لقاء «قرنة شهوان» يواجه أزمة وجود ومعتدلوه يسعون لإصلاح ما أفسده متطرفوه

TT

لن يطول الوقت كثيراً بـ«لقاء قرنة شهوان» الذي يضم عددا من المعارضين السياسيين المسيحيين، ليجد نفسه بمواجهة ازمة وجود. والبعض من اهل السياسة اللبنانية يقول ان «اللقاء» بدأ يواجه هذه الازمة فعلياً، ازاء ما بدأ يشكله «اللقاء النيابي التشاوري» المسيحي من منافسة حادة له.

والواقع ان هذا اللقاء، بدأ سياسة التراجع فعلياً اثر مشاركته في المؤتمر الماروني العالمي الذي انعقد قبل نحو شهرين في مدينة لوس انجليس بالولايات المتحدة الاميركية وخرج بقرارات وتوصيات ضد النظام اللبناني وضد سورية والعلاقة اللبنانية ـ السورية، اذ ظهر اللقاء من خلال هذه القرارات والتوصيات كأنه ضمن «اللوبي» اللبناني العامل في الولايات المتحدة على التحريض ضد لبنان وسورية والعلاقة التي تربط بينهما. وبدا انه يتخندق في الخندق المعارض للدور السوري في لبنان. وقد ترجم «اللقاء» موقفه هذا ايضاً ترجمة اضافية في مهرجان انطلياس الشهير في ذكرى 7 اغسطس (آب).

ويقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» ان لقاء «القرنة» انتهج التطرف وراهن عليه منذ تشكيله في وقت تحتاج الحياة السياسية اللبنانية الى انتهاج الاعتدال سبيلاً في التعاطي مع قضايا المرحلة.

على ان ما ادى الى تراجع «لقاء القرنة» سياسياً وبدء نجمه بالميل نحو الافول، كان قيام «اللقاء اللبناني التشاوري» الذي جمع اكثر من 40 نائباً من كل الطوائف المسيحية على عكس تركيبة الاول التي تتكون من نواب وسياسيين موارنة فقط يلتقون في غالبيتهم على معارضة الدور السوري والتي يخفيها بعضهم بالدعوة الى ما يسميه «اعادة تصحيح» العلاقة اللبنانية ـ السورية، وان كانت هناك قلة بينهم تبدي اعتدالاً في لهجتها عند الحديث عن سورية ودورها وعلاقتها بلبنان.

وازاء اندفاع «اللقاء التشاوري» في اتجاه الساحة المسيحية بغية تحقيق مزيد من الكسب السياسي فيها وجد «لقاء القرنة» نفسه امام منافسة حادة معه في هذا المجال، فما كان عليه الا سلوك احد الامرين:

اولاً: الاستمرار في سياسة الانفتاح على رئاسة الجمهورية وعلى القوى السياسية، اي انتهاج الاعتدال والحوار في التعاطي مع الآخرين التي كان بدأها بزيارته الاخيرة لرئيس الجمهورية اميل لحود والتي نادى بعدها بحوار وطني يرعاه رئيس الجمهورية.

ثانياً: العودة الى سياسة التطرف، اعتقاداً منه بأن التطرف هو السبيل الوحيد امامه لمواجهة «اللقاء التشاوري» في الشارع المسيحي.

وفي اعتقاد المصدر النيابي نفسه ان «اللقاء» اعتمد الخيار الثاني، وان ما ادى به الى الوضع الذي يعيشه اليوم كان الآتي:

اولاً: اعتماد بعض اطراف «اللقاء» سياسة التطرف سبيلاً للتعاطي مع القضايا المطروحة، مما جره الى مواقف استفزاز وتحد في التعاطي مع الانتخابات الفرعية التي جرت في دائرة المتن الشمالي بجبل لبنان لملء المقعد النيابي الارثوذكسي الذي شغر بوفاة النائب البير مخيبر. وقد اطاح هذا التطرف كل المبادرات الايجابية التي جرت لاعلان نتائج هذه الانتخابات وركزت على حماية الحريات وصونها.

