مستقبل أحزاب اليسار المغربية رهين بموقف «الاتحاد الاشتراكي»

اتصالات بعضها مستمرة مع حزب «القوات الشعبية» وعينها على الحكومة المقبلة

TT

توقف المراقبون امام اقتصار الاستقبال الذي خصصه العاهل المغربي الملك محمد السادس أخيرا لزعماء الأحزاب السياسية، على الأحزاب الستة المتصدرة لنتائج اقتراع يوم 27 سبتمبر (ايلول) الماضي، ولم يشمل الاستقبال زعماء 16 من الاحزاب المتبقية والتي تتجاوز مقاعدها مجتمعة في مجلس النواب المغربي الجديد 100 مقعد أي أقل من ثلث المقاعد.

وفيما أظهرت أحزاب تكتل «الوفاق الوطني» وبعض احزاب عائلة «الحركة الشعبية»، نزوعها نحو المعارضة، تتركز الأنظار على الاتجاه الذي ستفي فيه أحزاب اليسار «الصغيرة» التي حصلت مجتمعة على 32 مقعدا، اذ بات وضعها معلقا على قرار إدماجها أو عدم إدماجها من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (49 مقعدا) في حالة تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، لا سيما أن أحزاب اليسار وضعت نفسها منذ فترة في خندق «مواجهة الاسلاميين» وربما ساهم ذلك في اذكاء الخلافات بين الاتحاد الاشتراكي والاسلاميين، الذين أصبحوا قوة سياسية لا يمكن تجاهلها في المستقبل.

وفسرت مصادر سياسية اسراع زعيمي حزبي «التقدم والاشتراكية» و«الاشتراكي الديمقراطي» اللذين خسرا في الانتخابات الاخيرة، ولم يحصل حزبيهما إلا على حصة متواضعة جدا من مقاعد مجلس النواب، بزيارة عبد الرحمن اليوسفي الوزير الأول الحالي وأمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إثر إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بأنه محاولة للتعلق بتلابيب الحزب الذي تصدر نتائج الاقتراع. رغم التفسير الذي قدمه الزعيمان الحزبيان لزيارتهما لليوسفي بأنه يأتي «في إطار عيادة اليوسفي بمناسبة إزالة الجبس من يده التي تعرضت لكسر قبل أشهر».

وكان بيان مشترك صادر عن حزبي «التقدم والاشتراكية» و«الاشتراكي الديمقراطي»، في أعقاب الانتخابات التشريعية، قد دعا إلى بناء «تكتل حداثي ديمقراطي واسع وتفعيل إصلاحات عميقة وتغيير أوضاع البلاد».

وتباينت آراء القيادات السياسية في أحزاب اليسار الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» حول مستقبل تحالفات هذه الاحزاب، ومسألة مشاركة الإسلاميين في الحكومة المقبلة. وقال عبد الله ساعف، وزير التربية والتعليم الحالي، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الديمقراطي (6 مقاعد) إن «العلاقة بين حزب الاتحاد الاشتراكي وباقي مكونات اليسار، اختيار استراتيجي لأن الاتحاد الاشتراكي يشكل محورا مركزيا لقوى الاصلاح في البلاد».

وقال ساعف لـ«الشرق الأوسط» إن «العمل السياسي يحتمل كل شيء ممكن، بدءا بجبهة موحدة لليسار الى الكتلة الديمقراطية، وصولا إلى تحالفات مفتوحة، ولكن المنطق السياسي الأكبر والسياسة الواقعية يفترضان أن تتكتل جهود كل القوى على ضرورة وامكانية الاصلاح والتغيير، كل من موقعه وامكانياته والزوايا التي يمكنه أن يركز عليها جهوده». وأبرز ساعف أن «الاتحاد الاشتراكي بدأ تجربة تنسيق جهود أحزاب اليسار، وهنالك نتائج ملموسة لهذا الاتجاه، وهو ما يقتضي احداث مزيد من التراكمات الايجابية في هذا الاتجاه.

وفي رده على سؤال حول مشاركة الاسلاميين، قال ساعف إن «هنالك يسار ويسار وهنالك يمين ويمين»، موضحا أن «أولى منطلقات التفكير داخل اليسار وضمنها الاتحاد الاشتراكي، بدأت بفكرة «الكتلة التاريخية» التي طرحت قبل تشكيل تجربة حكومة التناوب. وكان مطروحا في اطارها توحيد القوى الوطنية بما فيها الاصلاحيون الذين يلحون على مرجعيتهم الدينية». وأضاف ساعف أنه «من غير المناسب أن تنطلق الممارسة السياسية التي تطمح لاصلاح أوضاع البلاد، من افتراض تناقضات وكأنها أبدية ولا رجعة فيها، بينما نحن ندرك أن ميادين الاصلاح واسعة بما فيه الكفاية لاستيعاب كل المشاريع التي يطمح اليها دعاة الاصلاح، دون أن نضع أحكاما مسبقة حول علاقتهم بالمرجعية الدينية، رغم ان الثقافة السائدة لدى الفاعلين السياسيين وطبيعة الخارطة السياسية المنبثقة عن الانتخابات، قد لا تكون متبلورة في هذا الاتجاه بالشكل المناسب».

