الحريري: وضع الإعلام المرئي والمسموع شاذ ولن أتردد وبري في إقفال «المستقبل» ومحطة «إن.بي.إن» إذا كان الثمن استقرار لبنان

TT

قال مسؤول لبناني كبير لـ«الشرق الأوسط» ان وضع الاعلام المرئي والمسموع هو وضع شاذ ومستمر منذ انتهاء الحرب الاهلية عام 1990، فهو اعلام حرب اهلية ولا يجوز ان يستمر على ما هو عليه، بل انه اعلام طائفي ومذهبي وفئوي بدليل انه كلما اتخذ تدبير في حق اي مؤسسة تلفزيونية تنبري مراجع وقيادات سياسية او دينية لاستنكار هذا التدبير وتصويره على انه يستهدف الطائفة التي ينتمي اليها اصحاب هذه المؤسسة.

وتساءل هذا المسؤول في هذا المجال قائلاً: «لو ان التدبير المتخذ حالياً في حق تلفزيون ام. تي. في، كان اتخذ في حق تلفزيون «المنار» او تلفزيون NBN او «المستقبل»، هل كان يمكن لمتروبوليت بيروت لطائفة الروم الارثوذكس، المطران الياس عودة، ان يعلن المواقف الاعتراضية التي صدرت عنه احتجاجاً على اقفال تلفزيون ام. تي. في؟». ولفت هذا المسؤول الى ان بعض وسائل الاعلام ذات الطابع المسيحي ساهم في عدم نشوء قيادات مسيحية غير العماد ميشال عون وقائد «القوات اللبنانية» المحظورة الدكتور سمير جعجع. وهذا امر غير طبيعي، بل انه يساهم في اهتزاز الوضع المسيحي بل الوضع السياسي عموماً.

وقال المسؤول اللبناني نفسه ان الوضع الاعلامي المرئي والمسموع برمته يجب ان يعالج، لانه لا يجوز ان يكون التصرف عند حصول اي تطور محكوماً بخياري الاقفال او قمع الحريات التي هي في اساس وجود لبنان وتكوينه وينبغي المحافظة عليها.

ولفت المسؤول الى اهمية وجود التنوع الطائفي في المؤسسة الاعلامية، لانه كفيل ان يضبط عملها على ايقاع وضع البلد وواقعه السياسي، مما يجعلها تحترم الرأي والرأي الآخر. ويقول هذا المسؤول ان رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري عندما قال اخيراً بعدم جواز ان يكون له او لرئيس مجلس النواب نبيه بري او للاحزاب والقوى السياسية تلفزيوناتها الخاصة، انما اراد ان يؤكد ان هذا الوضع الاعلامي الشاذ على ما هو عليه لا يخدم مصلحة البلد وينبغي ان يعالج، اذ ان الاعلام يغلب رأي فئة على الرأي الآخر بما يخالف القانون.

ويشير المسؤول نفسه الى ان هذا الاعلام غالباً ما يساهم في اهتزاز الاوضاع الداخلية من جراء التراشق الذي يتم بواسطته بين القوى السياسية التي تختلف في ما بينها حول القضايا المطروحة سواء أكانت داخلية او ذات طابع اقليمي او دولي. ولذلك يقول المسؤول ان الحريري اراد من فتح ملف الاعلام المرئي والمسموع للنقاش الوصول الى تعديل قانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع، وان بري يؤيد بقوة ما طرحه لجهة ان لا يكون لاي منهما، او للاحزاب والقوى السياسية محطاتها التلفزيونية الخاصة، لكي يتم الوصول الى اعلام مرئي ومسموع يخدم مصالح البلد. وينقل المسؤول عن الحريري قوله في هذا المجال عندما سئل هل يمكنه وبري التخلي عن تلفزيوني «المستقبل» وNBN اذا كانت مصلحة البلد واستقراره يقتضيان اقفال هاتين المحطتين، «فلن نتردد في اقفالهما». وأكد فتح ملف الاعلام المرئي والمسموع للنقاش داعياً الجميع الى الخوض فيه توصلاً الى الاعلام الذي يليق بلبنان.

وهذه المواقف بدأ الحريري بإطلاقها منذ الخامس من الشهر الحالي عندما التقى اعضاء «اللقاء النيابي التشاوري» وحتى اليوم، وذلك في استمرار سياسية ما سماه «غسل القلوب» بينه وبين رئيس الجمهورية اميل لحود والتي انطلقت بعد بت موضوع تخصيص الهاتف الجوال (الخليوي) الذي شهد خلافاً كبيراً بينهما قبل ان يعالج وفق آلية محددة أقرها مجلس الوزراء..

