التلفزيون البريطاني يكشف قاتل توت عنخ آمون عبر التحريات الجنائية

TT

بثت القناة الخامسة بالتلفزيون البريطاني امس برنامجا مدته ساعة كاملة من انتاج واخراج انتوني جيفن عن مقتل الفرعون توت عنخ آمون من الدولة الحديثة عبر شريط وثائقي اعتمد على التحريات الجنائية لشرطيين من المباحث الفيدرالية الاميركية، هما جرج كوبر ومايك كينج بالتحقيق في ظروف مقتل الفرعون المصري. وبحث الضابطان عن القاتل وفق ادلة جنائية واثرية تعود لنحو ثلاثة الاف وخمسمائة عام.

وبحث الضابطان وفق الادلة الجنائية والاثرية عمن قتل الفرعون الصغير وفق تسلسل مشوق منذ العثور على المومياء داخل مقبرته في وادي الملوك قبل 80 عاما في نوفمبر (تشرين الثاني) .1922 وحاول الضابطان التعرف على سبب وفاة توت عنخ آمون بسبب موته المبكر وهو لم يتجاوز التاسعة عشر من العمر، وفق النظريات التاريخية وبعض منها يقول انه مات على أثر إصابته بأحد الأمراض الخطيرة التي يصعب علاجها مثل السل، واخرى تشير الى تلقيه ضربة بآلة حادة على الرقبة من الخلف.

وذهب الشرطيان إلى جامعة ليفربول البريطانية، للاطلاع على صور الأشعة التي سبق لبعثة الجامعة أن أخذتها لمومياء توت عنخ آمون منذ 33 سنة، ثم عرضا صور الأشعة على بعض الخبراء في علم التشريح، الذين أكدوا وجود عدة كسور في عظام الجمجمة تسببت في وفاة الملك، وذلك رغم وجود عدة كسور بالجمجمة، منها جرح دائري في الحفرة التحت صدغية في الخد الأيسر بجوار حلمة الأذن اليسرى، أدت إلى حدوث بقعة من الدم وجدت متجلطة أسفل الأذن. وفضل الشرطيان الاعتماد على هذا الجرح تحت الأذن كسبب للوفاة، لأن هذا التفسير يساعدهما في تحديد القاتل. ويعتقد المحققون ان الملك الشاب أصيب بضربة عنيفة على رأسه بآلة حادة، تسببت في هذا الكسر الذي لم يؤد إلى الوفاة مباشرة، وإنما ظل الملك في حالة غيبوبة لفترة طويلة عدة أسابيع قبل وفاته.

ويقول الباحث الأثري احمد عثمان في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» وجدت مومياء الفرعون توت عنخ امون داخل ثلاثة توابيت ذهبية، وفوق رأسه قناع يمثل وجه توت عنخ آمون الذي مات في ظروف غامضة ولم يتجاوز 19 سنة. وكان أول فحص طبي لمومياء توت عنخ آمون هو الذي جرى عام 1925 بعد ثلاث سنوات من العثور على مقبرته، قام به الدكتور دوجلاس دري أستاذ التشريح بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة في ما بعد) الذي أخرج المومياء التي لا تزال محفوظة بمقبرته بوادي الملوك حتى الآن، إلى مقبرة مجاورة لفحصها. إلا أن دري اعتمد في فحصه على مجرد ملاحظة المظاهر الخارجية التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، فلم يتمكن من تحديد سبب الوفاة. وجاء في التقرير الذي سجل به نتيجة فحصه ان هناك: «علامات قليلة ظاهرة على الأجزاء الخارجية من الجسد (للدلالة على) أسباب الوفاة».

ويضيف احمد عثمان صاحب اكثر من كتاب بالانجليزية عن ملوك الفراعنة العظماء بعد مرور 43 سنة من هذا الفحص تم إجراء الفحص الثاني للمومياء عام 1968، قام به وفد طبي من جامعة ليفربول البريطانية، برئاسة الدكتور رونالد هاريسون الذي تمكن من عمل عدة صور للمومياء عن طريق أشعة إكس.

وبعد أن نفى الطبيب وجود أية أمراض بالجسد وقت الوفاة، أورد هاريسون تفاصيل جديدة عن حالة المومياء في تقريره الطبي.

وعندما تمت إزاحة الأربطة المحيطة بالجسد تبين مباشرة أن المومياء لم تكن في كيان واحد، فقد تم فصل الرأس والعنق عن باقي الجسد، كما انفصلت الأعضاء عن جذع البدن. وأظهرت الفحوصات التالية أن الأعضاء انكسرت في عدة أماكن كما انفصلت عن الجسد، وانكسرت الذراع اليمنى عند المرفق، والذراع اليسرى مكسورة عند المرفق وكذلك عند المعصم، وأبعدت الرأس والرقبة عن الجسد عند نقطة الالتقاء (في العمود الفقري) بين الفقرة العنقية السابعة عشر وأول الفقرات الصدرية.

