طائرة تعيد الى القاهرة «قنبلة موقوتة» اسمها كاميليا أنور السادات

TT

كاميليا، صغرى 4 بنات للرئيس المصري الراحل، أنور السادات، من زوجته الأولى احسان محمد ممدوح اقبال، تعود اليوم الى القاهرة التي أبصرت فيها النور قبل 12 يوما من طلاق أبيها لوالدتها منذ 53 سنة، منها 21 عاما أمضتها الى الآن في بوسطن، بولاية ماساتشوستس الأميركية، لذلك تحدثت اليها «الشرق الأوسط» بالهاتف قبل ساعات من السفر، لعل وعسى تروي ما كان مجهولا، عنها أو عن الأب الرئيس الذي تذكر أنه «أقنعها» بالزواج من ضابط في الجيش المصري وهي بعمر 12 سنة «فكتبنا الكتاب بعد «اضافة» أربع سنوات على تاريخ الميلاد ليصبح تزويجي قانونيا. أما العقد فوقعه أشهر شاهدين في مصر ذلك الزمان: جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر» كما تقول.

كاميليا السادات كانت نجمة ثقافية واجتماعية متألقة أينما حلت بها الرحال بين الأميركيين وفي الخارج، منذ تركت القاهرة في 1981 لتتخرج من جامعة بوسطن بمادة الاعلام التي سبق أن درستها في جامعة القاهرة.. كانت شهيرة ومحدثة لبقة ومحاضرة، يدفعون لها 20 وأحيانا 30 ألف دولار عن المحاضرة الواحدة. وكانت أستاذة جامعية وداعية سلام بين العرب والاسرائيليين، أسست لدعوتها مركزا باسم والدها الرئيس المصري الراحل قتيلا في 1981 خلال عرض عسكري بالقاهرة. الا أن المركز بلا أي نشاط منذ سنوات، بل كل نشاط كان في كاميليا تقلص وذوى، لأن مرضا عصبيا تبرعم في خلايا دماغها فجأة قبل 10 سنوات، وعبث بها فشلها عن التناغم، ففقدت الكثير من مخزونها العقلي، وراحت تترنح من نوبات شبيهة بما يحدثه الصرع تقريبا «بس ما كانش صرع أبدا، إنما نوبات شبيهة» وفق تعبيرها.

وحملت النوبات كاميليا الى علاج مكلف، والى مستشفى خضعت فيه لعملية في 1993 بالمخ، لكنها لم تنجح كما ينبغي، لذلك واجهتها مضاعفات وصعوبات على كل صعيد، فابتعدت عن الناس، وخسرت البيت الذي كانت تملكه هناك، بعد أن رهنته لدفع تكاليف العلاج ولم تسدد ما اقترضت.

ثم استأجرت كاميليا شقة من 7 غرف ببروكلين في نيويورك، وهناك أقامت معها مضاعفات المرض، ولم تدع لها قوة لتكسب المال وتدفع، فطردوها منذ عامين من الشقة، لعدم قدرتها على تسديد الايجار وتوابعه الكثيرة، لأنها خسرت وظيفتها ككبيرة الأساتذة طوال 8 سنوات في كلية بينتلي بجامعة بوسطن، ثم أعلنوا افلاسها، وفوق ذلك كله تكاد تخسر الآن آخر ما تملكه من الماديات، وهي مفروشات فاخرة اشترتها على مراحل بأكثر من 100 ألف دولار، ومودعة لدى شركة تطالبها بحوالي 13 ألف دولار عن تخزينها في أحد مستودعاتها، والا باعتها الشركة بالمزاد، لذلك فكاميليا حزينة طبعا «لأن بين المفروشات أشياء نادرة وغالية على قلبي.. فيها صور للوالد ما حدش شافها لسه.. واحدة منها وهو لابس نظارة، وبزجاجها انعكست قناة السويس يوم افتتاحها الأول بعد حرب أكتوبر.. عندي كمان القلم اللي وقع به معاهدة السلام في كامب ديفيد مع مناحيم بيغن، وعندي تمثال له نصفي من البرونز، وهو جميل ورائع، وعندي وعندي، ويا خسارة تضيع الحاجات دي، مش كده برضو» على حد ما تقول من مأوى للعجزة في بوسطن.

