السياسي السوداني نقد الله لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق ماشاكوس خطوة وليس حلاً وسينهار إذا لم يستصحب المشاركة الجماعية

TT

يعد الأمير الحاج نقد الله (58 عاماً) في عداد قلة من السياسيين السودانيين الذين يتعدى التقدير لهم بكثير نطاق حزب الأمة الذي يشغل فيه امين الاتصال والتنسيق اضافة الى عضوية مكتب القيادة والمكتب السياسي. أسباب التقدير انه، وبقراءة صحيفة «الأداء السياسي» بين اكثر السياسيين معارضة لنظام الانقاذ منذ يونيو (حزيران) 1989، ومن اشدهم تعرضاً للاعتقال وسوء المعاملة، اضافة الى صلابة في المواقف وثبات على المبادئ.

«الشرق الأوسط» التقت نقد الله وحاورته حول مختلف قضايا الساعة في الشارع السياسي السوداني.

* نبدأ باتفاق ماشاكوس.. كيف تراه؟

ـ الاتفاق خطة ولكنه ليس حلاً، ولذلك ننادي بميثاق اوسع يصل بالقضايا المصيرية الى عمق التفصيل، وفي المقابل بوعاء تنظيمي اوسع من التجمع الوطني المعارض، وليست هذه دعوة لتفتيت التجمع أو تفكيكه او تجاوزه لكن جوهر المطالبة يقوم على ان لا يستثني الميثاق والوعاء التنظيمي الجديد احداً إلا من يأبى، في ذات الوقت الذي تكون فيه الفعاليات والأحزاب السودانية حرة في ان تختار بين ان تأتي للميثاق والدعاء تحت لافتاتها الحزبية او تحت مظلة التجمع. أهمية هذا الميثاق والوعاء الجديد تكمن في قطعه للطريق أمام «الايقاد» والحكومة والجيش الشعبي في ان ينفذوا اجندتهم الخاصة ومعهم آليات القوى التي تريد ان تملي ارادتها، لأن الوعاء الجديد وبشموله سيمكن اجندة الشعب السوداني كله من ان تكون على الساحة، دعك عن ضمان صمود تلك الأجندة باعتبار ان التمثيل ضمن لها اتساع المشاركة وشمولها.

* وماذا لو اتفقت الحكومة والجيش الشعبي على تنفيذ بروتوكول ماشاكوس ودخلا في مشروع اقتسام السلطة؟

ـ مثل تلك المساعي تتغافل عن تاريخ الحرب والسلام في السودان، فالحرب توقفت نحو خمس مرات ولكنها عادت للاشتعال بسبب جزئية الحلول وضعف المشاركة، توقفت مع انانيا الأولى والثانية ثم اتفاق أديس أبابا مع نظام نميري وجميعها انهارت بسبب فوقية القرار والمكابرة، وأقول هنا ان نظام الانقاذ بمختلف اجنحته لا يمثل شمال السودان، كما ان جون قرنق بحركته لا يمثل كل جنوب السودان، والذي يحدث الآن يقارب محاولة نميري الذي غيب الأحزاب عن الاتفاق فانفرد بخرقه. واعني هنا ان شمول المشاركة يضيق فرص ان يحنث جانب ما بما سبق ان وقع عليه.

لا ثقة في النظام.. لا انفراج

* دعوة الفريق البشير الأخير باطلاق حرية الممارسة السياسية لكل الأحزاب في الفترة التالية لاتفاق ماشاكوس توحي بوصول النظام لمرحلة من الثقة بالنفس والاستجابة للضغوط المحلية والدولية، وبرهانه على متغيرات في البنية السياسية الحزبية، وبمعنى آخر نوع من التحدي.. كيف قرأتموها وكيف ستتعاطون فرصها؟

ـ تجربة 14 عاماً مع نظام الانقاذ ومن الاحتكاك الداخلي والمصادمات اوصلتني الى قناعة تامة بأن رجال الانقاذ يقولون ما لا يفعلون وان النفاق السياسي يحكم كل تحركاتهم وانهم لا يقدرون على التحدي وانهم اذا ما حوصروا يتنازلون عن كل شيء جرياً وراء البقاء في السلطة، ولذلك فهم يقدمون التنازلات مكرهين ثم يلتفون عليها. ودعني إذ أذيعك سراً ففي آخر جولة للصادق المهدي في غرب السودان منعونا من اقامة ليلة سياسية في الميدان العام، واشترطوا علينا ان نقيمها داخل مقر حزب الأمة، والاشارة هنا الى الاباحة والتضييق حتى لا يروا شعبية زعيم حزب الأمة، اضف الى ذلك انهم يقدمون بصورة متواترة على اعتقال قيادات شباب حزب الأمة بدءاً من دارفور ونهاية بالجزيرة وشرق السودان.

اعتقال الترابي خطأ

* يرى البعض ان في صمت الأحزاب السياسية عن اعتقال حسن الترابي وخاصة بعد زوال الأسباب بمستحقات اتفاق ماشاكوس ما يعيب، باعتبار ان الدفاع عنه دفاع عن حرية الرأي.. ماذا تقول؟

ـ من قال اننا صامتون، بداية الاعتقال خطأ ومرفوض، وأنا شخصياً وفي اول ندوة سياسية في ميدان المولد بعد اعتقاله طالبت علناً باطلاق سراح جميع المعتقلين بمن فيهم حسن الترابي، فقال لي نفر من اصدقائي وهل نسيت ما فعله بك؟ ألا يكفيك ما لحقك بأوامر منه؟ فقلت لهم هذا هو الفرق بيني وبينه، وماذا يكون الفرق اذا كلت في السياسة بمكاييله، اضف الى ذلك ان مجموعة من المحامين المخالفين للترابي في الرأي انبروا للدفاع عنه وبينهم علي محمود حسنين وغازي سليمان وعبد المحمود حاج صالح.

انشقاق حزب الأمة نعمة

* يشفق كثيرون على حزب الأمة من حركة الانقسام التي قادها مبارك المهدي وتوجها باقتسامه بعض مقاعد السلطة مع اهل الانقاذ.. كيف تقيم الخطوة؟

ـ (مبتسماً) ما قدمه مبارك لحزب الأمة يقارب ما قدمته الجبهة الاسلامية لأهل السودان رغم اختلاف المقصد لديهما، وقد وافق شن طبقة كما تقول العرب. أضف الى ان مبارك شخصية متناقضة، فقد ظل يحارب دعاة الاصلاح في الحزب فيما ظل في الآونة الأخيرة يتذرع باحتكار مواقع الحزب على ابناء وأسرة الصادق المهدي، وتجيء بعض تجليات هذا التناقض من تعيينه بعد ان اصبح مساعداً لرئيس الجمهورية بنت اخته في منصب وزير دولة بوزارة المالية. والحديث هنا يطول ولكن بين الايجابيات ان خطوة مبارك قد أظهرت لنا معادن رجال كنا مغشوشين فيهم، وبقراءة نفس سيناريو الجبهة في خداعها أقول ان غربال الحزب اصبح ناعماً ولن يخدعنا احد بعد اليوم، اضف الى ان طروحة مبارك في الانخراط مع دولة الظلم بحجة تقديم الخدمات لجماهير حزب الأمة يناقض تراث الحزب القائم على الايثار ونكران الذات دعك عن كون المشاركة لدولة الظلم تعني قطعاً مشاركتها في كل تاريخها وأحسب ان ذلك يقترب من الانتحار السياسي. وأظن اننا قد نقيم له هو الآخر تمثالاً صغيراً يوماً ما لقاء ما أسداه للحزب من ايجابيات.