فتح ملف طائرات «البوما» يحمل المعارضة اللبنانية على اتهام الدولة باستخدام القضاء لـ«تصفية حساباتها»

TT

اثار تحريك القضاء اللبناني ملف صفقة طائرات «البوما» التي اشتراها لبنان في عهد الرئيس الاسبق امين الجميل، حفيظة الاخير وبعض حلفائه من المعارضين الذين رأوا في اعادة تحريك قضية الصفقة، التي اثيرت حولها الشبهات بعد انتهاء ولاية الجميل لجهة شراء طائرات مروحية رومانية مستعملة على انها فرنسية جديدة مع فارق سعر كبير بلغ اكثر من مليوني دولار «عملية تصفية حسابات للسلطة مع معارضيها». وفيما اكد الجميل ان ملف «البوما» لا يعنيه «من قريب او بعيد»، رأى حزب «الوطنيين الاحرار» ان السلطة «تشن حملة شعواء بقناع القانون والقضاء». واعتبر النائب نسيب لحود ان السلطة لا تتوانى عن استخدام النيابات العامة في سياق تصفية الحسابات مع معارضيها.

يذكر ان لجنة تقصي الحقائق النيابية بحثت في الملف واستدعت الجميل للادلاء بشهادته، لكنه رفض. وقد خرجت اللجنة بتقرير لم يذكر اي صلة للجميل بالصفقة رغم ان اسمه تكرر كثيراً في اطار هذه القضية من قبل سياسيين ومسؤولين.

وقد اشار رئيس لجنة التحقيق النيابية، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، امس إلى انه «خلال اعمال لجنة التحقيق البرلمانية بصفقة طائرات البوما عام 1995 ثبت ان الطائرات كانت من صنع رومانيا وليس من صنع فرنسا. وفي حينه لم تستجوب اللجنة الرئيس امين الجميل».

وعن الاسس التي استندت اليها اللجنة لتبرئة الرئيس الجميل من ملف الصفقة، قال الفرزلي: «لم يثبت لنا شيء في الملف يتعلق بالرئيس الجميل، فاتخذت الهيئة العامة قراراً باحالة القضية الى النيابة العامة التمييزية للتحقيق في الملف لأن للنيابة العامة صلاحية التحقيق والتوقيف. ومنذ ان احيل الملف الى النيابة العامة التمييزية لم يتم التحدث عن الموضوع او تحريك الملف».

من جهته، اعتبر الخبيرالقانوني ادمون نعيم انه «لا يجوزللنيابة العامة التمييزية ملاحقة الرئيس الجميل بموجب الدستور الذي اناط هذه الصلاحية بالمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء»، مشيراً الى انه «لا يمكن احالته الى المجلس الاعلى الا إذا قبل المجلس النيابي بأكثرية ثلثي اصوات كامل اعضاء المجلس».

وقال الجميل خلال جولة قام بها امس في نقابتي الصحافة والمحررين الصحافيين: «آسف، لأن يحركوا هذا الموضوع في ظل التحديات والتهديدات التي يمر بها لبنان والمنطقة. فالمنطقة على كف عفريت، سواء كان بالنسبة الى العراق او القضية الفلسطينية او سورية وما تواجهه في الكونغرس او على صعيد لبنان ومياه الوزاني وغير ذلك». واضاف: «هذا الوضع المحلي والاقليمي يحتم علينا رص الصفوف من اجل مواجهة التحديات بحد اقصى من الوحدة والتفهم والتعقل. ولكن ما يحصل هو عكس ذلك، فالبعض يتلهى بالقشور ويفتح جروحات نحن بغنى عنها اليوم، وخصوصاً في موضوع البوما بالذات. فهذا الموضوع لا يعنيني، لا من بعيد ولا من قريب. ولا يعقل ان يكون رئيس جمهورية لبنان متصلاً بعمليات من هذا النوع الا ضمن مؤامرة كبيرة. ورئيس الجمهورية الحالي (اميل لحود) ووزير الدفاع (خليل الهراوي) يعرفان ذلك تماماً. اللجنة البرلمانة ولمدة سنتين انكبت على دراسة هذا الموضوع وتبين لها ان لا علاقة لرئيس الجمهورية بهذه الصفقة ولا ظهرت مؤامرة كبرى في التحقيق التي اجرته اللجنة البرلمانية، مع العلم ان هذه اللجنة كانت لديها صلاحيات قضائية».

