علي بلحاج لـ«الشرق الأوسط»: الخطر الأكبر في المغرب ليس التطرف بل رداءة النخب وسوء التدبير

الأمين العام لـ«رابطة الحريات» المغربية يقول إن حزبه يراهن على الانتخابات البلدية المقبلة والديمقراطية عنصر مساعد لتحقيق التنمية ولكنها ليست كافية

TT

برز اسم علي بلحاج أمين عام حزب «رابطة الحريات» في حقل المجتمع المدني، إذ رأس جمعية «المغرب 2020» (غير الحكومية) قبل أن يتفرغ للعمل السياسي عبر البوابة الحزبية، وتوليه أمانة حزب رابطة الحريات الذي نشأ السنة الماضية.

في حوار مع «الشرق الاوسط» يوضح بلحاج رهان الانتخابات التشريعية الحالية، معتبرا أن رهان حزبه الحقيقي هو الانتخابات المحلية (البلدية) المقبلة وأن الرهان الأكبر الآن بالنسبة للمغرب هو تنظيم أول انتخابات نزيهة، وحل مشاكل البلاد التي قال «إن حكومة عبد الرحمن اليوسفي قد أخفقت في معالجتها». وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هي نوعية التحديات الانتخابية التي تواجهك كمرشح مع ناخبي دائرتك، بصفتك رئيساً لحزب رابطة الحريات، وكنت في السابق نائبا عن الدائرة بصفتك مرشحا مستقلاً، وقبلها بصفة حزبية مختلفة؟ ـ لقد تغيرت الدائرة الانتخابية التي ترشحت فيها سابقا كليا، فبعد أن كانت في الانتخابات السابقة تشمل جماعة (بلدية) دار بوعزة (الضاحية الجنوبية للدار البيضاء) وكان عدد الناخبين فيها يتجاوز 40 ألف ناخب، اصبحت الآن تغطي نصف ولاية الدار البيضاء الكبرى، واصبح عدد ناخبيها 300 ألف ناخب.

واليوم أعتزم القيام مع الناخبين بنفس العمل الذي أنجزته لناخبي دائرتي السابقة، من خلال التواصل المباشر معهم وإقامة مركز مداومة للإعلام، بهدف تجسيد المصداقية لالتزام النائب البرلماني مع ناخبيه.

* وكيف تفسر انتقالك من العمل في حقل المجتمع المدني إلى العمل السياسي الحزبي؟

ـ من بين المشاكل المطروحة في المغرب هو السقوط في تقسيم مجالي عمل مكونات المجتمع المدني والعمل السياسي الحزبي إلى قطاعات منفصلة، بينما هما في الحقيقة يشكلان مكونات جسم واحد، وتتسم حركتهما بالتواصل والتداخل المستمر. والأخطر في رأيي هو محاولة وضع حالة انفصام بين رجال السياسة وهيئات المجتمع المدني، ووجود رجال السياسة في واقع مختلف كليا عن واقع مكونات المجتمع المدني.

* لكن هناك مخاوف يثيرها البعض بشأن توظيف الأحزاب لهيئات المجتمع المدني، فكيف ترد على هذه الملاحظة؟

ـ إنها مخاوف لا أساس لها، لأن مجال المجتمع المدني يظل دائما أشمل وأهم من الأحزاب السياسية. والتأثير المنتظر أن يكون أكثر ثقلا هو اتجاه المجتمع المدني نحو الأحزاب وليس الاتجاه المعاكس.

إن الأحزاب السياسية لا تشكل سوى جزء يسير من مكونات المجتمع المدني العديدة والواسعة التأثير، والوضع الأفضل هو قيام تواصل وتأثير إيجابي متبادل في الاتجاهين، لآن ذلك سيمنح الأحزاب السياسية فرصة تجديد نخبها والخروج من حالة الجمود التي يتسم بها العمل الحزبي في بلادنا، وجعل الأحزاب منعزلة على نفسها طيلة العقود الماضية.

