركيون ان تطلب تركيا، مقابل مشاركتها في الحملة، اسلحة وتخفيفا لديونها، فيما يتوقع الروس والفرنسيون ان يسمح لهم بالعمل في استثمار حقول النفط العراقية، وتتوقع قطر اموالا لتشييد قاعدة جوية، والاردن ضمانات نفطية وتجارية. ويتوقع المسؤولون ان تقدم دول اخرى كثيرة مطالبها لقاء الانضمام الى الحملة.

وتعتقد دانييلا بليتكا، المساعدة السابقة في مجلس الشيوخ الاميركي والمسؤولة حاليا في أحد المعاهد الاميركية للبحوث، ان دول منطقة الشرق الاوسط ستتعامل مع الولايات المتحدة من منطلق تجاري، لانها تدرك ان «الولايات المتحدة ترغب في الشراء». وعلق مساعد بارز بالكونغرس الاميركي قائلا ان هذه «فرصة ثمينة للتقدم والحصول على ما تريد الدول من الولايات المتحدة». ويعتقد مسؤولون اميركيون ان تركيز الادارة الاميركية الاول سيكون على الدول الاعضاء في مجلس الامن، خصوصا روسيا وفرنسا والصين، اذ ان تأييد هذه الدول سيصبح عاملا مهما في ظل محاولة الولايات المتحدة اقناع مجلس الامن بتطبيق قرارات تطالب العراق بالتخلي عن برامج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. بيد ان المسؤولين الاميركيين سيحاولون ايضا اقناع الكثير من الدول الاخرى في منطقة الشرق الاوسط وغيرها بغرض التعاون مع الحملة العسكرية او على الاقل تهدئة معارضتها. البنتاغون من جانبه لا يزال في حاجة الى الحصول على التزامات من الدول المجاورة للعراق بشأن القواعد العسكرية والتحليق في اجوائها. وتعكس هذه الجهود تجربة مساعي الولايات المتحدة لبناء تحالف قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 وقبل الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على حكومة طالبان في افغانستان العالم الماضي، الا ان المهمة الجديدة لن تكون سهلة، اذ ان الكثير من الدول ابدى شكوكا ازاء الحاجة الى حرب ضد العراق، فضلا عن ان الولايات المتحدة لن تتلقى هذه المرة مليارات الدولارات التي ساهمت بها السعودية والكويت ودول اخرى في حملة عام .1991 يتوقع ادوارد ووكر، المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط والمدير الحالي لـ«معهد الشرق الاوسط»، ان تبادل المنافع والمساومات والتنازلات بغرض كسب تأييد الدول لحملة اطاحة صدام حسين لن تكون سهلة هذه المرة، فالثمن الذي قد تطلبه بعض الجهات، حسبما يعتقد ووكر، سيكون باهظا خصوصا من جانب الدول التي عارضت غزو العراق بقوة. واضاف ووكر ان بعض الجهات تحاول ان تستعرض معارضتها للغزو بالتركيز عليه بقوة مما يعني احتمال ارتفاع ثمن شراء تأييدها. وتبدي غالبية الدول استياء ازاء أي حديث حول احتمال شراء تأييدها، فهذه الدول تصر على ان ضرورة مثل هذه الصفقات تنبع من الحاجة الى تقليل النفقات الاقتصادية والمخاطر السياسية التي ربما تترتب على تعاون هذه الدول مع حملة اطاحة صدام حسين. المسؤولون الاتراك، على سبيل المثال، ابدوا استياء حادا في السابق عندما صرح مساعد للرئيس السابق بيل كلينتون في احدى القنوات التلفزيونية بأن الولايات المتحدة اشترت التعاون العسكري لتركيا بمرور الزمن بالضغط بشأن برنامج قروض من صندوق النقد الدولي. وعلق على هذا الحديث بولنت علي رضا، الخبير التركي والدبلوماسي السابق في «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» بواشنطن، قائلا انه عكس «صورة خاطئة» عن تركيا. فالموقع الاستراتيجي لتركيا وتعاونها المتكرر جعلاها اهم شريك عسكري للولايات المتحدة في المنطقة. وتتوقع تركيا ان تلقي عليها المشاركة في الحملة العسكرية المتوقعة ضد العراق عبئا كبيرا في وقت تحاول فيه الدولة معالجة مشاكل اقتصادية طاحنة. كما يشعر المسؤولون الاتراك بقلق ازاء احتمال ان تقود الحرب الى قيام دولة كردية مستقلة تهدد حدودها الشرقية. لذا، فإن لتركيا قائمة مطالب طويلة تشتمل على الحصول على اسلحة متطورة وتخفيف لديون تقدر بخمسة مليارات دولار للولايات المتحدة. كما اوضح مسؤولون اميركيون انها تطمح ايضا الى مساعدة الولايات المتحدة في التأكيد على استمرار تلقيها للائتمانات التي يقدمها صندوق النقد الدولي.

