أحرضان لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات 27 سبتمبر صعبة لأنها انتخابات أصحاب المليارات

أمين عام «الوطنية الشعبية» يقول إنه يخشى التطرف ولا مشكلة له مع الإسلاميين.. والدولة تعرف تفاصيل الحملة الانتخابية

TT

وصف المحجوبي أحرضان، الامين العام للحركة الوطنية الشعبية (مشاركة في الحكومة) الانتخابات التشريعية الحالية بكونها «انتخابات أصحاب المليارات»، وقال إن مستعملي المال لشراء الأصوات أحق بالمعاقبة من بعض أعوان السلطة الذين تعرضوا لقرارات تأديبية.

وأكد أحرضان في حديث مع «الشرق الأوسط» أن حزبه وضع برامج مثل تلك التي وضعها الآخرون، ولكنه لا يؤمن بالبرامج، ما لم توضع على أساس دراسات واقعية معمقة، بالوسائل المتطورة المتوفرة حاليا. وفي ما يلي نص الحديث:

* مقارنة مع كل الانتخابات التي شاركتم فيها، كيف تنظرون الى الانتخابات الحالية؟ ـ أقل ما يمكن أن نصف به هذه الانتخابات هو أنها صعبة، وبالغة الصعوبة في البوادي. بل أقول إنها انتخابات أصحاب المليارات، وإقصاء صريح لمن سواهم. ولكننا مع ذلك نعول على نضج الناخبين المغاربة لتجاوز الإشكاليات التي يطرحها نمط الاقتراع الجديد.

* اتخذت وزارة الداخلية عدة إجراءات تأديبية في حق بعض أعوان السلطة ممن حادوا عن الحياد، ما تعليقكم على هذه القرارات؟

ـ نشكر وزارة الداخلية على ما قامت به في هذا الصدد، وهذه أول مرة نرى فيها أمورا مماثلة. ولكن فيما عدا ذلك فإنني أؤكد أن الأمور صارت أصعب. وهنا أتساءل ماذا فعلت وزارة الداخلية في حق مرشحين يقومون في واضحة النهار بتوزيع المال لإرشاء الناخبين. فهؤلاء أحق بالتدابير العقابية، أما أن نكتفي بمعاقبة بعض من أعوان السلطة، ونترك مستعملي المال يشترون الأصوات، فسنكون كمن يصب الماء في الرمل.

* هل رفعتم شكوى في الموضوع للجهات المسؤولة؟

ـ أعتقد أن الدولة تملك ما يكفي من الوسائل لمعرفة تفاصيل الحملة الانتخابية، وتعرف من يستعمل سلطة المال لإغراء الناخبين. نحن غارقون في حملتنا، ولا يمكننا أن نتركها للبحث عن هؤلاء، الذين نعرفهم، ويعرفهم غيرنا، لأنهم يقدمون المال، على رؤوس الأشهاد، لرؤساء البلديات ولبعض المسؤولين، بل منهم من يفتخر بذلك.

* ماذا يميز برامجكم أمام منافسيكم؟

ـ مجتمعنا يعيش الواقع، وأقول إن برامج الأحزاب كلها وليدة تفكير وتأمل. أما برامج الحركة الوطنية الشعبية فمستمدة من الواقع المعيش في بلادنا. وأنا أدعو إلى انطلاقة جديدة بأن نعتبر أنفسنا كما لو كنا حاصلين للتو على استقلال البلاد، ونبدأ بطرح نقاط القوة لدينا ونقاط الضعف، طرح محاسننا وعيوبنا. وعلى أساس ذلك يتم وضع برنامج وطني لاستئصال الداء. أما عن البرامج بمعناها المتداول، فنحن وضعنا برامج مثل تلك التي وضعها الآخرون، ولكنني لا أؤمن بالبرامج، ما لم توضع على أساس دراسات واقعية معمقة، بالوسائل المتطورة المتوفرة حاليا.