* ما هي الرهانات التي جعلتك تقدم على مبادرة تأسيس حزب سياسي جديد، في خضم عشرات الأحزاب القائمة، والتي يرفع عدد كبير منها نفس الشعارات (الليبرالية) التي يتبناها حزبكم؟

ـ أولا، إن تكاثر الأحزاب السياسية ظاهرة طبيعية في سياق مسار تطور الحياة السياسية، ولا سيما بعد سنوات من جمود النظام السياسي وانغلاقه في وجه المبادرات الجديدة، بل كان النظام السياسي يكتفي بعمليات مصطنعة لإنشاء الأحزاب ولم تكن طبيعية، والآن أصبح أمر إنشاء حزب سياسي نابع من مبادرة طبيعية كحق أساسي يتمتع به أي مواطن، أما الحكم على هذا الحزب أو ذاك فهو أمر يعود بالأساس إلى الناخبين، والانتخابات هي المحك لفرز القوى والخريطة السياسية. ثانيا، إن الحكم على تجربة حزبنا كمبادرة جديدة، تعود أساسا للناخبين، ويمكنني أن أشير الى ان مؤشرات أحدث استطلاعات الرأي تفيد بأن 8 في المائة فقط من المغاربة ينتمون لأحزاب سياسية، أي أن هنالك 92 في المائة من المغاربة خارج نطاق تأطير الأحزاب السياسية، وهو نطاق فسيح وواسع، ونحن نسعى للعمل في إطاره. وأعتقد ان الديمقراطية في بلادنا تقطع مراحلها الأولية، فهي في مرحلة يتسم فيها تأطير المؤسسات السياسية والحزبية للمواطنين بطابعه المحدود. وأعتبر أن الديمقراطية في بلادنا ما زالت في سنتها الأولى.

* وهل تعتقد أن الناخبين سيكون لهم يوم الاقتراع سلوك باتجاه تمييز الأحزاب الجديدة عن القديمة؟

ـ هنالك حالة استياء تسود أوساط الناخبين، والآن ينصب رهان العملية الديمقراطية من خلال الانتخابات الحالية حول إعادة الثقة في الأحزاب السياسية لدى الشعب وخصوصا فئات الشباب، التي يتعين أن تكون محرك الديمقراطية.

* وما هي الأوراق التي يراهن عليها حزبك من خلال برنامجه ومرشحيه لكسب ثقة الناخبين؟

ـ الانتخابات الحالية ليست سوى مرحلة، بالنسبة لحزبنا الذي يأتي تأسيسه في سياق تجديد المشهد السياسي وتشبيب النخب. والانتخابات التشريعية بالنسبة لنا ليست نهاية العالم، والمهم هو الدور المستقبلي الذي نريد لحزبنا القيام به، وأول محطاته ستكون الانتخابات البلدية المقبلة (2003)، وهي الرهان الأكبر بالنسبة لحزبنا وللديمقراطية في المغرب. لأنها ستكون اختبارا حقيقيا ومحكا مباشرا بين المواطنين والعملية الديمقراطية.

* وما هو ردك على المؤاخذات الموجهة لحزبكم بأنه نخبوي؟

ـ هذه أحكام مطلقة ومحاكمة للنوايا، وعلينا انتظار نتائج الاقتراع لندرك الحجم الحقيقي لكل حزب سياسي، وما إذا كان نخبويا أم جماهيريا. وقد قدم حزبنا مرشحين لتغطية ثلثي الدوائر الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد.

* وهل تعتقد أنه بالإمكان تنظيم انتخابات نزيهة وديمقراطية في ظل تفشي الأمية والفقر؟

ـ يمكنني أن أشير إلي تجارب ديمقراطية وضمنها نموذج الهند، حيث يوجد أكبر ثقل ديمغرافي لبلد ديمقراطي، وحيث يتفشى الفقر والأمية في أوساط شعبية واسعة. ولذلك لا ينبغي السقوط في الفخ، ولا يوجد أي سبب حتى لا تجرى الانتخابات في ظل النزاهة والشفافية.

