جمعية بدائل تحذر من اشراك الأصوليين في الحكومة في أول رد فعل لها على نتائج الانتخابات المغربية

TT

أثار الموقف من التقدم الذي أحرزه حزب العدالة والتنمية الأصولي في انتخابات 27 سبتمبر، وامكانية مشاركته في الحكومة المقبلة، جدلا كبيرا خلال الندوة التي نظمتها جمعية بدائل حول تقييم نتائج الانتخابات والآفاق التي فتحتها. فبينما اعتبر بعض المشاركين في الندوة أن مشاركة الأصوليين في الحكومة المقبلة قد يكون ايجابيا، دعا عبد العالي بن عمور، رئيس جمعية بدائل، الى استبعاد هذا الاحتمال. وقال بن عمور إن على الديمقراطيين توخي اليقظة والحذر، خصوصا أن الانتخابات البلدية على الأبواب في يونيو (حزيران) المقبل. ونادى بن عمور بضرورة تشكيل حكومة قوية عبر تحالف القوى الديمقراطية، والتي سيكون عليها انجاز اصلاحات عميقة خلال الولاية المقبلة، مشيرا الى أن تلك الاصلاحات ستكون صعبة، وقد تكلفها تصويتا جزائيا في الانتخابات المقبلة وتفرض عليها العودة الى المعارضة. وقلل بن عمور من أهمية التقدم الذي أحرزه حزب العدالة والتنمية، ونسبه جزئيا الى نمط الاقتراع باللائحة، وقال إنه شخصيا قام باسقاط للنتائج المحصل عليها من حيث عدد الأصوات بافتراض نمط اقتراع فردي من دورتين، ووجد أن حزب العدالة والتنمية ما كان ليحصل على مقعد واحد. ومن جهته، دعا الباحث تاج الدين الحسيني الى التفكير في ضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني يشارك فيها الاصوليون. وقال إن ذلك سيكون من مصلحة الجميع لأن دخول الأصوليين الى الحكومة سيحول دون اكتساحهم للانتخابات المقبلة في 2007، والذي سيكون حتميا اذا بقوا في المعارضة. وأشار الحسيني إلى أن أبرز نتائج الانتخابات الأخيرة، اضافة الى تدعيم مركز ودور المؤسسة الملكية على أسس موضوعية وأخلاقية وليس تحالفات وتوافقات محسوبة، تجلت في افراز مجموعتين حزبيتين مركزيتين تملكان حرية اختيار التحالفات، هما حزب الاستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار، ومن جهة ثانية بروز حزبين قويين كذلك لكن اختياراتهما محدودة بسبب الصراع الأزلي بينهما، وهما الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. وقال إن نتائج هذه الانتخابات قد فتحت الطريق نحو تشكل قطبية حزبية ثنائية في المغرب، قطب اشتراكي ديمقراطي حول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقطب محافظ حول حزب الاستقلال. أما الأستاد عبد الله العروي فيرى أن الانتخابات الأخيرة لم تأت بأي جديد فيما يتعلق بالخريطة السياسية، وقال «الجميع يتحدثون عن قطيعة بين الأمس واليوم، لكن بماذا يمكن تفسير الاستقرار النسبي للخريطة السياسية، والتي بقيت ثابثة منذ الستينات، فالخريطة التي أفرزتها هذه الانتخابات هي نفس الخريطة التي كانت من قبل مع فارق بسيط والمتمثل في التقدم النسبي الذي أحرزه حزب يجب التنبيه الى أنه دخل هذه الانتخابات مقنعا وليس بوجهه الحقيقي». وأشار العروي إلى أن الأحزاب الكبرى حافظت على مواقعها في مناطق نفوذها التقليدية وأن توجهات الناخبين حسب أهم المناطق ظلت ثابتة. وحول التشتت الذي يعرفه المشهد الحزبي في المغرب، اعتبر العروي أنه عادي وليس خصوصية مغربية كما يدعي البعض، والفرق أن في بلدان أخرى تتخذ إجراءات للحد منه بينما في المغرب كل شيء مهيأ من أجل تشجيعه. ويرى العروي أن الحل هو التجميع حسب الحساسيات الكبرى، التي يعتقد أن عددها خمسة حسب تحليله الخاص للخريطة السياسية، والتي حددها بـ:اليسار الحداثي، والوسط الوطني، والوسط الليبرالي، والوسط الجهوي، واليمين الشعبي، مشيرا إلى أن الحكومة المقبلة ستتشكل من تحالف ثلاثة من هذه التوجهات. ويرى العروي أن جميع الأحزاب المغربية يمكن أن تدخل ضمن هذا التقطيع وأن تتوحد على أساسه. لكن هذا ما ترفضه الأحزاب التاريخية التي تتمسك بالقطبية الثنائية أو الثلاثية، والتي تجعل الناس يتخذونها واجهة للتعبير عن شيء آخر لغياب اطار يعبر عنهم، فينتج عن ذلك الصراعات والنزاعات والانشقاقات بسبب غياب الديمقراطية الحزبية. وانتقد الصحافي والبرلماني الاتحادي محمد الكحص، عضو اللجنة الادارية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بشدة ما أسماه بطعن بعض الديمقراطيين في ظهر بعضهم البعض، والتهافت على التحالفات بعد الانتخابات، والانبطاح أمام المد الفاشي وفتح المجال أمامه لدخول الحكومة. وقال إن المغاربة يحتاجون الى معلمين لاقناعهم بالعلاقة بين الديمقراطية والحياة اليومية. واعتبر أحمد القادري، البرلماني من حزب الاستقلال، أن أبرز خلل في التجربة المغربية هو أن التحالفات تجميعية وليست تآلفية، وقال إنه، بدلا من أن تتكون تحالفات سابقة على الانتخابات على أساس برامج محددة وخطط عمل واضحة، تتم التحالفات في المغرب بعد الانتخابات على أساس عدد المقاعد، الشيء الذي يؤدي الى صراعات داخلية وتشكيك في الديمقراطية. وحول تأثير الانتخابات الأخيرة على الانتقال الديمقراطي، يرى أحمد حرزني أنه لم يكن قويا، مشيرا الى التراجع النسبي لنتائج الأحزاب اليسارية والديمقراطية. وقال إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد تمكن من تقليص حجم الخسائر التي تكبدها اليسار، لكنه أيضا سجل تراجعا، ولو بنسبة قليلة. وأضاف أن الاتحاد الاشتراكي، اذا كان سيشارك في الحكومة المقبلة، فسيكون في اطار تحالف مع قوى تجر لليمين أكثر من ذي قبل، وبالتالي ضعف وتيرة انجاز الاصلاحات. وقال إن الانتخابات الأخيرة أكدت أن القوة الكبرى في البلد هي الدولة، ووجود ارادة لدى جزء منها لتحقيق الديمقراطية، خصوصا الملك، يعتبر فرصة تاريخية. لكن في غياب القوة السياسية الداعمة لهذه الارادة سيكون من الصعب عليها الحفاظ على نفس الحماس.