تصالح الدولة والمجتمع المدني؟

عبد القادر الشاوي

TT

لا أري موجبا للحديث عن تصالح الدولة مع المجتمع المدني لأنهما متعارضان من حيث التعريف ويتواجهان في المجال السياسي والمجتمعي من حيث الوسائل ولا يهدفان إلى نفس الغايات، مع وجود إمكانيات فعلية من طرف الدولة لاحتواء العمل المدني والسيطرة عليه، مع الاعتبار في التجربة المغربية الحديثة أن ما أصبح يعرف اليوم بالمجتمع المدني ما زال طريا، إذ لم تكتمل التصورات السياسية البانية لوجوده وممارساته وأهدافه. ويمكن أن نذهب أبعد من ذلك في القول: إن ظهور المجتمع المدني في المغرب، في السنوات العشر الأخيرة على نحو واضح ومؤكد، كان في تعارض شبه كامل مع التحكم المطلق الذي مارسته الدولة في جميع مجالات العمل والحياة. ولنا أن نأخذ كمثال على ذلك جمعيات المجتمع المدني العاملة في الميادين الحقوقية والنسائية والبيئية والتنموية، بينما يبدو تكاثر الأحزاب السياسية من حصيلة ثلاث عمليات متداخلة، في مقدمتها ضعف التنظيم السياسي على صعيد المجتمع، وهو ما جعل فئات عريضة من المواطنين القادرين أو الراغبين أو المهتمين على هامش الحياة السياسية، لا يجتذبهم أي قطب حركي منظم. تضاف إلى ذلك، وهذه هي العملية الثانية، موجبات الانفتاح الديمقراطي الذي قوى تدريجيا، في السنوات الأخيرة، المطالبة الملحة بتوسيع مجال الحريات العامة وإقرارها الفعلي في حياة الناس. وقد ولد هذا جزءاً أكبر من السابق على اقتحام مجالات العمل والفعل، سياسية وغير سياسية، وزاد من شدة الاحتجاج المدني السلمي. أما العملية الثالثة فلها صلة بعياء الأحزاب التقليدية وتقلص وزنها السياسي والتنظيمي، وخصوصا في ما يرجع للتعبئة والتجنيد. ومن المفهوم، بطبيعة الحال، أن قيام حكومة التناوب ووفاة الملك الحسن الثاني (أي بداية عهد جديد ميزته شعارات مغرية وجذابة) خلق شعورا قويا بين النخب بظهور مميزات مرحلة جديدة جاءت، ولو في دائرة ما سمي بالاستمرارية، في أعقاب مرحلة ولت بما لها وما عليها.