أميركا تستخدم «ورقة النفط العراقي» في سعيها لحشد التأييد لحملة إطاحة الرئيس العراقي

معارضون عراقيون يحذرون الروس والفرنسيين من احتمال تضرر نصيبهم من الاستثمارات في مرحلة ما بعد صدام

TT

يقول مسؤولون في صناعة النفط وممثلو المعارضة العراقية، ان ازاحة صدام حسين عن طريق مجهود تقوده الولايات المتحدة، سيكون فرصة ذهبية بالنسبة لشركات النفط الأميركية التي طردت من العراق قبل فترة طويلة، اذ تستطيع هذه الشركات افساد وايقاف كل الصفقات التي ابرمتها بغداد مع روسيا وفرنسا وغيرهما من الدول، كما تستطيع تغيير طبيعة اسواق النفط العالمية. ومع ان كبار المسؤولين في ادارة الرئيس جورج بوش يقولون انهم لم ينظروا بعد في قضايا النفط العراقي، الا ان شركات النفط الاميركية والاجنبية بدأت تتزاحم لنيل نصيبها من الاحتياطات النفطية العراقية الهائلة التي تبلغ 112 مليار برميل وهي اكبر احتياطيات في العالم بعد السعودية. ان اهمية النفط العراقي جعلته اهم ورقة في يد الولايات المتحدة وهي تسعى لنيل تأييد الدول الاعضاء في مجلس الأمن الدولي ونيل تأييد الدول الغربية لدعوة الرئيس بوش تنفيذ عمل دولي عنيف ضد صدام حسين. ولكل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ـ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ـ شركات نفط عالمية يمكن ان تكسب او تخسر كثيرا من جراء تغيير القيادة في بغداد. وقال جيمس وولزي، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه) والذي كان من ضمن الداعين الى ازاحة صدام عن السلطة بالقوة «المسألة واضحة تماما. فرنسا وروسيا لديهما شركات نفط عاملة بالعراق ولهما مصالح في العراق. ويجب ان يقال لهما انهما لو ساعدتا على جلب حكومة صالحة في العراق فاننا سنبذل قصارى جهدنا لاقناع الحكومة الجديدة والشركات الاميركية لتتعاون معهم تعاونا وثيقا. اما اذا انحازتا الى صدام، فانه سيكون في حكم المستحيل اقناع الحكومة الجديدة بالتعاون معهما».

والحقيقة ان مجرد التفكير في قيام حكومة عراقية جديدة، ضاعف مخاوف شركات النفط غير الأميركية، من ان الولايات المتحدة ستبعدها عن الساحة، لان من المؤكد ان الولايات المتحدة ستكون القوة المهيمنة في العراق بعد اسقاط صدام حسين. وعقد ممثلو عدة شركات اجنبية اجتماعات مع قادة المعارضة العراقية للدفاع عن انصبتهم في العهد الجديد المرتقب ولمعرفة نوايا هؤلاء القادة مسبقا.

ومنذ نهاية حرب الخليج عام 1991، حاولت شركات من اكثر من 12 بلدا، من بينها فرنسا وروسيا والصين والهند وايطاليا وفيتنام والجزائر، ابرام صفقات مبدئية لتطوير الآبار العراقية او تجديد المنشآت القائمة وترميمها، او التنقيب عن كميات اخرى من النفط غير المستخرج. وقد نجحت بعض هذه الشركات بالفعل في ابرام صفقات هامة. وما تزال بعض هذه الصفقات معلقة حتى رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق. ولكن زعماء المعارضة العراقية قالوا في مقابلات اجريت معهم الاسبوع الماضي انهم غير ملزمين بأي من هذه الصفقات. وقال فيصل القره غولي، مهندس النفط ومدير مكتب المؤتمر الوطني العراقي في لندن: «سنراجع كل هذه الاتفاقات بكل تأكيد. وستحدد سياساتنا النفطية حكومة عراقية منتخبة بواسطة الشعب». وذهب احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، ابعد من ذلك حين قال انه يفضل تكوين كونسورتيوم بقيادة الولايات المتحدة لتطوير صناعة النفط العراقية التي تدهورت بعد اكثر من عقد من المقاطعة الدولية. وقال الجلبي: «ستندفع الشركات الاميركية بكل قواها نحو النفط العراقي».

ومع ان حملة ادارة بوش ضد صدام تحمل وعودا هائلة لشركات النفط الكبرى، الا انها تنطوي في نفس الوقت على مخاطر جمة بالنسبة لأسواق النفط العالمية، حسب توقعات المحللين. فنصيب الشركات من النفط العراقي وارباحها منه تعتمد بصورة اساسية على طبيعة الحكومة الجديدة ونياتها. ومن هذه الزاوية فان قرار العراق الاحتفاظ بعضويته في منظمة الاوبك، او الانسحاب منها للعب دور مستقل لا يتقيد بالحصص الانتاجية التي تحددها هذه المنظمة، سيؤثر مباشرة على اسعار النفط وعلى تدفق الاستثمارات على المنافسين مثل روسيا وفنزويلا وانغولا.

