جدل في أوساط اليهود في أميركا بسبب تضارب الإحصائيات حول عددهم

TT

خصصت الجالية اليهودية الاميركية على مدى اكثر من 10 سنوات ملايين الدولارات وآلاف الساعات في برامج دافعها نوع محدد من الخوف إزاء تضاؤل عدد اليهود في الولايات المتحدة الاميركية. فقد اثارت نتائج دراستين متضاربتين حول اليهود الاميركيين جدلا جديدا حول فشل هذه البرامج وحتى احتمال ان تكون موجهة في وجهة خاطئة.

فالنتائج الاولية التي اعلن عنها اول من امس لأكبر مسح سكاني يجرى في الولايات المتحدة على افراد الجالية اليهودية، وهو «المسح القومي للسكان اليهود» الذي جرى على مدى خمس سنوات وكلف 6 ملايين دولار اميركي، اظهرت ان عدد افراد الجالية اليهودية في الولايات المتحدة تراجع بنسبة طفيفة في العقد الماضي الى حولي 5.2 مليون نسمة. وجاءت هذه النتيجة بعد مرور اسبوعين على دراسة اخرى اشارت نتائجها الى وصول عدد يهود الولايات المتحدة الى 6.7 مليون نسمة. هذا التضارب الواضح في عدد يهود الولايات المتحدة لا يطرح تساؤلات حول الاساليب الديموغرافية والطرق المتبعة في الإحصاء السكاني فحسب، بل يفرض تساؤلات اخرى حول من يجب اعتباره يهوديا وما يحمله المستقبل للجالية اليهودية الاميركية. ويقول فيف كلاف، الاستاذ بجامعة ديلاوير وأحد المسؤولين عن المسح السكان الاخير ليهود الولايات المتحدة، ان «المستقبل لا يبدو جيدا»، فأرقام المسح السكاني الاخير اظهرت وجود نسبة كبيرة من كبار السن ونسبة اقل من الاطفال الذين من المفترض ان يحافظوا على النمو المنتظم والمستمر لعدد اليهود.

وعلى العكس من ذلك يرى غاري توبين، الذي يرأس معهدا لأبحاث الجالية اليهودية بسان فرانسيسكو، ان الجالية اليهودية الاميركية في نمو وتطور مستمرين، علما بأن المعهد الذي يرأسه توبين، اجرى المسح السكاني الذي اظهرت نتائجة زيادة في عدد يهود الولايات المتحدة.

وتتضمن نتائج المسح السكاني مجموعة من القضايا العاطفية ذات الصلة بالهوية فضلا عن مسائل عملية اخرى متشعبة. فعلى المستوى العملي، تستخدم الارقام التي اظهرتها نتائج المسحين السكانيين في تحديد اجندة اليهود الاميركيين على مدى السنوات المقبلة وتحديد اولويات الإنفاق لمبلغ 850 مليون دولار يجري جمعها في حملات تبرعات سنوية بواسطة الاتحادات اليهودية في اميركا الشمالية. اما الجانب العاطفي، فيتمثل في مسألة من يجب اعتباره يهوديا، اذ ان كل المجموعات العرقية الاميركية تواجه قضايا مشابهة تتعلق بكيفية الحفاظ على هوية خاصة مع الاندماج في المجتمع الاميركي في نفس الوقت. لقد ظلت التقاليد الدينية اليهودية تنص على مدى قرون على ان اليهودي يجب ان يكون طفلا لأم يهودية او ان يعتنق الديانة بصورة رسمية. وفي السنوات الاخيرة قررت الحركات الاصلاحية اليهودية اعتبار اطفال الآباء اليهود يهودا، بيد ان خبراء الدراسات الاحصائية للسكان اعتمدوا تعريفا اكثر اتساعا. فعلى سبيل المثال، كل من اورد في استمارة المسح السكاني الاخير اليهودية كديانة له اعتبر يهوديا، كما ادرج في عداد اليهود كل من اعتبر نفسه يهوديا من الناحية الإثنية او الثقافية، أي اولئك الذين لا يمارسون شعائر الديانة اليهودية رغم ان آباءهم وامهاتهم يهود، او الذين نشأوا في اسر يهودية. ونشر غاري توبين شبكته في مساحة واسعة في ما يبدو، فإلى جانب الـ6.7 مليون اميركي الذين قالوا ان اليهودية تمثل ديانتهم الرئيسية او هويتهم الإثنية، اشار توبين الى وجود 6.6 مليون اميركي آخرين لهم صلة ما بالشعب اليهودي، اذ تضم هذه المجموعة الذين يعتبرون اليهودية ديانة ثانوية بالنسبة لهم والذين يجري الدم اليهودي في عروقهم لكنهم لا يمارسون شعائر الديانة اليهودية والمتزوجين والمتزوجات من يهود. ويقول توبين ان ثمة امكانات هائلة للأفراد كي يصبحوا يهودا. فاليهود في نظره لا يزالون اسرى هاجس مفاهيم حق المولد والسلالة، مشيرا الى ان الهوية الدينية في الولايات المتحدة تعتبر مسألة اختيار. واعرب توبين عن اعتقاده بان الوقت قد حان للجالية اليهودية الاميركية لتغير نهجها وتبدأ في التفكير بمن يمكن ان يدخل الديانة اليهودية بدلا عن التفكير في من سيخرج منها.

