واشنطن تصعد مطاردة عناصر «القاعدة» في اليمن بعد القبض على بن الشيبة وخلية نيويورك

TT

قال مسؤول في إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان الولايات المتحدة صعدت من عمليات بحثها عن عناصر تنظيم «القاعدة» في اليمن الذي أصبح يحتل موقعا متقدما في الحرب ضد الإرهاب.

واضاف المسؤول ان التركيز المكثف يتجاوز جهود التعاون التي تمت في الأشهر الأخيرة بين الولايات المتحدة واليمن حيث تم تزويد الأخيرة بمدربين من القوات الخاصة الأميركية إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية. وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية في هذا الصدد «أصبح اليمن يشكل منطقة اهتمام متزايد بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها».

ويعكس اعتقال تسعة يمنيين في باكستان خلال الأيام الأخيرة الجهود المكثفة والسرية التي بذلتها قوات الجيش والأمن والاستخبارات الأميركية للتحرك ما وراء أفغانستان سعيا لتعقب العناصر التي يشتبه في علاقتها بالارهاب. وكانت حصيلة تلك الجهود اعتقال رمزي بن الشيبة الذي يشتبه في انه احد المخططين الرئيسيين لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، إضافة إلى اعتقال خمسة أعضاء من خلية تابعة لـ«القاعدة» في نيويورك. وتضم تلك الخلية ثمانية أميركيين من أصل يمني.

وكانت السلطات اليمنية قد اكتشفت الشهر الماضي في العاصمة صنعاء مخبأ لمتفجرات يبلغ وزنها نحو 300 كيلوغرام وكانت موضوعة في أقفاص تعلوها حبات الرمان. وجاء اكتشاف هذه الشحنة من المتفجرات بعد وقوع انفجار عرضي تسبب في مقتل عضوين مفترضين من «القاعدة».

وظلت الولايات المتحدة مصممة على تعقب العديد من عناصر «القاعدة» الكبار الذين وجدوا ملاذا آمنا في المناطق القبلية البعيدة داخل اليمن. ومن ضمن المطلوبين، أبو علي الحارثي الذي يعتقد انه مدبر الهجوم على المدمرة الاميركية كول في اكتوبر (تشرين الاول) .2000 كما ان المحققين الاميركيين يشتبهون في ان بن الشيبة ساهم كذلك في الهجوم على كول. وكان بن الشيبة قد وجد مع أعضاء آخرين من «القاعدة» حماية في مناطق باليمن تقع تحت نفوذ زعماء القبائل. وسبق أن جرت معركة في ديسمبر (كانون الاول) الماضي حين حاولت قوات خاصة تابعة للحكومة اليمنية القبض عليهم، لكنها انتهت بطريقة كارثية حينما قُتل ثلاثة عشر جنديا وتمكن عناصر «القاعدة» المحتملون من الهروب. وجاءت محاولة الحكومة اليمنية لمواجهة أعضاء «القاعدة» بناء على طلب إدارة بوش التي ظلت تضغط عليها كي تكون أكثر حزما.

وكان أحد المعتقلين في أفغانستان ويشتبه في انتمائه إلى «القاعدة» قد كشف للمحققين الأميركيين أسماء أعضاء الخلايا التابعة لـ«القاعدة» في اليمن الذين ظلوا يكدسون كميات من المتفجرات البلاستيكية.

واوضح مسؤولون أميركيون أن واحداً من الخلية التي اعتقلت في نيويورك كان متعاوناً وكشف هو الآخر عن معلومات حول أنشطة متواطئين آخرين.

وكان مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف. بي. آي) قد سلط الضوء على اهمية اليمن كملاذ آمن لـ«القاعدة» في فبراير (شباط) الماضي. وقدم المكتب تفاصيل دقيقة ومرفقة بصور لـ17 شخصا يشتبه في انتمائهم لـ«القاعدة». وحسب تقرير لمكتب المباحث، فإن هؤلاء قد يخططون لشن اعتداء ضد مصالح أميركية في اليمن. ومن بين هؤلاء الـ17 هناك 13 يمنياً.

ولا يستبعد المسؤولون الأميركيون احتمال أن يكون أسامة بن لادن نفسه مختبئا في اليمن. وقال مسؤول أميركي كبير في هذا الصدد «إنه مكان شديد الاضطراب. ومن المنطقي ان يفكر (بن لادن) في التوجه اليه اضافة إلى باكستان». لكن هذا المسؤول قال إن اليمن لم يعد مكاناً مناسباً للارهابيين خصوصا مع تزايد الحضور الأمني والعسكري الأميركي هناك.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد ارسلت بعد أشهر على هجمات 11 سبتمبر، وحدات من القوات العسكرية الخاصة لتدريب القوات اليمنية على محاربة الإرهاب. وفي الوقت نفسه صعد البنتاغون ومكتب المباحث ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) اتصالاتهم مع القوات الامنية والاستخباراتية اليمنية، إذ قامت تلك المؤسسات الأميركية بإرسال فرق من المختصين في العمل الاستخباراتي إلى صنعاء بهدف إنشاء رقابة أكثر فعالية وتكوين علاقات شخصية مباشرة. ويأمل الأميركيون ان تبدأ هذه النشاطات بإعطاء نتائج إيجابية خلال الأشهر والسنوات اللاحقة.

وظل اليمن هادئا نسبيا مع تصاعد عمليات محاربة الإرهاب في أفغانستان وباكستان وجنوب آسيا، لكن بعض المسؤولين الأميركيين ظلوا يعتبرونه مسرحا ممكنا لعمليات الناشطين الراغبين في زعزعة الأوضاع في السعودية.

وكانت الحكومة الأميركية على علم بأهمية اليمن كموقع آمن ونقطة عبور لتنظيم «القاعدة» وتنظيمات إرهابية أخرى، إذ ظل المسؤولون العسكريون الاميركيون لعدة سنوات يبحثون تعزيز العلاقات الاستخباراتية والعسكرية مع اليمن. وقد نجم هذا الموقف اثر تصاعد المخاوف من أن يصبح اليمن ملاذا للإرهابيين المعادين للسعودية والولايات المتحدة. وفي عام 1998 بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ برنامج لإزالة الألغام الأرضية. واستثمرت القوات الخاصة الأميركية تلك المناسبة لجمع معلومات عن المناطق التي تبعث على القلق، حسبما افاد مسؤولون في البنتاغون.

لكن دبلوماسيي وزارة الخارجية الأميركية ألغوا المخططات الهادفة لتعاون أكبر مع اليمن، إذ كانوا قلقين مما سيتركه تصعيد الوجود العسكري والاستخباراتي الأميركي من تزايد السخط بين مراكز القوى المعادية للولايات المتحدة، مما يؤثر في نهاية المطاف على خطوات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الهادفة إلى تفعيل الانفتاح والليبرالية في المجتمع اليمني.

وجاء الهجوم على المدمرة الأميركية «كول» كي يدفع الحكومة الأميركية إلى إنهاء التعاون العسكري وغيره مع اليمن. فمكتب المباحث الفيدرالي الذي لعب دورا قياديا في عمليات التحقيق حول ذلك الهجوم وجد نفسه في وضع جد عسير للعمل على الأرض، والمسؤولون اليمنيون من جانبهم لم يقدموا سوى مساعدة ضئيلة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»