صدام يركز الحرس الجمهوري الموالي له وسط بغداد ومراقبون يعتبرون خطوته مؤشرا لقرب انهيار نظامه

TT

لا تفكر في عاصفة الصحراء. ولا تستمد اي دروس من حرب الخليج عام .1991 المخططون الاستراتيجيون الاميركيون والعراقيون يعدون لنوعية جديدة من الصراع. فهذه المرة يمكن ان توقع عملية «عاصفة المدن». المسؤولون العراقيون يحذرون من ان العراق سيخلق «فيتنام جديدة» للقوات الاميركية بإجبارهم على القتال في المدن. فعدد من كبار المسؤولين العراقيين يوضحون للزوار القادمين من الغرب «اننا سنجعل شوارعنا غابات، ومبانينا مستنقعات».

والهدف هو جر القوات الاميركية الى حرب مدن «لاعادة اكبر عدد من الاميركيين لوطنهم قتلى»، حسب واحد ممن زاروا العراق اخيرا. وكان طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي قد تعهد «بمعارك عنيفة ستعاني خلالها الولايات المتحدة خسائر لم تلحق بها من قبل». وتجدر الاشارة الى انه خلال حرب الخليج عام 1991 في الصحراء المفتوحة كانت الدبابات والطائرات الاميركية تضرب المدرعات العراقية بلا تدخل، كما تحركت البلدوزرات الاميركية على جبهة القتال، وكانت تدفن القوات العراقية في خنادقهم. اما هذه المرة فتريد بغداد الرد على ذلك بجر القوات الاميركية الى حرب مدن.

يقول شون بيون وهو خبير في الشؤون العراقية يعيش في ايرلندا «ان انسحاب القوات العراقية الى المدن سيجعل من الصعب على القوات الاميركية القتال». واذا دخلت القوات الاميركية المدن فإن الضحايا بين المدنيين ستكون كبيرة». وقد بدأت بغداد بالفعل في الاستعداد لمثل هذه العمليات. ويشير الخبراء الذين هم على علم بطريقة تفكير كبار المسؤولين العراقيين الى ان «كل بلدة ومدينة ابتداء من البصرة في الجنوب الى بغداد تم تحسينها». كما تم الغاء مركزية القيادة واصبحت السيطرة الآن في يد مجموعات من الضباط الذين يتمتعون بالثقة في جميع المناطق.

كما تجري القوات المسلحة تخزين الاغذية والوقود والاسلحة وينوي العراقيون اعلان الاحكام العرفية لنشر القوات في الشوارع «فور بدء القصف» طبقا لمصدر غربي. ويقال انه تم تشغيل 10 هوائيات للارسال «للحفاظ على تدفق الاتصالات». وتجدر الاشارة الى انه في السنوات الاخيرة، تم ربط اجهزة الدفاع الجوية بعضها ببعض عبر شبكة كوابل من الالياف البصرية الصينية لضمان استمرار الاتصالات حتى خلال القصف. غير ان المخططين الاميركين على وعي بالتحركات العراقية، ويعدون وسائل للتغلب على خطط الحرب المدنية العراقية. وهم لا يخفون ان حرب المدن هي كابوس بالنسبة للقوات الاميركية الذين اثبتوا من معارك فيتنام الى الصومال، ان خوض حرب الشوارع ليس من نقاط قوتهم.

وخلال مناورات اخيرة في كاليفورنيا قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، ان قوة من 980 من قوات مشاة الاسطول الحاصلة على تدريبات خاصة، حققت النجاح بعد معاناة دامية وهي تحاول طرد 160 من «جنود الاعداء» وفقدت 100 من قواتها. وفي الصومال في عام 1993 تحولت غارة في قلب مقديشو الى معركة استمرت 15 ساعة ـ تعتبر الاكثر شراسة منذ فيتنام ـ وادت الى مقتل 18 اميركيا وانسحاب اميركا من الصومال. واوضح اندرو كربينفيتش، وهو مخطط عسكري اميركي متقاعد يرأس مركز التقييم الاستراتيجي والميزانية في واشنطن «هذا هو ما يقلق كبار الجنرالات الاميركيين». ولكنهم يعتقدون انه اذا تمكنت من التحرك بسرعة، واذا تمكنت من خلق قوة الدفع للانهيار «فلن يمكن تطبيق خطط تحويل المدن الى مناطق قتال، لان النظام سيبدأ في الانهيار». واضاف ان المخططين الاميركيين يهدفون الى منح الوحدات العراقية البديل «اذا تمكنت من صدمهم بقوة في البداية، فربما يتغلب الخوف من الاميركيين على الخوف من عصيان اوامر القائد الذي سيتم اقصاؤه».