كاميليا السادات، التي أصدرت في 1985 كتاب «أنا وأبي» بالانجليزية، تعيش في ما لا يحسدها عليه أحد منذ عامين: راتب لا يزيد على 650 دولارا في الشهر تدفعه لها هيئة الخدمات الاجتماعية بالمدينة، ومعه الاقامة في بيت تخصصه حكومة الولاية للعجزة والمعتلين والمعتوهين، ممن فجأها أحدهم ليلا في احدى المرات واندس في سريرها، محاولا اغتصاب الابنة الأكثر شبها بأنور السادات، بين أبنائه من مطلقة وزوجة، أصبحتا أرملتين بعد رحيله المفاجئ.

وتصف كاميليا اللحظة التي علمت فيها بمقتل والدها بعصيبة ومربكة للذهن «فقد كنت يومها في بوسطن، وبالكاد كنت وصلت اليها قبل أسبوعين تقريبا من حادثة الاغتيال. وكنت أعيش هناك باسم كاميليا محمد، وقلة كانت تعرف أنني ابنة السادات، فجاءني رجال من مكتب المباحث الفدرالي (إف.بي.آي) وجلسوا بقربي، وبعد قليل استعرضت فيلم فيديو معهم وهم صامتون، وفوجئت بصور العرض العسكري.. رأيت شاحنة يترجل منها جنود ليقتلوا أبي بالرصاص على مرأى من العالم» كما تقول.

الا أن كاميليا لم تخسر الى الآن شيئا مهما، هو روح الدعابة، فهي مرحة في كل ما تقول، حتى ولو تذكرت الماضي التعيس البعيد، والحاضر البائس حاليا، وهي تقول: «أنا ما كنتش سعيدة أبدا في حياتي، بس أنا بحب السلام، وما بحبش اتخانق مع حد. ومش حتخانق مع حد في القاهرة.. أنا رايحة هناك علشان أزور والدتي. دي عمرها 85 سنة ومريضة. كمان عايزة أطالب بالمعاش، فلي راتب شهري 287 جنيه مصري، ومن زمان ما حصلتش على حاجة، والعلاج مكلف، يا دوبك أقدر أدفع» بحسب تعبيرها.

وتذكر أن القنصلية المصرية في نيويورك هي التي دفعت لها قيمة تذكرة العودة بالطائرة اليوم، وأن الحكومة المصرية لم تساهم في علاجها الا بمبلغ 30 ألف دولار، والوالد لم يترك لها «غير ساعة «بياجيه» بيضاوية وجميلة ومطرزة بالماس.. دي هايلة وجميلة».

* بعتها؟

- دي تمنها أكثر من مليوني دولار.. رهنتها عند واحدة أميركية، بس رجعتها تاني، وبعديها اتسرقت.. سرقوها اولاد الحرام.

* من سرقها؟

- اللي سرقتها هي واحدة ست، مش حاذكر اسمها دلوقت، هي بتعرف نفسها.

* من أين لوالدك كل هذا المال ليشتري ساعة بمليوني دولار؟

- كان الرئيس السادات يتلقى هدايا كثيرة، والساعة جاءته هدية من شخص لا أعرفه حقيقة.. دي ساعة هايلة وجميلة، ما فيش زيها.

* من كان الضابط الذي تزوجك وأنت بعمر 12 سنة؟

- كان ابن لواء سابق بالجيش، لكني لا أريد أن أذكر اسمه. هذا الاسم يزعجني حقيقة، فقد عشت معه كأنني في الجحيم، ورزقت منه ابنتي الوحيدة، اقبال.. عمرها الآن 37 سنة، وتعيش في بوسطن، وهي مدير عام لمكتب محاماة أكبر شركة تأمين، وتتقاضى أكثر من 70 ألف دولار في السنة، بس أنا ما شفتش منها ولا مليم.. تركتني أواجه مصيري بمفردي.

* ألم تتزوجي بعد الطلاق؟

- تزوجت وأنا بعمر 26 سنة من شاب سوري، تعرفت اليه في بيت الفنان يوسف وهبي، الله يرحمه، واسمه نادر بايزيد.

