« التقدم والاشتراكية» .. من المنجل والمطرقة إلى الكتاب والقلم

TT

يمكن القول ان انتقال حزب «التقدم والاشتراكية» من شعار المنجل والمطرقة الماركسي الى رمز القلم والكتاب هو تمثل واقعي ملموس للحالة المغربية لصيرورة الاحزاب الشيوعية في العالم أجمع بعد انهيار جدار برلين وتمزق الاتحاد السوفياتي.

وفي مؤتمر صحافي عقده الحزب امس بالرباط لتقديم برنامجه الحزبي الانتخابي، كان واضحا للمتتبعين الذي حضروا الى قاعة المؤتمرات في فندق حسان ان حزب التقدم والاشتراكية سليل الحزب الشيوعي المغربي، المؤسس في عهد الحماية الفرنسية على المغرب، قد احدث القطيعة المرجعية مع شعارات من قبيل «الثورة الوطنية الديمقراطية»، وديكتاتورية البروليتاريا، وتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين الفقراء ضد الاقطاع والبورجوازية المتعفنة. وتحول الحزب الذي يشارك في الحكومة الائتلافية الحالية من خلال الممارسة والتطور الطبيعي للايديولوجيا والمذهب السياسي والتنظيم الى حزب اشتراكي ديمقراطي يسعى الى الاصلاح عبر المؤسسات المنتخبة والبرلمان والحكومة دعما لمسلسل الانتقال الديمقراطي الذي يقوده عاهل البلاد الملك محمد السادس.

وكتب على يافطات زينت جنبات القاعة التي احتضنت جمهورا متواضعا اصغر من الحجم المفترض، شعار الحملة الانتخابية للحزب «حان وقت الاخلاق والجدية، جاء وقت العمل والمسؤولية»، وهو الشعار الذي اعاد ذكره الامين العام للحزب اسماعيل العلوي في خطابه. وباستثناء صورة للملك محمد السادس ولوحة الكترونية لموقع الحزب على شبكة الانترنت لوحظ غياب صور مؤسسي الحزب وبالاخص علي يعتة الذي ظل زعيما له اكثر من اربعة عقود الى ان توفي عام .1997 في الصفوف الامامية جلس اعضاء قياديون من الديوان السياسي من ضمنهم نبيل بنعبد الله، وخالد الناصري، ونزهة الصقلي، والطيب الشكيلي، وعمر الفاسي، والعياشي المسعودي،رئيس الفريق النيابي للحزب في مجلس النواب، ولم ينتبه بعض الحاضرين من الشباب لوجود اسم بارز في تاريخ الحركة السياسية اليسارية المغربية هو عبد الله العياشي الذي ربطته علاقات وثيقة بقياديين بارزين في العالم الشيوعي سابقا في الصين واوروبا الشرقية. في حين غاب رفيق دربه من المؤسسين الاوائل عبد السلام بورقية، الذي قليلا ما يغادر مقر سكناه بالدار البيضاء بسبب تقدمه في السن. ولن يفسر غياب سيمون ليفي الذي يقود تيار «لا زلنا على الطريق» ويلقى مواجهة من الديوان السياسي منذ مؤتمر الحزب الاخير الذي عقد قبل عام، سوى استمرار الخلاف بين الرافضين لنتائج وقرارات المؤتمر والمساندين لتوجه القيادة الحزبية.

ويقول اسماعيل العلوي زعيم الحزب ان الانتخابات لها دور كبير في «طي صفحة من التاريخ السياسي اتسمت بالشبهات، كما ستكون مناسبة لافراز اغلبية قوية ومنسجمة» والمسعى من ذلك حسب تعبير الامين العام هو «حكومة اكثر نجاعة من الحكومة التي عشناها في السنوات الاخيرة» وهي اشارة واضحة للصعوبات التي اعترضت عمل واوراش حكومة التناوب المشكلة في فترة كان البلد يعيش فيها تحت تهديد السكتة القلبية حسب ماوصفه الملك الراحل الحسن الثاني في احدى خطبه.

فمن الحزب الشيوعي المغربي الخارج من معطف نقابيين فرنسيين مقيمين بالمغرب في الاربعينيات، الى حزب التقدم والاشتراكية المنخرط قلبا وقالبا في مشروع التوافق والتراضي والتناوب وانقاذ البلد من السكتة القلبية. مرورا بحزب التحرر والاشتراكية اواخر الستينيات بعد ان كان محظورا طيلة سنوات، يستمر هذا التنظيم الحزبي العريق في جبة جديدة وباسلوب مغاير للماضي الذي دفن حين قطع حبل الصرة مع «الاشتراكية العلمية» وما أتت به من مفاهيم في الفكر والمجتمع والاقتصاد ونظام الحكم.

ولم تستمر الانفاس الاخيرة للاشتراكية العلمية سوى في ادبيات ومواقف وتحاليل فصيل «النهج الديمقراطي» الذي يعتبر استمرارا لحركة «الى الامام» المنشقة عن حزب التحرر والاشتراكية بمبادرة من شباب ساخطين على الحزب.

ولعل اكبر مشكلة ستواجه الحزب في انتخابات 27 سبتمبر (ايلول) هي مستوى الامية في اوساط الناخبين التي تصل الى 46 في المائة، فالحزب يقدم رمز القلم والكتاب، وكأنه يقول اقرأ، اكتب... لكن من سيقرأ او يكتب وسط الجماهير الغفيرة من الاميين في المدن والقرى.