قصة طالب إندونيسي تعكس معاناة 10 آلاف من 26 بلدا ينتظرون التأشيرة الأميركية لمواصلة دراستهم

TT

استغرق عبد المالك سبع سنوات في التحضير لرسالة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي بجامعة نيوسكول في نيويورك. ويستعد الطالب الاندونيسي حاليا للخطوة الاخيرة المتمثلة في مناقشة اطروحته نهاية هذا الشهر. وقد وافق الاستاذ المشرف عليه على الحضور من باريس، لكن عبد المالك يخشى من عدم تمكنه هو من الحضور. ومع انه ظل طوال العقد المنصرم مسموحا له بالدراسة في الولايات المتحدة، فانه عندما قدم طلبا للتأشيرة في 30 يونيو (حزيران) الماضي، طلب منه ان يأتي فيما بعد، ولا يزال ينتظر إلى الآن بعد مرور ثلاثة اشهر على ذلك التاريخ. وقد تلقت زوجته الاندونيسية تأشيرتها في يونيو وسافرت الى نيويورك بدونه.

وعبد المالك هو واحد فقط من ضمن 10 آلاف رجل ينتمون الى 26 بلداً مسلماً يعانون من تأخير منحهم تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة لمدة شهرين او اكثر، نتيجة تشديد اجراءات منح التأشيرة الاميركية في اعقاب احداث 11 سبتمبر (ايلول) .2001 وهذا يؤدي بالطبع الى تأخير اعمالهم من دراسة او عمل او سياحة.

وهناك 52 مراجعا قررت شركة «ايرنست اند يونغ» ارسالهم الى الولايات المتحدة للتدرب على ضبط عمليات غسيل الاموال، وهي مسألة حيوية في الحرب ضد الارهاب. ولم يتسلم هؤلاء تأشيراتهم في الموعد المحدد. وهناك فرقة الرقص السورية من دمشق، باعضائها الـ 12، والتي لن تتمكن من الاشتراك في مهرجان عالمي للرقص والموسيقى يقام هذا الشهر، بسبب عدم حصول اعضائها على تأشيرات الدخول. ولن يشترك كذلك 30 من الموسيقيين الاندونيسيين من عازفي آلة الغاملان التقليدية.

وهؤلاء الرجال الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و45 عاماً ينتمون الى دول مسلمة مثل اندونيسيا وماليزيا ومصر وتركيا والصومال واريتريا. وقد قررت واشنطن ان هذه البلدان كلها يمكن ان تكون مصادر لمخاطر ارهابية.

ولم يتأثر بهذه الاجراءات الطلاب العرب فقط، اذ لم يتسلم طلاب ماليزيون من اصل صيني تأشيراتهم في الوقت المناسب ليلحتقوا بدراساتهم هذا الخريف في جامعات هارفارد وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (ام. آي. تي). وتعتبر ماليزيا التي تعودت على ارسال عدد كبير من طلابها الى الولايات المتحدة، الاكثر معاناة من تأخير التأشيرات، اذ تعطل اكثر من 5000 من طلابها، على الرغم من ان بعض التأشيرات بدأت بالوصول. وينتظر في اندونيسيا 2500 شخص و800 في مصر، وذلك حسب الاحصائيات الاميركية نفسها.

وهذا الشلل البيروقراطي يمثل إحدى النتائج غير المقصودة للحرب ضد الارهاب. فمنذ يونيو الماضي ازداد عدد الوكالات التي تشارك في مراجعة التأشيرات، مما جعل العملية تستغرق وقتا طويلا وتزيد من عدد الطلبات غير المحسومة.

وقبل يونيو كان يمكن للسفارة الاميركية ان تمنح التأشيرة اذا كان طالبها مستوفيا للشروط واذا لم تعترض وزارة الخارجية خلال 30 يوما على طلبه. اما الآن فان مسؤولي السفارات يجب ان تصلهم موافقة مكتوبة من واشنطن على كل طلب على حدة. وتأثر بهذه الاجراءات كذلك اولئك الذين ولدوا في هذه الاقطار الـ 26 ولكنهم ليسوا من مواطنيها. ويشعر المسؤولون تلك الاميركيون بان تلك الاجراءات مبررة، على الرغم من انها تسبب لهم كثيرا من الضيق. فالكثيرون من منفذي هجمات 11 سبتمبر دخلوا الى الولايات المتحدة بتأشيرات دراسة. ولكن الاجراءات الحالية ادخلت كثيرا من المشقة في حياة الدارسين بالولايات المتحدة كما سببت كثيرا من الارهاق للمسؤولين بالسفارات.