واضاف المصدر ان سياسة التطرف استمرت ووصلت الى مؤتمر لوس انجليس ومن ثم في مهرجان انطلياس، وصولاً الى قضية تعطيل واقفال تلفزيون «إم.تي.في» التي رد عليها لقاء «القرنة» باعتبار الحوار الوطني الذي بدأ الرئيس لحود رعايته لدى استقباله اركان «اللقاء» في قصر الرئاسة، «عديم الجدوى» او «لا جدوى منه»، الامر الذي ادى الى نفور كثير من القوى السياسية من اللقاء وابتعادها عنه، بدليل اللقاء الذي انعقد، بعد جهد جهيد، امس بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبدليل ايضاً ما حصل قبل اجتماعه الاخير مع «ندوة العمل الوطني» برئاسة الرئيس السابق للحكومة سليم الحص، اذ اشترط الاخير ان لا يكون في عداد الوفد الآتي للاجتماع مع «الندوة» الرئيس السابق للجمهورية امين الجميل والنائب نسيب لحود وآخرون.

ويضيف المصدر، ان «لقاء القرنة» بدأ يشعر بعزلة سياسية، خصوصاً بعدما اكتشف ان البطريرك الماروني نصر الله صفير لا يمكنه ان يؤمن له التغطية التي يريد، وانه بدأ يقترب في خياراته من رئيس الجمهورية. وقد انزعج كثيراً من اعلان «القرنة» «عدم جدوى» الحوار مع الرئيس.

وثمة من قال ان «لقاء القرنة» وجد نفسه متأخراً نهباً لمصالح سياسية لبعض اركان ولأقطاب سياسية مسيحية معارضة اخرى تستغله خدمة لهذه المصالح، فالرئيس الجميل يريد من اللقاء ان يدعم مساعيه لـ«استعادة» حزب «الكتائب» من قيادة كريم بقرادوني، والعماد ميشال عون الذي لا يبدو انه راغب بالعودة الى لبنان، يريد من اللقاء ان يكون عنصراً داعماً لتياره لكي ينمو ويتوسع اكثر داخل الشارع المسيحي، مراهنا على تطورات اقليمية ودولية تؤمن له «عودة الفاتحين». ولكن ما حصل معه خلال زيارته الحالية للولايات المتحدة الاميركية اظهر عكس ذلك واظهر ان رهانه على محاسبة اميركية لسورية لم يكن في محله بدليل تأجيل جلسة الكونغرس للنظر في مشروع قانون محاسبة سورية الذي يبدو ان بعض اللبنانيين من اركان «لقاء قرنة شهوان» وغيره شاركوا في اعداده. وهذا ما لمح اليه اخيراً رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري عندما تحدث عن تورط «عناصر لبنانية» في هذا الصدد.

اما النائب نسيب لحود وغيره من اعضاء «اللقاء» الطامحين لتولي رئاسة الجمهورية، فانهم يريدون منه منبراً سياسياً واعلامياً يدعم ترشيحاتهم، وبالتالي تصفية حسابات سياسية مع خصومهم السياسيين على الساحة المسيحية وكذلك مع منافسيهم على رئاسة الجمهورية في الساحة نفسها، علماً بأن بعض هؤلاء يقف في موقع الوسط بين اللقاء والقوى الاخرى خارجه، مراهناً على ان يكون مرشح تسوية يوم يحين اوان الاستحقاق الرئاسي.

على ان قلة قليلة من اركان اللقاء تدرك ان التطرف في المواقف لا يفيد في بلد مثل لبنان. وهذه القلة هي التي تسعى حالياً لانقاذ «القرنة» من السقوط، لكن كل الدلائل تشير حتى الآن الى انها لن تستطيع اصلاح ما افسده المتطرفون.