* بماذا تعدون الناخبين؟

ـ أنا لا أعد الناخبين، بل أعد بلادي وأعد نفسي، بأن أظل وفيا لأصالتي ووطنيتي، ولشعار الله الوطن الملك.

* هناك عدة إشكاليات تواجه المغرب، من أهمها البطالة، ما هي تصوراتكم لمواجهة هذه الإشكاليات؟

ـ يجب أن نحاول علاج الموضوع علاجا جذريا، بانطلاقة جديدة، تتأسس على دراسة واقعية معمقة، نستمد منها توجهاتنا وبرامجنا. لا يمكن أن نواجه هذه الإشكاليات بالكلام، فلا بد من الاستناد إلى الواقع المعيش.

فشبابنا لا يمكن أن يكون إلا عاطلا، نظرا لكساد سوق الشغل عندنا. ولكن إذا سألت الحكومة اليوم ستقول إنها نجحت في عملها، عن أي نجاح تتحدث هذه الحكومة، بعد أن باعت توزيع الماء والكهرباء، وباعت مواقف السيارات في المدن، حتى أزبال الحواضر باعوها، ولم يستثمروا المداخيل في مشاريع تنموية. ماذا بقي للبيع؟ أما بالنسبة للشباب فمن الذي اهتم به في واقع الأمر، وخاصة شباب البوادي؟

* أمام هذا الخطاب التشاؤمي، ألا ترون هناك منفذ أمل؟

ـ لم أكن متشائما في أي يوم من الأيام، أنا على يقين من قدرة الشعب المغربي في تحقيق المعجزات. وأضيف هنا التماسي من ملك البلاد أن يضع حدا لما نحن فيه. فعلينا أن نعود إلى الواقع المغربي، نغوص فيه، لدراسة مشاكلنا والبحث لها عن حلول ناجعة. وفي آخر تجمع خطابي وجدت نفسي محرجا أمام مجموعة من شباب البادية، ماذا أقول لهم؟ وماذا أعطيهم؟

* ماذا طلبوا منكم؟

ـ لم يطلبوا شيئا، وإنما كانوا يسألون، ماذا ستفعلون بنا؟

* وما كان جوابكم؟

ـ قلت لهم لنر ذلك بعد الاقتراع، فإذا حظينا بثقة الناخبين سنبذل قصارى جهودنا للعودة إلى واقع البلاد، لنستمد منه حلولا واقعية لمشاكلنا. يمكن للشاب المغربي أن يصبر، ولكن شرط أن نعطيه الأمل الواقعي، وهو ما يفتقده اليوم. لذلك يتسابق شبابنا للهجرة إلى الخارج، ولولا عوائق التأشيرة لهرب شبابنا جميعا. وهذه هي الفضيحة «الكحلة» (السوداء). وتيار الهجرة لا يجرف الشباب الضائع فقط، ولكنه يشمل كذلك خيرة العقول النيرة. ففي المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا يوجد اليوم أكثر من 500 من الباحثين المغاربة. وهناك عقول مغربية هاجرت إلى دول أوروبية أخرى، وإلى كندا. فهل نقبل أن نبقى من دون عقول؟ فالمغرب مطالب باستعادة عقوله المهاجرة، القادرة على دفعه إلى الأمام. ولكننا ملزمون قبل ذلك بأن نفتح لهم المجال. وهذا هو البرنامج الحقيقي لنماء المغرب وازدهاره. وكذلك الشأن بالنسبة للرساميل المهاجرة، والتي يجب أن تتوفر لها أجواء الثقة كي تعود إلى البلاد لخلق مناصب الشغل للعاطلين، أما أن تهاجر العقول والرساميل، فماذا سيبقى لنا؟

السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو كيف سنكون غدا؟ هل نملك الشجاعة لوضع حد لهذا الانحدار؟ أم سننزل إلى قعر البئر. وهنا أتذكر أن الفقيه بلعربي العلوي، رحمه الله، قال لي يوما «لكي نطلع إلى السطح لا بد أن نبلغ القاع أولا، فلا يمكن للساقط في بئر أن يشرع في الصعود قبل إدراك القعر». وأنا اليوم أتساءل هل بلغنا القعر أم لا؟

* وهل وصلت إلى جواب؟

ـ أين هو الجواب؟

*ألا تعرف بعد ما إذا كنتم قد وصلتم القعر؟

ـ يوم نصل اليه سنبدأ الصعود إلى السطح. وحينئذ سنضع برنامج الصعود، ونجد الحبل الذي يعيننا على ذلك. أما اليوم فرجاؤنا الوحيد هو في عاهل البلاد الملك محمد السادس، ضامن استقرار المغرب.

