سيناريو الهجوم الأميركي: قاذفات «بي 2» تدك أولا مواقع القيادة والدفاع الجوي وقوات كوماندوز تهبط بالمظلات في مطارات في جنوب العراق وغربه

TT

في ليلة ظلماء من ليالي ديسمبر (كانون الأول) يطلق سرب من قاذفات «بي 2» (ستيلث)، وهي تجوب سماء العاصمة العراقية بغداد على ارتفاع ستة أميال، عشرات القنابل الموجهة عبر الأقمار الصناعية على اهداف القيادة العسكرية والدفاع الجوي.

وتتبع ذلك موجات من طائرات البحرية من طراز «اف 18»، وطائرات سلاح الجو من طرازي «اف 15»، و«اف 16». وهي تطير بسرعة اقل قليلا من سرعة الصوت، مراوغة نيران المضادات، من اجل ضرب مواقع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وتصب صواريخ كروز من نوع «توماهوك» وابل نيرانها طيلة الليل على قصور صدام حسين الرئاسية الخمسين، وقاعدة قواته الأمنية الخاصة، ثم يأتي دور الجنود المشاة.

هذه هي الكيفية التي يمكن ان تبدأ بها حملة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش لاطاحة صدام حسين. وبينما تواصل وزارة الدفاع (البنتاغون) دراسة خيارات القيام بغزو للعراق، ولم تتوصل بعد الى قرار نهائي بشأن ذلك، تتجلى الخطوط العامة للكيفية التي تخاض بها الحرب عبر أشهر من الجدال الساخن داخل البنتاغون والقيادة المركزية للولايات المتحدة في تامبا.

ومنذ اليوم الأول يمكن ان تكون الحملة سريعة: افراد الغرقة الجوالة وهم يحملون مناظير الرؤية الليلية، وميكروفونات «الهمس» سيهبطون بالمظلات من طائرات «سي 130» وهي تحلق على ارتفاع 500 قدم، ليستولوا على المطارات ومهابط الطائرات في جنوب وغرب العراق. وبعد 10 ثوان من نزولهم على الأرض يبدأون، على وجه السرعة، باقامة محاور لعشرات الألوف من افراد القوات البرية الاميركية المتدفقين الى هذه القواعد الجديدة جوا وبرا.

ويقول خبراء البنتاغون ان الحملة ستكون بارعة ومتطورة:

سيتوافق وصول القوات الاميركية مع اسقاط منشورات وبث نداءات اذاعية معدة لاقناع المجندين إلزاميا في الجيش العراقي بالقاء اسلحتهم والمساعدة على «تحرير» البلاد.

وقد وصف 12 من المسؤولين والمحللين العسكريين في مقابلات معهم الحرب التي لن تشبه كثيرا حرب الخليج عام 1991. فما يتصوره معظهم هو اكثر شبها بغزو بنما عام 1989 عندما أزالت الولايات المتحدة دكتاتورا متخندقا.

ويقول ستيف بيكر، العميد البحري المتقاعد، والمحلل العسكري في مركز المعلومات الدفاعية ان الأمر يتمثل في «السعي نحو اساليب خاطفة، سريعة، مبتكرة، وجعلها اساليب ساحقة في الحال».

ويشير بيكر وآخرون الى ان عملا شبيها بعاصفة الصحراء وغزوا بريا واسع النطاق أمران غير محتملين.

ويقول خبراء انه اذا ما اختارت الولايات المتحدة القوة العسكرية للتخلص من صدام، فان الحرب سيجري تمديدها بمعتقدات اساسية ترتبط، الآن، بوزارة الدفاع التي يتولاها دونالد رامسفيلد: الاعتماد على الأسلحة الدقيقة، والمعلومات الاستخباراتية المتفوقة، والتحركات السريعة الموجهة لاستثمار المزايا العسكرية للولايات المتحدة بما في ذلك جمع المعلومات.

وعلى الولايات المتحدة ألا تسعى الى قوة غزو هائلة تخترق حدود العراق. فالولايات المتحدة تهيمن على جزء كبير من المجال الجوي في جنوب وشمال العراق وتعتقد ان بوسعها ان تبقي جيش صدام المنهار في وضع دفاعي حرج، بينما تقيم قواعدها داخل حدوده. ومن غير المحتمل ان يضع البنتاغون قوات ارضية كبيرة العدد في اطار مرمى الصواريخ الاثني عشر او نحو ذلك المتبقية من طراز سكود قبل الهجوم، وفقا لما يقوله الخبراء.

وفي هذه الحرب يجري السعي الى قوات الكوماندوز الاميركية الخاصة لشن هجوم على اهداف حساسة بصورة سريعة، والى القوات التقليدية مثل الدبابات والهليكوبترات لتتحرك على نحو محترس ومدروس، كما يتنبأ المحللون. ان تدمير قبضة صدام على السلطة، وليس جيشه بالضرورة، هو الهدف المركزي للحرب. وتعتمد سرعة الحرب على ما اذا كان الجيش العراقي سيقرر خوض القتال، او التنحي جانبا كما فعلت اجزاء كبيرة منه عام 1991، وكذلك على ما اذا كان صدام سيستخدم مخزوناته الاحتياطية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وستكون القوات الاميركية ملقحة ضد الانتراكس، وستحمل بدلات وقائية معها لحمايتها من غاز الأعصاب.