ونفى الجميل ان يكون هناك تحول في موقفه السياسي بعد عودته من الخارج وقال: «اعتقد ان خطابي لم يتغير، وانني من السياسيين القلائل الذين بقي خطابهم نفسه منذ عام 1970 تاريخ انتخابي الاول في المجلس النيابي وحتى الساعة على رغم كل الرهانات والظروف التي مرت على البلاد. وأنا من الاشخاص الذين يراهنون على وحدة الوطن والسيادة والاستقلال وعروبة لبنان واقامة اطيب علاقة مع سورية... وحتى اليوم ما زلت على هذا الخط.. انما المؤسف ان الظروف التي نمر فيها اليوم هي ظروف مأساوية. وهناك تصرفات لا يقرها لا المنطق ولا العقل ولا اي نظرة للمصلحة الوطنية. لذلك في بعض الاحيان يثور المرء وينتفض حرصاً منه على المصلحة الوطنية وعلى العلاقة التي نريدها ليس فقط بين الدولة اللبنانية والدولة السورية، انما بين الشعب اللبناني والشعب السوري».

واضاف: «لا احد يستطيع ان يقول ان البطريرك الماروني (نصر الله صفير) ليس رجلاً وطنياً ولا عاقلاً ولا حكيماً وهو حريص على المصلحة الوطنية بكل ابعادها. وحتى البطريرك في اكثر من ظرف يثور وينتفض داخلياً ضد هذا الوضع القائم. وكذلك الامر المطران الياس عودة (الارثوذكسي) ـ حتى لا تكون هذه المواقف حكراً على الموارنة ـ ... وكذلك الحال مع بعض القيادات الاسلامية التي نجتمع بها ولديها ملاحظات لا تحصى حول هذه الامور التي نعاني منها يومياً».

واشار الجميل الى «ان المعارضة تريد الحوار وليس مجرد لقاء». وقال: «نريد الحوار طبيعياً بين اللبنانيين، بين بعضهم البعض، وان تكون السلطة والدولة شريكة اساسية فيه وترعاه، مثل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وفاعليات اخرى يجب ان تشارك كلها في هذا الحوار ويجب الا نتهرب من مسؤولياتنا».

وافاد الجميل: «النقطة الثانية هي العلاقات بين بعضنا البعض. هناك كوارث تحصل لاول مرة منذ بداية الحرب وحتى اليوم، لاول مرة نسمع فئات تتحدث عن اعادة النظر في الكيان اللبناني. لم نسمع ذلك من قبل. وكنا دائما نتغنى بانه على رغم كل ما مررنا به كلبنانيين، لم يشكك احد في ديمومة الكيان اللبناني. واليوم تصدر بعض الاصوات وهي شبه مسؤولة وهي مراجع نحترمها ولها وزنها على الساحة، وهي توحي كأن هذا الكيان اللبناني من الممكن ان يعاد النظر فيه. وهذا شيء خطير».

واضاف: «النقطة الثالثة هي الحوار مع سورية، فالرئيس بشار الاسد الذي نكن له كل التقدير والاحترام وبعض المسؤولين في سورية ووزراء ومسؤولون لبنانيون مقربون جدا جدا من سورية يقولون ان هناك شوائب في العلاقة اللبنانية ـ السورية... يجب ان نتعاطى بشفافية تامة مع قضية العلاقة مع سورية ويجب ان نبحث بكل شفافية وصراحة واخوية ولا نريد ان يكون كل شيء تصادمياً واذا اعطى المرء رأيه يصبح خائنا وعميلاً اسرائيلياً».

وذكر الجميّل ان «لا احد عنده خيبات امل من الاميركيين مثلي، فاذاً يجب علينا ان نتخلى عن هذا التخوين الدائم ورهانات هنا وهناك. ونحن لا رهان عندنا الا الرهان على لبنان وعلى وحدة ابنائه».

من جهته اعتبر رئيس «حركة التجدد الديمقراطي» النائب نسيب لحود المتحالف مع الجميل اعادة تحريك ملف طائرات «البوما» «محاولة للنيل من الرئيس امين الجميل تؤكد الشكوك والمخاوف التي كنا قد ابديناها اخيراً من ان السلطة لا تتوانى عن استخدام النيابات العامة في سياق تصفية الحسابات مع معارضيها ضمن مخطط متكامل يرمي الى تقويض الحريات والنظام الديمقراطي في البلاد».

وتوقف حزب «الوطنيين الاحرار» في اجتماعه الاسبوعي امس امام ما وصفه بـ«الحملة الشعواء والمقنعة بقناع القانون والقضاء التي تشنها السلطة مهددة كل المعارضين بسيف قانونها وباستنابات قضائىة جاهزة على خلفية اتهامات معلبة معروفة خبرها اللبنانيون وعلى اساس الملفات المودعة عن سابق قصد وتصميم في الادراج».