جولياني يطرق باب السياسة مجدداً بكتاب.. ولايستبعد الترشيح للرئاسة أو منافسة هيلاري كلينتون.. أو منصب تشيني

TT

قام رودي جولياني عمدة نيويورك السابق بزيارة مركزالتجارة العالمي ثلاثين مرة خلال الست والثلاثين ساعة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وكان تحت وطأة صدمة شديدة أمام مشاهد الخراب مما جعله عاجزا عن النوم، حسب قوله، وحينما حضر الرئيس جورج بوش بعد ثلاثة أيام إلى نيويورك سأله عما يمكنه أن يقدمه له، جاء جواب جولياني بنبرة قاطعة: «إذا ألقيت القبض على هذا الرجل (بن لادن) أريد أن أكون الشخص الذي ينفذ فيه حكم الاعدام».

وبعد مرور أكثر من عام على الهجمات ما زال جولياني مصرا على طلبه: «أنا ما زلت جديا في ذلك الطلب. أظن أنني الشخص المنطقي الذي يجب أن يقوم بهذا العمل كممثل لسكان نيويورك».

وخلال ثمانية أعوام عرفت بلدية نيويورك في عمدتها (السابق) جولياني شخصا حازما وسياسيا قويا لا يجامل في لغته، وقادراً على المواجهة الحادة مع خصومه السياسيين. لكن هذه الصورة للعمدة السابق قد خُففت في الآونة الأخيرة خصوصا بعد صدور كتابه «الزعامة» وهو دليل من أربعمائة صفحة خصصه للحديث عن السياسيين ورؤساء الشركات والجمعيات، ويدور حول حياته في الحقل السياسي كمدع عام سابق.

ويبدو جولياني اليوم أكثر استرخاء، خصوصاً ان سرطان البروستاتا الذي ظل يعاني منه تم التحكم فيه. وقال عمدة نيويورك السابق في مقابلة بمكتبه ان هناك احتمالا قويا أن يتزوج قريبا من صديقته جوديث ناثان. وحاليا يدير جولياني مكتبا استشاريا دوليا متخصصا في أمن الشركات التجارية، إضافة إلى إلقاء خطابات مقابل 100 ألف دولار للخطاب الواحد.

لكن جولياني القديم ما زال قادرا على التوقد: ففي المقابلة التي اجريت معه بمكتبه قال انه يتوقع العودة ثانية الى الحلبة السياسية، ورفض أن يستبعد احتمال ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية أو لمجلس الشيوخ أو كحاكم لنيويورك. ولكنه يؤكد انه لم يعد يفكر بالعودة الى موقعه السابق كعمدة لأن خليفته الملياردير الإعلامي مايكل بلومبيرغ «يقوم بمهام عمله على أحسن وجه»، على حد تعبير جولياني.

وقال عمدة نيويورك السابق: «تعلمت عدم الغاء أي خيار، وليس لدي أي فكرة عما سيجلبه المستقبل»، لكنه أقر بصحة الإشاعات التي تشير إلى أنه يطمح لأن يخلف نائب الرئيس ديك تشيني إذا سنحت ضرورة لذلك سنة 2004، أو ترشيح نفسه ضد السيناتورة هيلاري كلينتون لتمثيل نيويورك، أو ان يترشح لرئاسة الجمهورية.

وقال جولياني: «حاليا أعيش مرحلة شخصية في حياتي، لكنني أفضل في المستقبل أن أعود إلى العمل الحكومي مرة أخرى، وهذا ما أثار الإشاعات من انه قد يعيَّن وزيرا لوزارة الأمن الوطني التي ما زالت قيد الدرس».

وأينما يذهب جولياني يسأله الناس حول قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الارهاب، لكنه يظل يعطيهم رسالة حازمة: «في الوقت الذي قد ينحدر فيه ملايين الناس الى حالة من الرضا عن النفس، على الوطن أن يكون مهيئا لعمليات انتحارية أخرى. فمن السهل أن يتراجع الناس عن مساعيهم في منع الارهابيين من تكرار هجماتهم على مدن كبيرة أخرى».

وقال جولياني في هذا الصدد: «لا يعني أنه إذا سلمنا من الهجمات الانتحارية الأولى سنتمكن من تخطيها في المرة الثانية. وحراسة نيويورك عبر الدوريات في كل الأحوال أسهل من حراسة مدينة مثل لوس أنجليس فهي مكان ممتد بشكل واسع مع الكثير من الاحياء في مركز المدينة. ولذا عليك أن تفعل أفضل ما يمكن فعله».

وخلال الساعات الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر كان السؤال الأساسي الذي ظل جولياني ومساعدوه يرددونه: هل ستقوم عناصر «القاعدة» بهجوم آخر على مدينة نيويورك أو الانطلاق بعمل آخر في مكان آخر لإظهار براعتهم ولإبقاء قوات الأمن الأميركية في وضع مضطرب؟ وقال جولياني: «لا أعلم متى سيقومون بعمل آخر. لكن كمدع عام سابق تعلمت أن أضع عقلي في عقل عدوي. وأنا متأكد من أن «القاعدة» ستظل تنتظر لوقت ما ثم تقوم بعمل لم يتوقعه أحد من قبل».

وعلى الرغم من التوتر الذي عاناه بعد صدمة هجمات 11 سبتمبر الا ان جولياني يصر على أنه لم يتغير كشخص، لكن ظروف حياته تغيرت بشكل درامي. ففي صباح اليوم الذي وقعت فيه هجمات 11 سبتمبر كان جولياني في وضع شخصي مهزوز حيث كان يمر بإجراءات طلاق متسمة بالفوضى. وخلال أيام قليلة من وقوع الكارثة تحول الى «عمدة أميركا»، وأصبح السياسي الذي قاد نيويورك للخروج من مرحلة قاسية جدا لتختاره مجلة «تايم» «رجل العام».

ويتضمن كتاب جولياني الجديد الكثير من النصوص الحادة حول المعارك السياسية التي خاضها. إذ يروي كيف تمكن من إسقاط العمدة الديمقراطي الأسود ديفيد دينكنز استنادا الى مشكلة النظام والقانون في نيويورك، وعلى الرغم من ان عدد الديمقراطيين في المدينة يساوي أربعة أضعاف عدد الجمهوريين، فقد تّم انتخاب جولياني بدون مساعدة أكثر المنظمات نفوذا وقوة، وهذه تشمل اتحادات العمال مما أعطاه حرية واسعة في فرض إصلاحات جذرية على بلدية نيويورك.

ونتيجة لجهود جولياني أصبحت نيويورك متقدمة على المدن الأخرى في معدل انخفاض الجرائم الذي بلغ 70 في المائة خلال فترة إدارته، وكذلك تم تقليص حجم ما يُدفع من مساعدات اجتماعية. وكتاب «الزعامة» يقدم رواية واضحة حول الكيفية التي حقق بها جولياني ذلك. لكن البعض قد يُصدم من الأشياء التي لم يذكرها العمدة السابق في كتابه. فجولياني لم يذكر أي شيء عن أمادو ديالو، وهو بائع متجول أعزل من غرب أفريقيا قُتل بوابل من الرصاص على أيدي بعض أفراد الشرطة في الوقت الذي كان فيه جولياني في مكتبه. وأوصلت تلك الحادثة التوتر العرقي في نيويورك إلى أعلى درجاته.

كذلك لم يتطرق جولياني الى موضوع ابنر لويما، المهاجر من هايتي الذي تعرض للتعذيب في احد مراكز شرطة نيويورك.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»