* قوة أقل بكثير

* واذا كان للولايات المتحدة ان تدخل في حرب مع العراق في غضون ثلاثة اشهر، فأين هي جميع القوات؟ على خلاف عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء عامي 1990 ـ 91 ـ اللتين تميزتا بتدفق افواج هائلة من الجنود والدبابات الى منطقة الخليج ـ فليس هناك تصعيد اميركي منظور.

هناك اسباب عدة، فمع وجود قوات اميركية، في الوقت الحالي، في الكويت وقطر والبحرين، يمتلك البنتاغون بنية عسكرية اساسية جاهزة لم تكن متوفرة لديه قبل عقد من الزمن. ومنذ حرب الخليج ظلت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تهيمنان على المجال الجوي في كثير من اجزاء العراق، وقد نقلتا احتياطيات حربية جاهزة للاستخدام الى قواعد اقليمية.

ومن المحتمل ان تشترك في هذه الحرب قوة اقل بكثير مما كان عليه الحال في عاصفة الصحراء. وبدلا من 500 ألف من القوات الاميركية يمكن ان يستدعي الوضع ما يقل عن 100 ألف. ويضيف الخبراء العسكريون انه لا يتعين عليهم، جميعا، ان يكونوا في الموضع الملائم قبل ان تبدأ الولايات المتحدة بالهجوم.

وقال ديفيد غرينج، اللواء المتقاعد، والخبير بحرب العمليات الخاصة انه «يمكن القيام بذلك على مراحل. ومن المحتمل ان تكون هناك حاجة للجزء الاكبر من القوات الاميركية ـ يقدرها البعض بما لا يقل عن 25 ألفا ـ للحفاظ على النظام ونزع اسلحة جيش صدام بعد الغزو. ومن المحتمل ان يتوجب على البعض البقاء لفترة سنوات من اجل ضمان السلام».

ويقول المحللون انه اذا ما أخذ بالحسبان خطر قيام العراق بضرب اسرائيل او قوات اميركية قبل الهجوم، سيسعى البنتاغون الى مفاجأة تكتيكية إذ يمكن ان يضع قوات ارضية على بعد مئات الأميال او على سفن للحفاظ على المفاجأة.

ومن غير المحتمل ان تكون الولايات المتحدة بحاجة الى الأساطيل الهائلة من الطائرات ـ اكثر من ألفين ـ التي شاركت في قصف العراق قبل 11 عاما. ان الاستخدام الواسع النطاق للقنابل الذكية التي نادرا ما استخدمت عام 1991، سيقلص عدد الطائرات المقاتلة والقاذفة الضرورية لتوجيه ضربات.

* الحرب بدأت فعلا

* بدأت الولايات المتحدة حملة هجمات لتفكيك شبكة الدفاعات العراقية في الشهر الماضي. فخلال ذلك الوقت هاجمت الطائرات الاميركية والبريطانية مراكز قيادة رئيسية للدفاع الجوي جنوب بغداد وفي غرب العراق بغارات تصل الى 30 طائرة.

وقد وصف البنتاغون توسيع الضربات باعتباره من اعمال الدفاع عن النفس بعد ان استهدفت بطاريات الصواريخ العراقية الطائرات الاميركية. وفي السر يقول مسؤولون عسكريون ان الولايات المتحدة تستثمر الفرصة لتدمير دفاعات صدام الجوية.

* هل سيقاتل العراقيون؟

* يتمثل اكبر رهان في أية حرب مع العراق في تقدير ولاء الجيش العراقي، فهل سيقاتل المجندون الالزاميون من اجل ابقاء صدام في السلطة، أم سيستسلمون استسلاما جماعيا كما حدث خلال حرب الخليج؟

يتوقع كثير من المحللين ان جزءا كبيرا من الجيش النظامي لصدام البالغ تعداده 375 ألفا سيرفض القتال. فخلال حرب عام 1991 استسلم اكثر من 70 ألفا بعد شهر من الهجمات الجوية والبرية، غير ان قوات الحرس الجمهوري العراقي البالغ تعدادها 100 ألف، وهي القوات الاكثر تأهيلا وولاء لصدام، يمكن ان تختار المقاومة.

ويقول توماس ماكينيرني الفريق المتقاعد في سلاح الجو، والذي يتمتع بصلات قوية مع المعارضة العراقية، ان البنتاغون سيستخدم المنفيين لاقناع الجنود بالتخلي عن النظام.

وابلغ ماكينيرني لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاثنين الماضي ان «كل القوات العسكرية سيجري ابلاغها ان أمامها خيارين: إما مساعدتنا على تغيير النظام واقامة نظام ديمقراطي، او تعرضها الى التدمير». وردد ماكينيرني، ايضا، اصداء تحذيرات اطلقها رامسفيلد من ان العراقيين الذين يستخدمون اسلحة الدمار الشامل «سيحاكمون كمجرمي حرب».

وعلى الرغم من تلك التحذيرات، يتعين على المخططين ان يفترضوا ان العراق يمكن ان يطلق اسلحة كيماوية او بيولوجية. وكان صدام قد توقف عن نشر مثل هذه الأسلحة في حرب عام 1991، بعد ان جرى تحذيره من ان استخدامها سيؤدي الى رد فعل مدمر من جانب الولايات المتحدة. اما في الوقت الحالي حيث تستهدف القوات الاميركية الاطاحة به او قتله، فقد يشعر انه لن يخسر شيئا باستهداف القوات الاميركية او اسرائيل بصواريخ او قذائف مدفعية محملة بالغازات او المواد البيولوجية.

* خدمة «يو.اس.ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»