* ليس في سورية هذه العائلة يا كاميليا، فكيف ذلك؟

- ده ما كانش سوري حقيقة. كان من حضرموت، من اليمن أصلا. والزواج لم يستمر أكثر من عامين على أي حال، فقد انتهى بالطلاق ومن دون أولاد، وما اعرفش هو عايش فين دلوقت.

* لماذا هذا الطلاق السريع؟

- من الحسد والغيرة والتدخل.. الست جيهان لم تكن تطيق رؤيته يشتري أحلى الحاجات والهدايا والمجوهرات يحملها لي من أوروبا وغيرها، فكانت تؤثر في الوالد، والوالد كان يضغط، حتى تم الطلاق من كترة القرف.

* يبدو أن بينك وبين أرملة والدك الثانية ثارات قديمة.

- ليست هناك ثارات، أنا لا أحب الخناقات، وأرغب التعامل مع الناس بسلام. ولكنها حقيقة يجب أن أذكرها.

* وابنتك اقبال، لماذا تتخلى عنك أيضا؟

- يا حبيبي، إنت ما تقدرش تتحكم بالأعمال الوراثية. دي أبوها مجنون، وكان حامل ماجستير بالاحباط.. كان بيضربني، وأخوه كان مجنون ومات بالقميص، عايزني أعمل إيه، دي قسمتي.

* لماذا قام والدك الرئيس بتزويجك وأنت طفلة تقريبا؟

- كان يرغب بالزواج من الست جيهان، وهي كانت تضغط عليه كما يبدو، باعتبار أن راتبه لم يكن يغطي مصاريفه العائلية، وأنت تستطيع استنتاج الباقي.

* لا أحد ضغط عليه ليتزوج ثانية. تلك كانت رغبته.

* هي ضغطت عليه، وكانت تقوم بأعمال سحر لتسيطر على عواطفه، وهذه كلها بشهادة القاضي عبد الرحمن الارياني، اسألوه، فقد ذكر لي أنها كانت تسافر الى اليمن لتقوم بأعمال سحر لتسيطر عليه من جانبها هناك . وهي على أي حال لم تكن تعرف الطبخ، وفي احدى المرات اخترع والدي نكتة عنها.

* أي نكتة؟

- ده أبويا، الله يرحمه، كان بيقول إنه طلب منها أن تطبخ له معكرونة في احدى المرات، فقامت ونقعتها بالمية، علشان تبتل وتشوفها طرية في اليوم التاني.

* يبدو أنك قنبلة موقوتة وزيارتك ستلهب العاصمة المصرية.

- أنا كما قلت، لا أحب الخناقات ولا القال والقيل. ولو دعتني الست جيهان لشرب فنجان قهوة فلن أتردد. أريد العيش بسلام لي وللجميع، وبلاش خناقات. وتذكر كاميليا، التي زارت اسرائيل مرتين وما زالت الى الآن تتنقل بجوازها الدبلوماسي ورفضت الحصول على الجنسية الأميركية «لأنني لا أرغب في وضع اسم أنور السادات على أي وثيقة هوية غير مصرية». انها قصيرة ونحيفة، فطولها لا يزيد على متر و55 سنتيمتراً، ووزنها على 47 كيلوغراما، وأنها معتلة من أمراض متنوعة تربك حياتها «فأنا يا دوبك أقدر أمشي من دون عصا.. عندي مرض شرايين، وعندي روماتيزم، وعندي بالمخ، وعندي أوجاع بالظهر، وعندي وعندي.. بس أنا سعيدة، وعايشة بوئام مع نفسي، ومتسامحة فوق ما تتصور» كما تقول.

وتذكر أن تسامحها لا حدود له، لذلك صافحت في احدى المرات الرجل الذي رفع يده اليمنى بشارة النصر وقال: «قتلناه.. قتلنا الخائن العميل» بحسب تعبيره قبل 20 سنة يوم سألوه في بيروت عن اغتيال والدها.

ذلك الرجل، لم يكن سوى رئيس السلطة الفلسطينية الآن، وموقع اتفاق أوسلو مع اسرائيل بعد سنوات من مقتل السادات: ياسر عرفات.