توتر العلاقات بين الرباط ومدريد يثير شهية الإعلام الإسباني للاهتمام بالانتخابات المغربية

TT

مساء يوم الخميس الماضي، وقبيل بضع ساعات من نهاية الحملة الانتخابية، كانت مجموعة من الشباب خريجي الجامعات المغربية العاطلين عن العمل يتجمعون في الساحة الصغيرة المقابلة لمبنى البرلمان المغربي لممارسة احتجاجهم على الحكومة، وهو الاحتجاج الذي تعودوا على ممارسته منذ عدة سنوات.

بيد أن احتجاج ذلك المساء كان مختلفا، فقد وجدوا أن ضيوفا آخرين سبقوهم إلى الساحة، واحتلوا نصفها تقريبا بسياراتهم الكبيرة الثلاث، وكمية ضخمة من الأجهزة الاكترونية، ووسائل الاتصال المتطورة. لم يكن هؤلاء الضيوف سوى فريق من الصحافيين العاملين في القناة التلفزيونية الإسبانية الخامسة «تيلي سينكو» وعددهم ستة صحافيين. وحل الفريق الصحافي الاسباني بالساحة منذ الساعات الأولى ليوم اول من أمس لمتابعة أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس، مصحوبين بثلاث سيارات إحداها سيارة زرقاء تحمل شعار القناة وعلى سطحها نصب جهاز التقاط معد للبث المباشر، وسيارة أخرى مخصصة لنقل الفريق الصحافي المرفوق بتقنيين، بينما السيارة الثالثة مخصصة للأجهزة التقنية.

الخريجون العاطلون كان عليهم اقتسام الساحة مع الفريق الصحافي الإسباني في وئام تام، بل كانت صدفة جيدة حين قام الصحافيون الإسبان بتشغيل كاميرات التصوير بمجرد ما بدأ خريجو «دار الحديث الحسنية»، وهي جامعة للعلوم الدينية، أسسها الملك الراحل الحسن الثاني، في ترديد شعاراتهم المعتادة رفقة خريجين آخرين من «المجموعة الوطنية لحملة شهادات السلك الثالث». ومن ثم فإن وجود طلبة للعلوم الدينية ملتحين وفتيات محجبات أشعل همة الصحافيين الإسبان حيث بدأوا في التصوير قبل أن تدفأ حناجر المحتجين. كان الصحافيون الإسبان يبتسمون سعادة لهذا المشهد غير المألوف الذي ظفروا به من دون عناء البحث عنه، وفي الوقت نفسه لم يخيب المحتجون ظن الصحافيين إذ ارتفعت أصواتهم أكثر من المعتاد، وهزوا قبضات أيديهم في الهواء في ما يشبه تبادلا للمصالح بين جهاز إعلامي أجنبي يريد الحديث عن أشياء أخرى في المغرب غير الانتخابات، وبين خريجين عاطلين شبه محبطين من فتور المتابعات الاعلامية الداخلية لاحتجاجاتهم التي لم تعد تثير انتباه أحد في الاشهر الأخيرة وكأنها جزء من الطقوس اليومية لشارع محمد الخامس في الرباط. الفريق الصحافي الإسباني كان جزءا صغيرا جدا من وفد إعلامي اسباني كبير جاء لمتابعة اقتراع اليوم. فبالإضافة إلى القناة الإسبانية الخامسة، التي تعتبر واحدة من أقوى القنوات التلفزيونية الإسبانية المستقلة، حضر مندوبون عن أكبر الصحف الإسبانية، مثل صحيفة «البايس» التي تعتبر الأولى في البلاد من حيث المبيعات والتأثير والمقربة من الأوساط اليسارية، والتي انتدبت الصحافي المخضرم إيغناثيو سيمبريرو، أو صحف مثل «إيل موندو» المقربة من الحزب الشعبي الحاكم ، والتي يرأس تحريرها صديق شخصي لرئيس الوزراء خوسيه ماريا أزنار، أو صحف أخرى مثل «آ.ب.إس» اليمينية المحافظة ذات النزعة الفرانكوية، نسبة إلى الجنرال الراحل فرانسيسكو فرانكو الذي حكم إسبانيا بيد من حديد منذ انتصاره في الحرب الأهلية سنة 1936 إلى حين وفاته سنة 1975، وصحيفة «لاراثون» المقربة من الأوساط العسكرية الإسبانية، إضافة إلى القناة التلفزيونية الجهوية «كنال سور» التي تمثل إقليم الأندلس في الجنوب، والتي تتوفر على مكتب دائم في العاصمة المغربية الرباط، وعدد آخر من القنوات التلفزيونية والصحف المركزية والجهوية.

ولم تكن الأحداث في المغرب تجد لها في السابق صدى في أجهزة الإعلام الإسبانية، باستثناء مرحلة عبور مئات الآلاف من المهاجرين المغاربة للتراب الإسباني كل صيف، أو خلال أحداث استثنائية عابرة. لكن الاهتمام الذي أبدته وسائل الإعلام الإسبانية الآن بمختلف اتجاهاتها بالانتخابات التشريعية يمكن أن يجد تفسيره في الحالة المتردية للعلاقات المغربية ـ الإسبانية منذ أكثر من سنتين، أي منذ رفض المغرب تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، والتي تخول أسطول الصيد التقليدي الإسباني المكون من حوالي 500 مركب من الصيد في المياه المغربية، ثم الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بتشجيع الهجرة السرية، مرورا باستدعاء المغرب لسفيره في مدريد في ابريل (نيسان) 2001، وانتهاء بقيام أزمة جزيرة «تورة». ويبدو ان التوتر بين الرباط ومدريد اثار شهية الاعلام الاسباني للاهتمام بالانتخابات التشريعية المغربية.

وإذا كان الحضور الإعلامي الإسباني في اقتراع أمس ملحوظا، فإن عددا كبيرا آخر من الصحافيين من دول كثيرة أوروبية وعربية وأفريقية ومن الولايات المتحدة كانوا حاضرين.

وقدرت جهات رسمية مغربية عدد الصحافيين الأجانب بـ180 صحافيا معتمدا، والذين يفوقون في عددهم الصحافيين المغاربة المتابعين للاقتراع، وهم حوالي 100 صحافي من القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية، و27 صحافيا من وكالات الانباء المغربية، وسبعة صحافيين عاملين في المركز السينمائي المغربي، إضافة إلى الملحقين الإعلاميين للسفارات المعتمدة في المغرب حسب المصدر ذاته.