* وما هو تحليلك لظهور بعض المخاوف من احتمال لجوء الناخبين للتصويت للإسلاميين كطريقة عقابية ضد الأحزاب والحكومة؟

ـ إن الخطر الأكبر الذي يهدد المغرب ليس التطرف الأصولي، وإنما الرداءة، وأعني بها رداءة النخب التي تتولى تدبير الشأن العام، وتعني مظاهر الفساد المالي التي كشف عنها النقاب في مؤسسات الدولة، وتعني كذلك ارتفاع نسبة الأمية والفقر. وليس التطرف سوى مظهر خارجي لجوهر المشاكل التي تواجهها البلاد.

* هناك من يرى في التجارب الناجحة اقتصاديا واجتماعيا نموذجا جيدا لبناء ديمقراطية سليمة، حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية في بداية الأمر، ألا ترى أن هذا الطرح يراود أحيانا بعض المغاربة عندما يرون صعوبات تواجه سبيل التنمية بينما يتسع فضاء الحريات الديمقراطية؟

ـ إنه طرح خطير جدا، وهو منظور يخيفني شخصيا، لأنه لا يوجد أي رابط بين النظام السياسي المستبد والتنمية، كما لا توجد علاقة حتمية بين الديمقراطية والتنمية. واعتقد أن الديمقراطية عنصر مساعد لتحقيق التنمية ولكنها ليست كافية. إن الديمقراطية هي النظام الأفضل وهي صمام الأمان ضد أي انحراف. ونحن كعرب علينا أن نتأمل في أحدث تقرير صدر عن صندوق الأمم المتحدة للتنمية البشرية حول العالم العربي، لنرى الحالة الكارثية التي توجد عليها الدول العربية، ودون شك فلا أحد يمكنه أن يدعي أن العالم العربي هو نموذج للديمقراطية. الاستبداد هو الذي خلق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية في العالم العربي، وبالمقابل فإن نسبة النظم الديمقراطية مرتفعة في البلدان التي تقدمت في ميادين التنمية وليس العكس.

إن المشكلة الحقيقية تكمن في حسن التدبير، ولا ينبغي أن نسقط في رهان أو فخ التضحية بالديمقراطية في سبيل اطروحة خطيرة مثل هذه.

* لكن ما هو تفسيرك لتدني مركز المغرب ضمن التقرير الدولي حول التنمية البشرية، وهل يصح أن يعتمد كمؤشر على حصيلة حكومة عبد الرحمن اليوسفي التي ورثت أوضاعا صعبة؟

ـ المغرب كان مصنفا في مركز متدن في التقارير الدولية للتنمية البشرية قبل وصول حكومة اليوسفي. ومؤشرات ضعف التمدرس وانتشار الأمية وتدني الخدمات الصحية والاجتماعية، مازالت في حالة جمود ولم يطرأ عليها تغيير نوعي. واعتبر أن الحكومة الحالية أخفقت في كسب ثقة المواطنين والمجتمع، ولا يوجد حماس في الأوساط الشعبية للدفاع عن حصيلتها.

* ما هي المؤشرات التي تجعلك تطلق هذا التقييم السلبي؟

ـ سأقتصر على مؤشرات تهم حياة المواطنين ومستوى عيشهم، أولها معدل البطالة الذي يناهز 20 في المائة وهو في تصاعد خلال السنوات الخمس الماضية، والمشكلة التي حدثت هي أن الحكومة الحالية أطلقت عند وصولها سنة 1998، وعودا براقة دون أن تتحقق في الواقع. ثانيا ارتفاع نسبة المغاربة الذين يعيشون تحت خط الفقر أي دون قيمة عشرة دراهم أي ما يعادل دولارا واحدا، كمعدل للدخل اليومي. وتتجاوز نسبة الفقراء 20 في المائة من مجموع السكان.

أما المستوى الثالث الذي أخفقت فيه الحكومة الحالية، فيؤشر عليه تدهور واختلال التوازنات الماكروإقتصادية. ووسط الحديث عن تراجع قيمة المديونية للخارج ننسى أن بلادنا لم تشهد في تاريخها حالة ارتفاع في قيمة الديون الداخلية مثل ما تحقق في ظل الحكومة الحالية، وقد انعكس ذلك بشكل خطير على مستوى معدلات الفائدة وأوضاع السوق النقدية، كما أخفقت الحكومة في تقليص عجز الميزانية الذي أصبح معدله 8 في المائة بعد أن كان في حدود 3 في المائة. وقد حصلت الحكومة على عائدات ضخمة واستثنائية بفضل عمليات التخصيص لكنها أنفقتها في ميادين عادية. وفي العام المقبل ستكون أبواب النفقات مفتوحة لكن لن تتوفر لنا نفس العائدات.