واعتبر ساعف ان «مصلحة البلاد تقتضي أن لا نسجن بشكل أبدي في تموقعات محكومة باعتبارات سياسية ضيقة لا تتجاوز أحيانا الاعتبارات الرقمية في احتساب الغالبية المساندة أو المعارضة للحكومة».

ومن جهته، قال التهامي الخياري، أمين عام جبهة القوى الاشتراكية (12 مقعدا)، ووزير الصحة الحالي، ان نتيجة الاقتراع زكت عمل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، والتحالف الذي ساندها خلال خمس سنوات.

وأوضح الخياري ان تصويت الناخبين كان لفائدة الاستمرار في الاصلاحات وليس العكس، وبالتالي فانه من الطبيعي الاستمرار في تحالف شبيه بالتحالف القائم وهو أمر مرتبط بقرار الملك محمد السادس بشأن تعيين الوزير الأول الجديد أي ان شخصية الوزير الأول المقبل والحزب الذي سيقود الحكومة، هو من سيرسم التحالفات المستقبلية.

واكد الخياري لـ«الشرق الأوسط» ان حزبه مستمر في اتصاله مع «الاحزاب التقدمية»، وبالدرجة الاولى مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وتحدث الخياري عن موضوع مشاركة الاسلاميين في الحكومة المقبلة بتحفظ. وقال «إنه سابق لأوانه»، معتبراً ان «المدخل والمحك الأساسي الذي يفترض أن تتشكل على أساسه الغالبية المساندة للحكومة المقبلة في حالة قيادتها من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو الانطلاق من برنامج حداثي للمغرب».

وقال خالد الناصري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (11 مقعدا)، إنه «لا خيار أمام أحزاب اليسار سوى الاستمرار في توحيد جهودها»، مشيرا الى ان «الحصة المتواضعة نسبيا التي حصلت عليها هذه الأحزاب كانت نتيجة اشكالات تنظيمية داخلية ونخبوية في اساليب العمل واحجام فئات واسعة من المواطنين عن المشاركة خاصة في أوساط الطبقة الوسطى».

وقال الناصري لـ«الشرق الأوسط» ان احزاب اليسار مدعوة لرفع وتيرة ومستوى التنسيق في ما بينها لأنها متفقة حول مشروع مجتمعي قائم على الحداثة والتقدم الاجتماعي، معتبرا أنه في حالة مشاركة القوى التقدمية الأخرى في الحكومة وخصوصا الاتحاد الاشتراكي، فإنه لا يتصور مبدئيا أن أحزاب اليسار ستكون في المعارضة وموقعها الطبيعي سيكون في التحالف مع الاتحاد الاشتراكي.

وذكر الناصري أن التحالف مع الاسلاميين في حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي لن يكون أمرا طبيعيا، بالنظر للخلافات الجوهرية بين الطرفين حول المشروع المجتمعي.

واقترح الناصري على حزب الاستقلال، تحكيم منطق «الكتلة الديمقراطية» وان يتجه للتكتل مع الاتحاد الاشتراكي في حالة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.

ومن جهته، قال محمد بن سعيد آيت يدر، الرئيس الشرفي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد (3 مقاعد) لـ«الشرق الأوسط»، ان اهتمام حزبه منصب الآن بعد الانتخابات على مواصلة جهوده لتوحيد فصائل اليسار الجذري، مشيرا الى حزب الطليعة الاشتراكي ومجموعات اليسار الجذري التي لم تندمج في العملية السياسية.

وعزا بن سعيد تواضع نتائج حزبه الى استغراق جهوده طيلة السنة الماضية في توحيد الفصائل التي اندمجت مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إضافة لمسألة احجام عدد من المواطنين عن التصويت. لكنه أشار الى أن حزبه استفاد اعلاميا وسياسيا من التجربة الإنتخابية، ولم تؤثر فيه النتائج السلبية التي حصل عليها.

وقال بن سعيد ان الانتخابات أظهرت فرزا سياسيا على أساس التوجهات، وبدأت تعطي خريطة حقيقية بعد أن كانت مصنوعة، مضيفا ان التحالفات بالنسبة لحزبه مفتوحة في إطار الديمقراطيين الذين يتفقون معه سياسيا وآيديولوجيا، وان توحيد قوى اليسار الجذري هي الاطار لتكتل القوى التقدمية والديمقراطية.

وقال بن سعيد ان موضوع الحكومة لم يطرح على حزبه حتى الآن، وإذا طرح عليه فسيعطي وجهة نظره، موضحا قوله «ما زلنا نعتقد أن الحكومة التي ستأتي ستكون استمرارا لسابقتها في انتظار حدوث تعديلات دستورية باتجاه توسيع صلاحيات للحكومة والبرلمان». وأشار بن سعيد الى أن حزبه لا يضع مسألة المشاركة في الحكومة المقبلة ضمن أولوياته، بل يركز على استراتيجية توحيد قوى اليسار لمواجهة التحديات، والمطالبة بإحداث تغييرات، وإصلاح دستوري. واعتبر بن سعيد ان تقدم حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال أمر ايجابي ويعطي فرصة لتطوير مطالبنا الدستورية والسياسية لتغيير الأوضاع في البلاد، وفتح المجال للفئات التي لم تندمج بالدخول في المسار الديمقراطي.