واوضح كربينفيتش ان القوات العراقية ربما تبدأ في الانهيار، بنفس الطريقة التي انهار بها جيش فيتنام الجنوبية، عندما تبين لهم أنه يمكننا القتال بشراسة، ولكن من المحتمل اننا سنخسر». والعراقيون لا يحتاجون حتى للتفكير ـ فهم يعرفون انهم سيخسرون وان صدام سيتم الاطاحه به. وقال الجنرال جون هوار خلال إفادة ادلى بها أمام «لجنة القوات المسلحة» التابعة لمجلس الشيوخ، ان حسابات بغداد قائمة على اساس ان الضحايا المدنيين سيضعفون موقف الولايات المتحدة، كما حذر من المخاطر المحتملة على القتال للسيطرة على بغداد التي يقطنها حوالي 4.8 مليون نسمة. واشار الجنرال هوار الى ان «السيناريو الكابوس» يتمثل في احتمال اصطفاف عدة وحدات عسكرية عراقية للدفاع عن العاصمة بغداد تدعمها آلاف القطع من المدفعية المضادة للطائرات. واشار كذلك الى ان عدد الضحايا سيصل الى آلاف على الجانبين بالاضافة الى المدنيين، مؤكدا ان القوات الاميركية ستكسب في نهاية الامر. لكنه طرح تساؤلات حول «ثمن الخسائر في الارواح وسط الاميركيين وثمن وقوف العالم متفرجا فيما تكسب الولايات المتحدة الحرب وتخوض جولات عسكرية في الأحياء العراقية المكتظة بالسكان».

ويعتقد محللون ان الغزو الاميركي ستسبقه في الغالب حملة جوية على مدى عدة اسابيع تستهدف مراكز السلطة التابعة للنظام العراقي مثل الاستخبارات واجهزة الامن والقصور الرئاسية والوحدات العسكرية الخاصة. كما يرى المحللون ايضا احتمال تجنب القوات الاميركية ضرب جزء كبير من الجيش العراقي، الذي يتكون الى حد كبير من المجندين، وجزء من الحرس الجمهوري، املا في تمردهم على صدام حسين او امتناعهم عن القتال على الاقل، مثلما حدث في حرب الخليج الثانية عندما استسلم عشرات الآلاف من الجنود العراقيين. ويعتقد بعض الخبراء ان مسألة ولاء القوات العراقية امر غير معروف حتى الآن لدى الجانبين رغم ان هناك بعض المؤشرات الواضحة إزاء بعض الجوانب. ويعتقد بوين ان الطريقة التي ينشر بها صدام قواته تشير الى عدم ثقته في ولاء المجندين العاديين وفي الجيش. وحدات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد تلعب في ما يبدو دور المراقب على القوات المسلحة العادية. وحتى وحدات الحرس الجمهوري هذه غير مسموح لها بدخول وسط بغداد حيث تتمركز مجموعة اخرى من الحرس الجمهوري موثوق فيها. ويقول مراقبون ان تركيز قوات الحرس الجمهوري في منطقة وسط بغداد ربما يعني اقتراب نهاية النظام. والعديد من العراقيين الذين وصلوا الى الاردن في الآونة الاخيرة ذكروا لوكالة الصحافة الفرنسية أن موظفي الخدمة المدنية اجبروا على إعطاء وعود بعدم مغادرة مكاتبهم عند بداية القصف. وقال واحد من هؤلاء ان السلطات وزعت السلاح على الموالين لها وأجبرتهم على القسم على المصحف الشريف بأن يقتلوا العدو اذا رأوه في الشوارع او في البيوت او الافنية. ويرى كريبينيفيتش ان معنويات الجيش العراقي محل تساؤل وشكوك، ويتوقع ان يكون السيناريو الغالب الحدوث هو سعي الجنود العراقيين للتخلص من زيهم العسكري والبحث عن زي مدني وليس الاستبسال في الدفاع عن بغداد.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»