* لماذا اخترتم السنبلة رمزا انتخابيا لحركتكم؟

ـ السنبلة رمز الحياة، والمجتمع الفلاحي يضع أمله في السنبلة.

* الفعاليات الأمازيغية تقاطع الانتخابات الحالية، احتجاجا على عدم دسترة الأمازيغية، فيما أنتم تشاركون فيها، فهل هذا خلاف مع هذه الفعاليات؟

ـ أنا أمازيغي، ولكن عندي هيئة سياسية، لذلك أنا ملزم بالمشاركة. والأمازيغيون المقاطعون لهم الحق في ذلك، تأكيدا لموقفهم. وإلا فنحن وهم متفقون على ضرورة دسترة الأمازيغية، كما تنص على ذلك القوانين الأساسية لـ«الحركة الوطنية الشعبية». ومن ثم ليس هناك خلاف، فنحن نخوض معركة واحدة، إنما من مواقع مختلفة.

* تأسيس المعهد الملكي للأمازيغية أثار عدة خلافات بين نشطاء الحركة الأمازيغية، خصوصا حول اختيار أعضاء المعهد، ما موقفكم من هذه الخلافات؟

ـ المهم بالنسبة لنا هو أن المعهد الملكي للأمازيغية خرج إلى حيز الوجود، وأخذ طريقه. وفيما عدا ذلك فنحن، مثل غيرنا، نتفق ونختلف، وهي أمور عادية وطبيعية. ما يهمني هو وجود هذا المعهد الذي نتوقع أن يعطي نتائجه المرجوة.

* بغض النظر عن أعضائه؟

ـ في التشكيلة الحالية للمعهد يوجد أناس محترمون، وكل من يستطيع القيام بعمل جدي هو، لا شك، شخص محترم.

* يختلف الأمازيغيون حول الحرف المفضل لكتابة الأمازيغية. هل يكون الحرف العربي أم الحرف اللاتيني أم حرف «تيفيناغ»، ما موقفكم؟

ـ كل لغة من لغات الأرض لها حروفها الخاصة التي تميزها، وكذلك «تمازيغت» (الأمازيغية) لها حروفها الخاصة، رغم أنها قديمة، وهي «تيفيناغ». ففي مجال محاربة الأمية مثلا، يكفي أن نعلم الراعي حروف «تيفيناغ» ليتجاوز آفة الأمية، ويصبح أكثر تحكما في ثقافته الشعبية المتوارثة.

* قبيل هذه الانتخابات جددتم الاتصال بزعيمي «العدالة والتنمية» و«الحركة الشعبية»، فهل تم ذلك من أجل التنسيق للانتخابات؟

ـ لم يكن مسعانا هذا محصورا في موضوع الانتخابات، وإن كنا في «الحركة الوطنية الشعبية» قد فضلنا مساندة محند العنصر أمين عام «الحركة الشعبية» في دائرته الانتخابية حيث لم نرشح أحدا. لقد سعينا ونسعى لغاية أكبر، تتمثل في جمع العائلة الحركية، التي شتتها الإدارة، وإعادة توحيد مجموع الهيئات السياسية التي انشقت عن «الحركة الشعبية». إننا نسعى الى لم الشمل كي نكون في مستوى الأحداث، ومستوى اللحظة التاريخية التي تجتازها بلادنا. وليس هناك اليوم ما يمنع من جمع هذه القوى لما فيه مصلحة البلاد.

