أثرياء بغداد يستأجرون بيوتا «آمنة» خارجها تحسبا للضربة الأميركية وآخرون يغادرون للخارج برشوة حرس الحدود أو الاستعانة بالمهربين

TT

أبدى الكثير من المواطنين في بغداد شكوكاً وعدم ثقة بما تطرحه الولايات المتحدة في ما يتعلق بعدم التعرض للمواطنين العاديين وللبنى التحتية، ولاسيما الكهرباء والماء ووسائل الاتصال والمواصلات. وقال أناس آثروا البقاء في بغداد، ان الحياة الهادئة الاعتيادية التي يمارسونها تخفي وراءها الكثير من القلق والخوف مما قد يسببه القصف.

ويمارس الناس حياتهم اليومية كالمعتاد وان كان أي مجلس في بغداد او سواها من المدن العراقية لا يخلو من الحديث عن حرب وشيكة، خلال شهور قليلة، وربما خلال أسابيع. ويكشف الهدوء الظاهري بعض البواطن، منها تزايد عدد المراجعين لدوائر السفر و خاصة من قبل ميسوري الحال، في الآونة الاخيرة، لمغادرة البلاد. الا ان هناك ظاهرة اخرى لافتة للنظر وهي ارتفاع إيجار البيوت والعقارات في الاقضية والنواحي البعيدة، وحتى في القرى.

ويتم استئجار هذه البيوت والعقارات من دون ان يستغلها المستأجرون و يتركونها شبه خالية من اجل اللجوء إليها او إرسال عوائلهم عند الطوارئ، حيث توجد بيوت كثيرة في الاقضية والنواحي شبه فارغة لكنها مستأجرة سلفا ولمدد غير محدودة، في حين رتب آخرون أمورهم للإقامة عند أقرباء لهم في الأماكن الآمنة، لكي لا يفاجأوا كما حدث سنة .1991 ويزيد حاليا إيجار البيت المتواضع في الاقضية والنواحي على إيجار مثيله في بغداد ويبلغ 100 ألف دينار او أكثر.

وحيث اعتاد سكان بغداد والمدن الاخرى على فرقعات القصف الجوي، في المرات السابقة، فان أكثر ما يثير القلق هذه المرة هو الحديث عن «حرب مدن» و«حرب شوارع»، مما قد يجعل جميع الاماكن مستهدفة، وتكون المدينة كلها ساحة حرب، وهذا ما يدفع الناس الى التفكير بـ«الأماكن الآمنة» للعوائل مع كثير من التخوف مما قد يحصل لبيوت الذين يتركونها خالية وغير آمنة عند بحثهم عن أماكن آمنة لأنفسهم وعوائلهم.

وحسب تعبير احد الأساتذة الجامعيين فان العراقيين الذين يتابعون «الحرب النفسية» لا يصدقون كثيرا ما تروجه وسائل الاعلام الغربية عن حرب تختلف هذه المرة عن المرات السابقة.

واذا كان الخروج من العراق يمثل مشكلة في حد ذاتها فان العثور على بلد مضيف يعد مشكلة اكبر بالنسبة لآلاف العراقيين بالمنفى الذين يلجأون في بعض الاحيان الى حلول ميؤوس منها على امل بدء حياة جديدة خارج وطنهم. واضيف اخيرا الى هموم هؤلاء العراقيين ما اشاعته السلطات العراقية، عقب خطاب الرئيس الاميركي جورج بوش الذي توعد فيه اخيرا بغداد، من انه ستتم مصادرة ممتلكات المواطنين الذين يغادرون بلادهم، حسب ما اكد عراقيون غادروا العراق في الفترة الاخيرة.

وتبدأ فصول المحنة عند المنافذ الحدودية العراقية حيث يمكن ان يمنع من مغادرة البلاد موظفون وعسكريون عاملون او متقاعدون او حتى مواطنون بسطاء، وفقا لمصادر متطابقة. وفي ضوء ذلك الوضع اصبح امرا مألوفا ان تتم رشوة الضابط المختص في المنفذ الحدودي بمبلغ قد يصل الى الف دولار (مليوني دينار) وهو ما يعد بمثابة ثروة حقيقية في العراق، واكد ذلك مواطن عراقي قال انه دفع هذا المبلغ اضافة الى 400 الف دينار عراقي (مائتي دولار) قيمة رسوم المغادرة.

ونادرا ما يلجأ العراقيون الذين يعلمون مسبقا ان اسماءهم موضوعة على لوائح الممنوعين من السفر، الى المراكز الحدودية ويتجهون بدلا من ذلك الى مدن صيفية كالموصل (شمال) بدعوى قضاء اجازة عائلية ثم يفرون من هناك الى تركيا، وعادة ما يتم ذلك بمساعدة المنظمات الانسانية العاملة في كردستان. ولا يحتاج العراقيون الذين يدخلون الى الاردن بطريقة مشروعة الى تأشيرة الا انهم بعد ستة اشهر من وصولهم يتوجب عليهم الحصول على بطاقة اقامة، لا تمنح عادة الا لمن لديهم عمل ثابت في البلاد، والا فانهم يواجهون خطر الترحيل، اما من ليس لديه اقارب في الخارج وفرصه في العمل محدودة فيتوجه في هذه الحالة الى المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في عمان للحصول على وضعية لاجئ، وتسلمه المفوضية في البداية بطاقة تثبت ان حالته تحت الدراسة.

واكد عراقيون ان طالبي اللجوء يتوجهون الى «كتاب عراقيين» مقيمين في الاردن من اجل تزويدهم مقابل مبلغ من المال بسيرة ذاتية مصطنعة تتيح لهم الحصول على وضع اللاجئ، غير ان مفوضية الامم المتحدة اكتشفت هذه الحيلة ولم تعد تتخذ قرارها بشأن تلك الحالات الا بناء على مقابلات شخصية. وينتظر من يتم قبول طلباتهم مجيء وفود من دول اوروبية ومن كندا او من استراليا لكي تختار من بين قوائم مفوضية الامم المتحدة عددا من اللاجئين لاستضافتهم.

اما عن هؤلاء الذين لا يحوزون بطاقة اقامة ولم يحصلوا على وضعية اللاجئ، فان خيارهم الوحيد هو الاختباء والعمل في السر الى ان يتمكنوا من جمع ثمانية الاف دولار من اجل دفعها للمهربين مقابل نقلهم بصورة غير شرعية الى السويد او تايلاند، بحسب المصادر نفسها. وبالنسبة للعراقيين الذين يفرون الى تركيا، فان المهربين ينقلونهم من هذا البلد الى اليونان حيث تقوم شبكة متخصصة بادخالهم بطريقة غير شرعية الى الدنمارك مقابل مبلغ يتجاوز 15 الف دولار للشخص الواحد. ولا تخلو هذه الحلول اليائسة من المخاطر كما ان المبلغ الذي يحصله المهربون لا يمكن استعادته مرة ثانية حتى اذا فشلت عملية التهريب في اخر لحظة. واوضح شاب عراقي ينتظر دوره للرحيل «يجب دفع المبلغ المطلوب مقدما الى المهرب الذي يعلمك بموعد الرحيل قبلها بساعتين فقط ويطلب منك عدم توديع احد خشية افتضاح العملية».