وعلى سبيل المثال فان الشركات الروسية مثل لوك ـ اويل، لها مصالح ضخمة في تطوير حقول النفط العراقية، ولكن الاسعار المتدنية التي تنتج عن اغراق الاسواق بالنفط العراقي الفائض، يمكن ان تعرقل جهود الحكومة الروسية لجذب الشركات الاجنبية للاستثمار في المناطق الروسية التي لم يستخرج نفطها بعد. وذلك لأن اسعار النفط المتدنية يمكن ان تجعل الاستثمار في حقول سيبيريا الوعرة امرا خاليا من الاغراء.

الجدير بالذكر ان الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني عملا معا في مجال النفط ولهما صلات وثيقة وطويلة بهذه الصناعة. ولكن رغم كل هذا الضجيج حول مستقبل نفط العراق وسط شركات النفط، الا ان الادارة، المشغولة حتى الآن بقضايا التخطيط العسكري، واقناع الآخرين بالخطر الذي ينطوي عليه وجود صدام، لم تتفرغ بعد لاتخاذ القرارات المناسبة حول هذه القضية حسب تصريحات المسؤولين الأميركيين. وليس مطروحا امام «مجموعة مستقبل العراق» التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، موضوع النفط كما صرح بذلك احد المسؤولين بالوزارة الاسبوع الماضي. ورفض مسؤول بمجلس الأمن القومي الاجابة على سؤال حول ما اذا كان موضوع النفط العراقي قد نوقش في الاجتماعات التشاورية التي عقدها الرئيس بوش مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع زعماء غربيين خلال الاسابيع القليلة الماضية. وكان وفد من وزارة الخارجية الأميركية قد ختم الجمعة الماضي زيارة الى موسكو استمرت ثلاثة ايام، ناقش اثناءها قضايا تتعلق بالعراق. وسيعقد في بداية أكتوبر (تشرين الأول) مؤتمر قمة حول الطاقة بمدينة هيوستون الأميركية، من المتوقع ان يشارك فيه ممثلو اكثر من مائة من شركات النفط الروسية والأميركية.

وقال النائب الجمهوري، كورت ويلدون، من و لاية بنسلفانيا، ان الرئيس بوش حريص على المصالح الروسية في العراق، والمتمثلة في ديون بلغت 7 الى 8 مليارات دولار ترجع الى ما قبل حرب الخليج. واضاف ويلدون، الذي اقام علاقات وثيقة مع الرئيس بوتين وكثير من النواب الروس، ان الرئيس الروسي يمكن ان يؤيد الفعل الأميركي ضد العراق اذا وجد تأكيدات من الرئيس بوش بأن روسيا «ستنال حقوقها كاملة» من الناحية المالية. وصرح مسؤولون من المؤتمر الوطني العراقي ان مسؤول مكتب المؤتمر بواشنطن، انتفاض قنبر، زار السفارة الروسية في العاصمة الأميركية الشهر الماضي وحث المسؤولين الروس على فتح حوار مع معارضي الحكومة العراقية. ولكن مع كل هذه الخطوات والاجراءات التمهيدية، فان فرص الانتقال السهل في صناعة النفط العراقية تبدو مسألة بالغة الصعوبة. وقد بدأت المجموعات الاثنية المتنافرة والمتناحرة، من عرب واكراد وتركمان، في شمال العراق ، تتنافس منذ الآن على حقل نفط كركوك الضخم، لأن كل قومية تفكر في امتلاكه بعد سقوط صدام.

وفي بداية هذا العام كانت الولايات المتحدة تستورد مليون برميل من النفط العراقي يوميا، ولكن هذه الكميات انخفضت حاليا. ومع ذلك فان الشركات الأميركية ابعدت من أي تعامل مباشر مع النفط العراقي منذ أواخر الثمانينات عندما تدهورت العلاقات بين واشنطن وبغداد. وقال ممثلو العديد من الشركات انهم حريصون جدا ألا يلعبوا أي دور في الحوار الدائر حاليا في واشنطن حول طريقة التعامل مع العراق. وقال جيمس لوسيير، المحلل النفطي، بشركة برودينشيال سكيوريتيز: «ليس من مصلحة شركات النفط الاميركية ان تتخذ خطا هجوميا في هذه الظروف، فهي تملك كل الوقت لتفعل ذلك في المستقبل».

ولكن مع رفع العقوبات، وهو امر مرجح بعد سقوط صدام، فان شركات مثل اكسون موبيل وشيفرون تكساكو ستلعب دورا كبيرا حسب تقديرات المسؤولين. وصرح احد المحللين: «لا توجد شركة نفط واحدة ليست لها رغبة في العمل بالعراق».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»