كما ضغط عدد من المسؤولين الاتراك على الولايات المتحدة كي لا تشن اية عمليات عسكرية في الصيف، وهو الامر الذي يمكن ان يضر بصناعة السياحة.

واضاف المسؤلون ان بلادهم خسرت اكثر من 40 مليار دولار عائدات بسبب التعاون مع الولايات المتحدة خلال حرب الخليج واستمرار عزلة العراق منذ ذلك الوقت.

وقد تدخلت تركيا، بضغط من الولايات المتحدة، لقيادة قوات حفظ السلام الدولية في افغانستان. واقر الكونغرس مبلغ 228 مليون دولار لتغطية نفقات تركيا.

ولم تخف روسيا الاهمية الاقتصادية للتعاون. فقد ابلغت المسؤولين الاميركيين انها تريد من اي حكومة جديدة في العراق الوفاء بديونها التي تصل الى 8 مليارات دولار. كما تريد موسكو ضمانات بان تسمح اي حكومة جديدة في العراق للشركات الروسية بالاحتفاظ بنصيبها الكبير في صناعة النفط العراقي والحصول على جزء من التنمية في العراق الجديد.

وفي الوقت الذي يصمم فيه المسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية على ان حكومتهم لن تقدم اية تعهدات، فإن الكسندر فيرشبو، السفير الاميركي لدى روسيا، ابلغ الصحافيين هذا الاسبوع ان استثمارات موسكو في العراق «ستكون محمية بطريقة افضل في ظل قيادة جديدة».

واشار الى ان روسيا لم تتلق «مليما واحدا» من ديونها حتى الان.

ويحتمل ان يكون المطلب الاخر هو صمت واشنطن بخصوص الخطة الروسية لاقامة محطة كهربائية تعمل بالطاقة النووية لحساب ايران. وبعد سنوات من الشكوى بأن المشروع يمثل تهديدا بزيادة الانتشار النووي، خفف البيت الابيض من لهجته.

وتجدر الاشارة الى ان اتفاق روسيا مع الولايات المتحدة يمكن ان يشمل قضية مهمة غير مالية: وهي احتمال تلميح واشنطن الى انها ستطلق يد الكرملين ضد الانفصاليين الشيشان، بما في ذلك اللاجئون في دولة جورجيا حليفة الولايات المتحدة.

ويبدو ان الرئيس السوفياتي فلاديمير بوتين يعد روسيا للتراجع عن رفض الكرملين للتدخل العسكري ضد العراق، عندما اعلن ان بلاده لديها الحق في مهاجمة القواعد الشيشانية في جورجيا في اطار جهودها في الحرب ضد الارهاب.

وفي فرنسا، نفى مسؤول حكومي ان بلاده ستسعى للتوصل الى اي اتفاقية مالية في اطار تسوية للانضمام للولايات المتحدة.

وقال «ان تركيزنا على العراق يعود الى نزع السلاح، وليس بسبب الوصول الى حقول النفط اذا كانت هناك حكومة جديدة في العراق». غير ان مسؤولا اميركيا لاحظ ان الفرنسيين اشتكوا مرارا من انه بعد حرب الخليج، لم تشرك الشركات الفرنسية في عملية اعادة البناء لحقول النفط الكويتية، بالرغم من التعهدات. وليس من الواضح ما اذا كانت الصين ستطلب من الولايات المتحدة حماية نشاطها الاقتصادي المحدود، ولكن المتنامي في العراق، او تقديم مساعدات اخرى. ومن غير المتوقع ان تؤيد الصين مباشرة الحملة الاميركية، ولكن السؤال هو مدى تأييدها او اعتراضها.

وربما ستضغط الصين مقابل عدم الاعتراض بشدة على العمليات الاميركية في بغداد، بتحقيق رضاها بخصوص اكبر اهتماماتها الدبلوماسية: تايوان. ومن المؤكد ان هذه القضية ستثار خلال لقاء الرئيس الصيني جيانغ زيمين مع الرئيس بوش في تكساس الشهر القادم. ولا تشعر الصين بالرضا بما تراه ميلا من ادارة بوش نحو تايوان.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»