البرازيليون يختارون رئيسهم الجديد غدا وتوقعات بفوز الزعيم النقابي «لولا»

TT

يأتي لويز ايناسيو (لولا) دا سيلفا، رئيس «حزب العمال» البرازيلي والحاصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في اعوام 1989 و1994 و1999،في مقدمة اربعة مرشحين في الانتخابات البرازيلية التي تجري غدا (الاحد)، اذ ترجح نتائج استطلاعات الرأي احتمال حصوله على نسبة 50 في المائة من الاصوات ليفوز بانتخابات الرئاسة، ويتجنب بذلك خوض جولة ثانية في 27 اكتوبر (تشرين الاول) الحالي.

لويز ايناسيو دا سيلفا، ماسح الاحذية السابق الذي يتحدر من منطقة شمال شرقي البرازيل المعروفة بتفشي الفقر، خاض رحلة شاقة لإنجاز ما وصل اليه الآن. ولكن بسبب عدم اكماله الدراسة الثانوية وافتقاره الى الخبرة في مجال الادارة العامة، يتساءل الكثيرون حول قدرته على ادارة تاسع اكبر اقتصاد في العالم. ولكن اذا تمكن دا سيلفا، الملقب بـ«لولا»، من الفوز بمنصب الرئاسة في بلد يواجه احتمال حدوث كارثة اقتصادية، فإن المراقبين يعتقدون ان فوزه سيكون بمثابة محك حقيقي لتفانيه وجديته وقدرته على التطور بمرور الزمن، وامانته التي يرى الكثيرون في البرازيل انها اكثر اهمية من سياسته. يقول كينيث ماكسويل، مدير برنامج اميركا الجنوبية بمجلس العلاقات الخارجية الاميركية والخبير المعروف في الشؤون البرازيلية، ان لويز ايناسيو دي سيلفا استفاد من فشله السابق شأنه شأن «حزب العمال» الذي يقوده. فالحزب عكف خلال العقد السابق على تحديث ايديولوجيته واصبح جزءا من تيار الوسط، كما ان انتخاب اعضاء الحزب خلال فترة العقدين السابقين لتولى مسؤوليات محلية وقومية، يعني توصل الحزب الى ان الاخلاص والامانة في الادارة اكثر اهمية من الشراكة غير المجدية. تجربة «حزب العمال» في ادارة خمسة ولايات وسبع من عواصم ولايات البلاد، بما في ذلك ساوباولو اكثر المدن ازدحاما بالسكان في نصف الكرة الغربي، ساعد الحزب وزعيمه لولا دا سيلفا في تنظيم اقوى حملة لانتخابات الرئاسة حتى الآن، فضلا عن ان دا سيلفا بدا اكثر انضباطا واعتدالا مما سبق، ونجح في كسب تأييد اصحاب الاعمال ورجال الدين والمعارضين السابقين وحتى بعض رموز المؤسسة العسكرية التي اودعته السجن خلال حقبة الحكم الديكتاتوري. وعلى الارغم من ان جملة الدين الخارجي على البرازيل وصلت الى 240 مليار دولار اميركي، فإن زمن تهديدات لولا دا سيلفا بالامتناع عن سداد الديون الخارجية قد ولى، وكذا التهديد بفرض نسبة ضرائب عالية على الاغنياء. حتى لحيته الكثة باتت مشذبة الآن، كما بات يرتدي البدلات الانيقة بدلا من الفانلة «تي شيرت» وقبعة البيسبول. فالزعيم النقابي المتشدد السابق اصبح الآن سياسيا جذابا الى درجة ان وسائل الإعلام البرازيلية باتت تطلق عليه «لولا السلام والحب».

بذل دا سيلفا قصارى جهده لإرضاء كل الاطراف، فقد حاول استرضاء «وول ستريت» بإبداء التزامه بمكافحة التضخم والإبقاء على فائض ميزانية تبلغ نسبته 3.75 بالمائة من اجمالي الناتج المحلي، مع الالتزام بشروط القرض الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي في الآونة الاخيرة. ووافق دا سيلفا حتى على التجارة الحرة شريطة موافقة الدول الغنية على إزالة الحواجز من اسواقها. وعلى الصعيد المحلي ظل دا سيلفا يركز على تقليص التفاوت العميق ووعد بتوفير 10 ملايين وظيفة ومضاعفة القوة الشرائية لأصحاب الدخول المحدودة، وتحسين مستوى المعيشة لثلث سكان البلاد (175 مليون نسمة) في ظل الانتشار الواسع للفقر. ويصر دا سيلفا على ان التغييرات التي مر بها هي نفس التغييرات التي مر بها المجتمع البرازيلي، اذ علق قائل: «الصحافة تغيرت واصحاب الاعمال تغيروا والثقافة تغيرت والكنيسة تغيرت والاحزاب السياسية تغيرت، فإذا لم تشملني موجة التغيير هذه كنت سأتخلف بالتأكيد».

اذا كان هناك شيء واحد لم يتغير منذ خوضه انتخابات الرئاسة عام 1989، فهو تركيز الحملة الانتخابية على قضايا محددة، فعلى الرغم من ان نتائج استطلاعات الرأي ظلت تشير بانتظام الى قلق الناخبين إزاء نقص الوظائف والقوة المتزايدة للجريمة المنظمة، فإن التضخم والديون الخارجية وقيمة العملة لا تزال قضايا رئيسية في الجدل السياسي. لا يثق كثيرون في مقدرة دا سيلفا على ادارة اقتصاد البلاد بنفس المهارة التي يديره بها الرئيس الحالي فيرناندو هينريك كاردوسو، اذ تعتقد غالبية الناخبين ان وزير الصحة الحالي، خوسيه سيرا، هو انسب من يمكن ان يشغل منصب الرئيس، الا ان افتقاره للجاذبية الشخصية يعتبر عاملا مهما وحاسما لدى الناخبين مقارنة بآدائه وكفاءته. ولكن اذا اراد سيرا، الذي قرر دخول السباق الرئاسي قبل بضعة اسابيع فقط، التفوق على دا سيلفا فعليه تحقيق معجزة سياسية اذا اخذنا في الاعتبار الشعبية الواسعة التي يتمتع بها دا سيلفا في الوقت الراهن. من اكثر الجوانب المثيرة للاهتمام في السباق الحالي رغبة سيرا في النأي بنفسه عن حكومة كاردوسو. ويقول محللون ان النقص في الوظائف وانخفاض قيمة العملة وعدم قدرة كاردوسو على محاربة الفساد ومهربي المخدرات، الذين اغلقوا الاسبوع الماضي اجزاء كبيرة من ايبانيما وكوباكابانا الى جانب 40 من احياء ريو دي جانيرو الاخرى، يرى سيرا ومرشحون آخرون انه من المهم النأي بأنفسهم عن حكومة فشلت في حل المشاكل اليومية التي تواجهها غالبية البرازيليين.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتر» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»