* فما هي البدائل التي يقدمها حزبك لمعالجة هذه المشاكل؟

ـ ينبغي أن يمنح الحزب أولا ثقة الناخبين كي يكون مشاركا في الحكومة، ومن ثم يتعين أن نبدأ من جوهر المشاكل التي تواجهها بلادنا، وهي قضية التشغيل التي اخفقت الوسائل التقليدية في معالجتها عبر توظيفات القطاع العام والإدارة. إن السبيل الصحيح لمعالجة مشكلة البطالة هو تشجيع الاستثمار والقطاع الخاص. ولا بد من الإقدام على ثورة جبائية في المغرب، من خلال تخفيض كبير لمعدلات الضريبة، بهدف استعادة ثقة المستثمرين.

* وما هو تقييمك للظروف التي تجري فيها الانتخابات ؟

ـ هناك تطور ملموس وواضح في ظروف إعداد الانتخابات، وهناك تواصل جيد، ولكن لدينا ملاحظات حول طريقة الاقتراع التي اعتمدت في وقت قصير قبل موعد الانتخابات، وهو أمر سلبي، وكان يتعين أن يتم الإعداد له منذ سنوات لتوعية الناخبين به. ثانيا، إن الوقت المخصص للحملة الانتخابية قصير جدا ولا يكفي للقيام بحملات مركزة في أوساط الناخبين، ولاسيما أن التقطيع الانتخابي إعتمد دوائر ضخمة سكانيا، مما يجعل النقاش والحوار غائباً تماما من حملات المرشحين. ومن مصلحة الديمقراطية في البلاد أن يتم توسيع الحوار والنقاش بين الآراء والبرامج السياسية.

* وفي أي خانة يمكن وضع حزبكم ضمن خارطة التحالفات الحزبية؟

ـ ليس من المناسب أن نستمر في المغرب في توخي طريقة تصنيف الأحزاب السياسية على أساس تحالفات مصطنعة، بل يتعين اعتماد أرضية واضحة قائمة على برامج محددة وفق أجندة اقتصادية واجتماعية وسياسية، والمشكلة الحقيقية التي واجهتها حكومة اليوسفي هي كونها لا تستند إلى أرضية واضحة وقاعدة مشتركة بين الأحزاب المتألفة منها. إن اتساع عدد الأحزاب التي يمكن أن تضمها التحالفات الحزبية ليست مشكلة في جوهرها، بل تكمن المشكلة في غياب البرنامج الدقيق الذي تستند إليه.

* في رأيك ما هو القدر الذي يمكن أن تساهم به الانتخابات الحالية مهما كانت درجة نزاهتها، في تلبية الانتظارات الحقيقية والواسعة للمواطن المغربي؟

ـ إن تنظيم انتخابات نزيهة أو تحقيق إصلاح دستوري لن يكون الأداة الحاسمة لحل مشاكل الناس، بل هي عامل مساعد يتضافر مع عوامل أخرى ضمنها استعادة الثقة والتطور الإيجابي للأمور بكيفية متداخلة وتساعد على خلق مناخ ووضع جديد في البلاد. وقد قادت البلاد خلال العقود الماضية طبقة من النخب الحاكمة التي كانت تتعامل مع المجتمع من منظور تحكمي.

إن اختيار نهج تنظيم انتخابات نزيهة هو خيار لا محيد عنه لأنه المدخل الأساسي في العولمة والاندماج في العالم الجديد، والمغرب بلد متنوع ومتشابك المكونات ولا يمكن تسييره عبر تدبير مركزي، بل يتعين أن يتم تسييره عبر تدبير لامركزي يستعيد من خلاله المواطن المغربي موقعه الأساسي في المسؤولية والمبادرة.