وقال مصدر قريب من الحريري انه اراد من هذه المواقف اطلاق النقاش في ثلاثة ملفات هي: الشراكة مع المسيحيين في اعادة بناء لبنان على كل المستويات، والاعلام المرئي والمسموع وربما المطبوع، وقانون الانتخاب.

فملف الشراكة مع المسيحيين، فتحه الحريري في ما ادلى به على مسمع اركان «اللقاء التشاوري»، اذ رحب بتشكيل هذا اللقاء واصفاً اياه بأنه «من اهم الاحداث التي حصلت منذ (إقرار) اتفاق الطائف»، مشيراً الى انه «لو شكل مباشرة بعد اتفاق الطائف لكان وفر على البلد اموراً كثيرة».

ويقول مصدر نيابي ان الحريري يريد من «اللقاء التشاوري» على رغم طابعه المسيحي الصرف حتى الآن، والذي يتكون من نواب مسيحيين ينتمون الى غالبية التيارات السياسية اللبنانية او يدور في فلكها، ان يكون شريكاً فاعلاً في السلطة لأن هذه الشراكة من شأنها ان تنهي استنكاف فرقاء من المسيحيين عن المشاركة في مشروع الدولة ويقرب شرائح كثيرة من المسيحيين من الدولة.

ويعتقد المصدر نفسه ان الحريري يعوِّل ان يلعب اللقاء التشاوري دوراً مؤثراً في الوسط المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً، اذ انه اذا احسن التصرف يمكنه ان يجعل من نفسه المعبِّر الرئيسي عن نبض الشارع المسيحي ازاء كل القضايا الوطنية ولذلك فإن «اللقاء التشاوري» يقف امام تحد كبير وهو تحقيق الاستقرار السياسي في الصف المسيحي، لأن هذا الاستقرار من شأنه ان يجعل المشاركة المسيحية في السلطة اكثر فعالية وانتاجية في ورشة اعادة بناء البلد على كل المستويات.

اما ملف قانون الانتخاب، فهو يرتبط في شكل او آخر بموقع ودور المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً في اعادة بناء البلد، فالشكوى من قانون الانتخاب تكاد تكون عامة، اي لدى المسلمين والمسيحيين. وكل قوانين الانتخاب التي وضعت منذ التوصل الى «اتفاق الطائف» وحتى اليوم لم تأت منسجمة مع ما نص عليه هذا الاتفاق الذي قال باعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري للبلاد.

ويقول مصدر قريب من الحريري انه اراد من فتح باب النقاش في هذا الملف انضاج الظروف السياسية للوصول الى قانون انتخابي جديد يساوي بين جميع اللبنانيين. وذكَّر المصدر بما قاله الحريري لـ «اللقاء التشاوري» من انه لن يقبل بقانون انتخابات «يميز بين اللبنانيين» مذكراً بما نص عليه «الطائف» لجهة اعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة «بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري» ومشيراً الى اقتراحين طرحا خلال المؤتمر لجهة تقسيم لبنان الى 9 او 11 محافظة.

اما في ما يتعلق بالاعلام المرئي والمسموع، فقد فتح الحريري ملفه للنقاش مباشرة من خلال ما ادلى به قبل ايام من انه لا يجوز ان يكون له ولرئيس مجلس النواب ولأي حزب من الاحزاب ولكل من القوى السياسية تلفزيون خاص بها.

وقال المصدر القريب من الحريري ان تجربة العمل بقانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع الذي اقر عام 1994 واعتُبر في حينه اول قانون من نوعه يصدر في المنطقة العربية دلّت على وجوب تعديل هذا القانون في الاتجاه الذي يفصل مصالح السياسيين عن المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة التي اصبحت اشبه بالمتاريس لهذا المسؤول السياسي او ذاك او لهذه الطائفة او تلك، بدل ان تكون متاريس للدفاع عن لبنان وخدمة قضاياه.

في اي حال فان الحريري سيواظب على الحديث عن هذا الملف وكذلك عن ملفي قانون الانتخاب والشراكة المسيحية في اعادة بناء البلد وذلك في كل ما يدلي به من تصريحات وخطب في هذه المناسبة او تلك، وذلك من اجل ابقاء باب النقاش فيها مفتوحاً وصولاً الى اجواء تؤدي الى معالجتها على النحو الذي يخدم مسيرة الوفاق والاستقرار واعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان.