قصي يقلق الأميركيين وسط معلومات عن تسلمه من والده سلطة الاشراف على أسلحة الدمار

مفتشو أسلحة سابقون اعتبرو النجل الثاني للرئيس العراقي مسؤولا عن عرقلة عملهم وإخفاء الوثائق والمعدات

TT

نادرا ما نسب الى هذا الرجل تصريح صحافي، ونادرا ما اجريت معه مقابلة تلفزيونية. وهو لم يجر من ناحيته أية مقابلة، كما انه لم يلق خطابا جماهيريا في كل حياته، فالرجل معروف بتأتأته. ويقال ان اغلب العراقيين لن يتعرفوا على هذا الرجل القصير الشحيم اللحيم لو التقوا به في احد الشوارع، مع ان اثنين ممن يعرفونه جيدا حاولا اغتياله اخيرا، حسب تصريحات صدرت عن احدى مجموعات المعارضة العراقية.

هذا الرجل هو قصي صدام حسين (36 سنة)، الابن الاصغر للرئيس العراقي. وقد برز دوره القيادي اخيرا واصبح مصدر قلق للولايات المتحدة. فهو يقود قوى عسكرية وامنية واستخبارية كبيرة الحجم. ويقول المسؤولون الاميركيون انه يدير كذلك شبكات تهريب طائلة الارباح، وذلك في خرق صريح لقرارات الامم المتحدة. واذا ادى الغزو الاجنبي الى قتل او اطاحة والده فانه سيكون المسؤول عن الاسلحة الاكثر فتكا التي يملكها النظام. ويقول تقرير صادر عن الحكومة البريطانية ان صدام ربما عهد الى قصي بادارة الاسلحة الكيماوية والبيولوجية. وكان ذلك آخر الادلة على ان قصي صار هو موضع ثقة ابيه ووريثه بعد افول نجم اخيه الاسوأ سمعة عدي صدام حسين. ويقول المسؤولون الاميركيون ان تنامي نفوذ قصي كان عاملا غير محسوب، في وقت يتأهب فيه المفتشون الدوليون للعودة الى العراق وفي وقت تعكف فيه ادارة بوش على تحديد الطريقة المثلى لاسقاط صدام. وقال احد كبار المسؤولين الاستخباريين الاميركيين من المشاركين في التخطيط لمواجهة العراق «اذا سقط صدام مبكرا، واذا انهارت بنية السيطرة والتحكم، فكيف يمكن ان يستخدموا اسلحتهم في تلك اللحظة؟ من يمكن ان يكون مسؤولا عن الضغط على الزر؟ واذا فكرنا في قصي، فانه اولا، شخص مخلص لابيه، وهو ثانيا شخص ستطاع اوامره وكأن الامر صادر عن ابيه. هناك خطط للطوارئ تصاغ حاليا وهو يلعب دورا اساسيا فيها».

وتشير التقارير الاستخبارية الاميركية والبريطانية الى ان النظام العراقي انتج بالفعل في السنوات الاخيرة اسلحة كيماوية وبيولوجية ويمكنه اطلاقها كطلقات مدفعية او كقنابل متساقطة، او يمكنه رشها فوق اهدافها او عن طريق صواريخ باليستية. ويقول المسؤولون انه يمكنه اطلاقها خلال 45 دقيقة من اصدار قرار بذلك. والسؤال هو: هل يمكن لقصي ان يستخدم هذه الاسلحة؟ يقول مفتش الاسلحة تيرانس تيلور، انه ليس متأكدا. واضاف تيلور الرئيس الحالي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية «هؤلاء ليسوا طالبان. ليسوا قوما مدفوعين بحمية دينية. هذه طغمة علمانية حاكمة تريد ان تظل متشبثة بالحكم. ولذلك فانهم سيحاولون الوصول الى حلول وسط وابرام صفقات».

لم يكن قصي معروفا بلعب أي دور في مواجهات والده العسكرية السابقة بما فيها الحرب ضد ايران في الثمانينات وغزو الكويت عام 1990 الذي ادى فيما بعد الى حرب الخليج. ولكن قصي يلم الماما تاما بالبرنامج السري للاسلحة العراقية. وكان هاربون من العراق قد ابلغوا المسؤولين الاميركيين بانه منذ منتصف التسعينات صار قصي قائدا لوحدة خاصة تتكون من الفي رجل، مهمتها عرقلة اعمال المفتشين الدوليين. ويقول هؤلاء الهاربون ان فريقا من رجال قصي يمكن ان يسبب اختناقا في حركة المرور لابطاء حركة المفتشين، بينما يذهب فريق آخر لاخفاء الوثائق والمعدات التي تورط النظام العراقي او تكشف اسراره والتي يبحث عنها المفتشون. وقال ديفيد كاي، المفتش السابق في فريق الامم المتحدة، ان قصي كان يرى دائما «في مؤخرة الصور» في كل حملات التفتيش الهامة. وقال مفتش سابق آخر طلب الا يذكر اسمه، ان قصي كان جزءا من لجنة عراقية رفيعة المستوى هي التي كانت تقرر «ما يمكن تسليمه وما يجب اخفاؤه. انه كان متورطا في ذلك حتى اذنيه».

وكان المفتشون الدوليون قد انسحبوا من العراق في ديسمبر (كانون الاول) 1998، بعد المضايقات التي تعرضوا لها. ويقول الخبراء ان سلطات قصي تزايدت بصورة درامية منذ تلك اللحظة. ويشرف قصي حاليا على الحرس الجمهوري، وهو القوة الافضل تدريبا وتسليحا في كل الجيش العراقي، وعلى جهاز الاستخبارات الخاص، المكلف بحماية الرئيس واخفاء اسلحة الدمار الشامل. ويقول المنفيون العراقيون ان جهاز الاستخبارات الخاص يراقب الاتصالات بين العراق والعالم الخارجي. واذ يتولى قصي هاتين المسؤوليتين، مضافا اليهما تعيينه اخيرا قائدا للجيش الشمالي، والذي من المفترض ان يحمي بغداد من أي هجوم كردي من الشمال، فانه يصبح متحكما من الناحية العملياتية في اقوى وحدات القوات المسلحة العراقية. ويشارك قصي كذلك في ادارة المخابرات وهي اكبر جهاز عراقي للاستخبارات العامة والامن الداخلي واكثرها اثارة للرعب وسط العراقيين. وقد اتهمت لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان، ومنظمة العفو الدولية وغيرهما من منظمات حقوق الانسان، هذا الجهاز بتعذيب المعارضين واسرهم. وزعم خالد الجنابي، عضو الاستخبارات السابق، في شهادة العام الماضي امام المفتشين التابعين للامم المتحدة، بان اعضاء ادارة العمليات الفنية اغتصبوا قريبات بعض المعارضين واستخدموا شرائط فيديو صوروا فيها عمليات الاغتصاب لضمان تعاون هؤلاء النسوة.

لقد سجل قصي حضورا جماهيريا مكثفا وسريعا في مايو (ايار) 2001، عندما انتخب الى مجلس قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، في المؤتمر الذي عقده الحزب في ذلك التاريخ. وقد انتخب عن طريق الاقتراع السري، بينما لم ينتخب شقيقه عدي. ومع ذلك فان اذاعة انتخاب قصي من التلفزيون العراقي الرسمي كانت مثار دهشة للكثيرين. ومن الواضح ان صعود نجم قصي كان نتيجة مباشرة لافول نجم اخيه عدي. وقد كان عدي الاكثر اثارة للرعب بعد ابيه. ولكنه اصيب بطلق ناري واصيب بجراح بليغة في محاولة اغتيال تعرض لها عام .1996 وعرف عن عدي (38سنة) اسلوبه التفاخري وحبه للظهور. فهو يقود سيارة بورش رياضية ويسيطر على اكثر القنوات التلفزيونية شعبية في العراق وعلى اكثر الصحف العراقية انتشارا. وهو يقود كذلك مجموعات طلابية، ونقابة المحامين ويرأس اللجنة الاولمبية العراقية. وينوي العراق الترشيح لاستضافة الالعاب الاولمبية الصيفية لعام 2012، وقد وافقت الامم المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي على تخصيص 20 مليون دولار من مبيعات النفط العراقي للشروع في تشييد استاد في بغداد يسع 100 الف متفرج. ويعرف عن عدي كذلك مزاجه الناري. وتقول مجموعات حقوق الانسان ان عدي يدير منظمة مسلحة تسمى «فدائيو صدام» قامت بقطع السنة بعض المعارضين وانها تستخدم السيوف لقتل المعارضين بعد اخذهم من بيوتهم. ويقال كذلك انه شيد غرفة خاصة للتعذيب تسمى الغرفة الحمراء، في مبنى على نهر دجلة. وهو يستخدم الضرب والجلد والغمر في مياه المجاري، لمعاقبة الرياضيين العراقيين عندما يخسرون المباريات، حسب المعلومات التي ادلى بها لاعبان من الفريق الوطني العراقي هربا من العراق. و قال جيمس وولزي، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه): «يختلف ابنا صدام في ان عدي يقتل الناس للمتعة، اما قصي فيقتلهم بطريقة عملية جدا ولخدمة اهداف محددة. واذا سقط صدام صريعا غدا اثر نوبة قلبية، فاننا لن نكون افضل حالا ونحن نتعامل مع قصي».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»