* المجهودات المبذولة لتوحيد العائلة الحركية، هل أوصلتكم إلى نتائج ملموسة ؟

ـ أعطت نتائج أولية، وستعطي أكثر مما يمكن أن تتصور. وأول هذه النتائج هو تجاوز الحساسيات والمشاكل. ويبقى المستقبل، وسنبذل جهودنا لنكون في مستوى الأحداث ونقوم بواجبنا كاملا.

* خلال الأشهر القليلة الماضية خرج حزبان جديدان من رحم العائلة الحركية، هما «العهد» و«الاتحاد الديمقراطي»؟

ـ أود لو يكون هناك ثالث، لننتهي من المنشقين، ولا يبقى غير الحركيين الملتزمين.

* هل تتوقعون أن يتم توحيد العائلة الحركية بعد الانتخابات؟

ـ لقد بدأنا مساعي التوحيد، وسنواصلها حتى النهاية.

* هل تتوقعون أن تشمل هذه المساعي حتى حزب الدكتور الخطيب؟

ـ ولم لا ؟

* رغم سيره ضمن ركب الإسلاميين؟

ـ وهل تعتقد أنني غير مسلم؟

* حاشا.

ـ أم تعتقد أن الإسلاميين خرجوا عن الإسلام؟

* لا.

ـ إذن أين المشكلة؟ أنا ليس لي أي مشكلة مع الإسلاميين. ونحن على اتصال مستمر. وعلاقاتنا مبنية على الاحترام والتقدير المتبادلين. أنا لا أخشى غير التطرف، بكل أشكاله وألوانه، لأنه خطر شديد على وحدة البلاد واستقرارها.

* التوحيد المرتقب للعائلة الحركية، هل تتوقعونه اندماجا أم مجرد تحالف؟

ـ التسمية آخر ما يهمنا، والأهم هو اتفاق الأطراف المعنية. فمنذ اليوم الذي قبلت فيه أن أمد يدي لمصافحة أبنائي وإخوتي، عزمت على الذهاب إلى أبعد حد ممكن، من خلال نقاش مفتوح يفضي الى توضيح آفاق المستقبل المشترك.

* سواء بالتجمع في حزب واحد، أو الائتلاف في تحالف ظرفي؟

ـ لماذا التحالف ؟ لا يمكن أن نقنع بتحالف يبدأ اليوم لينتهي غدا، إننا نسعى مجتمعين لإعادة توحيد الحركة في هيئة سياسية موحدة.

* كل الحركات؟

ـ طبعا.

* من دون استثناء؟

ـ حوارنا اليوم مفتوح مع «الحركة الشعبية» التي أسستها عام 1958 مع الدكتور عبد الكريم الخطيب. هذا هو أساس التوحيد، وعندئذ سنختار ما يليق وما لا يليق، فندمج كل ما يستحق الاندماج، ونغض الطرف عما دون ذلك.

* ما حقيقة حظوظكم في الانتخابات الحالية؟

ـ نتمنى أن تكون جيدة ومشرفة، لأننا متجذرون في البوادي والحواضر. ونقدم مرشحين يستحقون دخول البرلمان، ويستحقون أن يكونوا نوابا للأمة.

* هل تتوقعون الحصول على نفس عدد المقاعد التي كانت لكم في المجلس السابق؟

ـ نتوقع أن نتجاوز ذلك العدد.

* كيف تتوقعون المشهد السياسي المقبل؟

ـ نتمنى أن تسفر هذه الانتخابات عن تغيير إيجابي، ونتمنى حصول تغيير جذري، سواء بالنسبة للبرلمان أو بالنسبة للحكومة الجديدة، التي نتمنى أن تكون حكومة قوية وفعالة، تضع برامج قابلة للتنفيذ، وليس برامج تنبني على أحلام، وأقول هنا كفى من سياسة الخيال، نتمنى أن نتجاوز الواقع الحالي حيث الأغلبية ليست أغلبية والمعارضة ليست معارضة، كما نتمنى ألا تبقى البوادي متسولة لما فضل عن الحواضر.