وانتقد توبين ايضا المسح السكاني على اساس فني، اذ ان المسح اشتمل على 5 ملايين مكالمة هاتفية على اساس الاتصال الرقمي العشوائي سعيا للوصول الى 177 الف منزل تضم 4500 يهوديا كان من المفترض ان يشملهم المسح. واشار توبين كذلك الى ان طرق المسح السكاني الاخير لم تحسب كل اليهود الذين هاجروا خلال السنوات الاخيرة من روسيا واسرائيل الى جانب اليهود الشباب واليهود الذين يعيشون في الغرب. واورد توبين ايضا ان المسح السكاني القومي لليهود فشل في إدراج قطاعات بكاملها من السكان مثل الاطفال بالتبني ومواليد النساء اللائي تزيد اعمارهن عن 40 عاما، مما يعني عكس صورة غير دقيقة عن نسبة الخصوبة. الجدير بالذكر ان نتائج المسح الذي اجراه المعهد الذي يترأسه توبين اشارت الى ان عدد يهود الولايات المتحدة اكثر بنسبة 18 في المائة عن الاعداد التي اشارت اليها دراسات سكانية اجريت في اوقات سابقة.

ويعتقد محللون ان الجدل الحالي لا يعدو ان يكون تجديدا لجدل مستمر منذ 10 سنوات حول افضل السبل للتأكيد على بقاء الجالية اليهودية الاميركية على المدى الطويل. ويعتقد ستيفن هوفمان، رئيس الجاليات اليهودية المتحدة، ان النتائج الجديدة ربما تؤدي الى إعادة النظر في ما اذا كانت الاسر اليهودية تتجنب إنجاب المزيد من الاطفال بسبب التكلفة العالية للتعليم اليهودي الخاص.

اما بيني هيرمان، خبير الاحصاء السكاني الذي اجرى عدة دراسات سكانية عن اليهود، فيعتقد ان تقليل تكلفة مثل هذه الخدمات ربما يؤدي الى مستويات مشاركة عالية في الحياة اليهودية. واوضح هيرمان ان التكلفة السنوية لخدمات مثل التعليم في المدارس اليهودية والعضوية في المعابد والمنظمات الى جانب المناسبات اليهودية الاخرى، تصل الى حوالي 28000 دولار اميركي، مؤكدا ان العمل على جعل تكاليف الحياة اليهودية في مقدور غالبية الاسر يجب ان تكون في مقدمة الاولويات بالنسبة للجالية اليهودية. واضاف ان «ارتفاع التكلفة المالية لبعض الخدمات المتعلقة بالحياة اليهودية ادى الى عدم استفادة الكثير من اليهود من هذه الخدمات». ويعتقد توبين وآخرون ان اليهود يجب ان يتبنوا استراتيجية مختلفة لزيادة تعدادهم وذلك بالتخلي عن التحفظ التقليدي إزاء الهداية، وتوظيف المزيد من الموارد في تقبل من يحتمل ان يكون لديهم الاستعداد للالتزام بتعاليم اليهودية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»