واضطر عبد المالك الذي يقيم مع بعض اقاربه في جاكرتا الى تأجيل حجزه عدة مرات. وبعد ان اجله للمرة الخامسة استسلم للأمر الواقع. وهو يزور موقع السفارة على الانترنت مراراً بحثا عن اعلانات جديدة حول التأشيرات. ولم تسفر زياراته الى السفارة عن تأشيرة او عن شرح للاسباب. وقال عبد المالك (42 سنة) «إنه امر محبط الى اقصى حد. انت تريد ان تخطط لبعض الاشياء ولكنك لا تستطيع. وانا عاجز تماما، وكل ما قالوه لي هو ان انتظر وان اراجعهم من وقت لآخر. ولذلك اضطر للمراجعة كل يوم آملا ان يكون هذا اليوم هو اليوم الموعود. كأنني وقعت في مصيدة الزمن».

وعبد المالك له بنتان موجودتان حاليا مع امهما في نيويورك. وهو يحظى بسمعة ممتازة وسط اساتذته في نيوسكول. وقال احد اساتذته، ان الولايات المتحدة اذا كانت راغبة في طالب ينشر قيم التسامح والصداقة العالمية واذا كانت تبحث عن شخص يجسد قيم الاسلام المعتدل، مثلما هو الحال بالنسبة لـ 220 مليون من الاندونيسيين، فان عبد المالك سيكون مرشحا مثاليا لاداء هذا الدور.

وقال ريتشارد بيرنشتاين، عميد شعبة العلوم السياسية «انها مأساة شخصية ومأساة سياسية. هذا طالب نحن نعرفه معرفة جيدة. واذا كانت اميركا جادة بالفعل في سياستها في محاربة الارهاب وكسب صداقة المعتدلين، فان هذا هو بالضبط نوع الطالب الذي يجب ان تدعوه لدخول الولايات المتحدة».

وفي جامعة بنسلفانيا الحكومية هناك 100 طالب اجنبي ما زالوا ينتظرون تأشيراتهم لمواصلة دراستهم التي بدأت في 27 اغسطس (آب) الماضي. وقالت باربارا بينيباكر، مساعدة العميد لشؤون الخريجين، ان هؤلاء الطلاب يمكنهم ان يسجلوا متأخرين، ولكن الكثيرين منهم يمكن ان يختاروا البداية في الفصل المقبل او يقوموا باجراءات بديلة.

وفي العاصمة الماليزية كوالالمبور، تظاهر الطلاب امام السفارة الاميركية، كما اختار بعضهم الذهاب الى نيوزيلندا واستراليا. وقد كتب بعضهم رسائل للصحف المحلية يحتجون فيها على الانتظار وعلى المعاملة التي قالوا انها تنطوي على التفرقة والتمييز. وقال دونالد ماكلاود، المدير التنفيذي للجنة الاميركية ـ الماليزية للتبادل التعليمي بكوالالمبور «خلال الاربعين عاما الماضية، كانت القضية الوحيدة الضاغطة فيما يتعلق بالطلاب الاجانب، هي ما اذا كانوا سيعودون الى بلدانهم عندما يفرغون من الدراسة ام لا. اما الآن فهناك قضايا امنية حقيقية. واذا لم تكن حكومتنا قد تعاملت مع مثل هذه القضية من قبل، فانك لا يمكن ان تأتي في اليوم التالي وتقول إنك حللت المشكلة».

ولكن من الممكن بالطبع السماح ببعض الاستثناءات. فاذا كان مسؤول السفارة يعرف مقدم الطلب شخصيا واذا كانت هناك مصلحة تتعلق بالسياسة الخارجية، فان القيود يمكن ان ترفع. ولذلك فان نجل السفير الماليزي حصل على تأشيرة لزيارة والده بالولايات المتحدة. إلا ان هذه الحالات تعتبر نادرة جدا.

ويقول المسؤولون الحكوميون الاميركيون انهم يتعاطفون مع معاناة الطلاب. وقد اصدرت السفارات الاميركية من جاكارتا الى جيبوتي اعلانات تطلب فيها من طالبي التأشيرات ان يقدموا طلباتهم مبكرا وان يتوقعوا فترة انتظار ربما تمتد شهرين او اكثر.

وصرح مسؤول بوزارة الخارجية ان هذه السياسة لا تستهدف الرجال بصفتهم كمسلمين. وقال ان المسلمين من اقطار كثيرة، في اوروبا مثلا، لا يخضعون لهذه الاجراءات. وقال المسؤول «هذه السياسة الجديدة تسبب بعض المضايقات لبعض الناس. ولكن اذا اردنا ان نكون جادين في تحسين امن الحدود، فان بعض الناس لا بد ان تصيبهم المضايقات». واوضح ان المسؤولين الاميركيين يحاولون تذليل العقبات، و«كما هي العادة في اداء الحكومة الاميركية فان أي عمل يتطلب تعاون اكثر من وكالة، ويستغرق بعض الوقت. ونحن نحاول قصارى جهدنا لتلافي القصور وحسم الحالات المتأخرة». وقال المسؤول ان حسم الحالات المتأخرة سيستغرق عدة اسابيع وليس عدة شهور.

*خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»