ويقول عثمان: لقد كنت أول من أشار إلى مقتل توت عنخ آمون في كتابي «بيت المسيح» الذي صدر في لندن بالإنجليزية عام 1992 عن دار هاربر كولينز. فعندما عرضت تقرير هاريسون على بعض الخبراء الطبيين أكدوا لي أن الملك تعرض إلى العديد من الضربات القوية التي أحدثت عدة كسور في عظامه، وإن كانت هناك بعض الكسور التي لم تحدث إلا في العصر الحديث عند إخراج المومياء من التابوت. إلا أن الوفاة تمت نتيجة لفصل العمود الفقري عن الرأس عند أول الفقرات التي تربطه بالجسد، مما يدل على أن الملك تعرض لعملية تشبه الشنق.

استعرض المحققون الأميركيون على شاشة التلفزيون البريطاني امس الشخصيات التي كانت تحيط بالملك الشاب في تلك الحقبة من الزمان منذ أكثر من 33 قرنا وحاول التعرف على كل من كانت له مصلحة شخصية في قتله، إذ رأى أن المصلحة من أهم الدوافع في هذه الجريمة. ولما كان «آي» الذي هو خال اخناتون رئيس وزراء الملك والمسؤول عن سلاح الخيالة والعجلات وعن الحرس الملكي وهو الذي خلف توت على العرش، أصبح هو المتهم الأول لديهم.

ومما زاد في شكوكهم في دور «آي» في جريمة القتل، أنه أجبر الملكة عنخ سنبا آمون على الزواج منه، حتى يحصل على الحق الشرعي في الجلوس على العرش. وهناك خاتم موجود في أحد المتاحف الألمانية يشير إلى أن «آي» تزوج من أرملة توت عنخ آمون صوريا، ليكتسب الحق في الملك.

كما استند رجال المباحث الاميركية الى خطاب عثر عليه الأثريون في بلاد الحثيين بآسيا الصغرى موجه من أرملة توت عنخ آمون عنخ سنبا آمون إلى ملك الحثيين، تطلب منه إرسال أحد أبنائه إلى مصر حتى تتزوجه ويصير ملكا على مصر لأنها لا ترغب في الزواج من أحد التابعين لها بعد وفاة زوجها.

وبالطبع فإن الأمير الحثي الذي خرج من بلاده قاصدا مصر لم يصلها، ولا بد أنه لقي مصرعه في الطريق على يد رجال رئيس الوزراء المصري. والرسالة التي بعثت بها أرملة توت عنخ آمون إلى سوبيلو ليوما ملك الحثيين بآسيا الصغرى، جاء ذكره في ألواح الأرشيف الملكي للحثيين، في بقايا عاصمتهم القديمة في بوغاز كوي بتركيا. وظهر اسم الملك المصري مكتوبا بلغة الحثيين «نب حو ريا» الذي يتفق مع أحد أسماء توت عنخ آمون الملكية وهو «نب خبرو رع».

ولم يرد اسم الملكة في المصادر الحثية، التي ذكرت لقبها فقط «دها مونزو» الذي يشبه لقب الملكة في مصر «طا حمت نيسو». ورغم أن الخطاب لم يحدد اسم الملكة التي أرسلته، فإن براير يعتقد ومعه عدد كبير من علماء المصريات أنها كانت أرملة توت عنخ آمون. يقول الخطاب: مات زوجي وليس لي أولاد، إلا أنهم يقولون إن لديك أولاد كثيرون. إذا أنت أعطيتني واحدا منهم فسوف يصبح زوجي. فأنا لن أختار خادما عندي لأجعله زوجي.

ولما كانت صورة الوزير «آي» قد ظهرت مرسومة على جدار مقبرة توت عنخ آمون وهو يشترك في طقوس دفنه، وقد صار ملكا جالسا على العرش في هذا الوقت المبكر، فإن تفسير المحققين هذا يتطلب مرور فترة من الزمان بين إصابة الملك وموته، تسمح لأرملته بإرسال خطابين إلى ملك الحثيين، ومقتل الأمير الحثي وهو في طريقه إلى مصر، قبل اعتلاء «آي» للعرش. لهذا فضلوا الاعتماد على الكسر الموجود تحت الأذن اليسرى كسبب للوفاة، لأنه يسمح بمرور فترة زمنية بين الإصابة والموت.

ويقول عثمان: انني اختلف مع ما توصل إليه رجال المباحث الفيدرالية الاميركية سواء في تحديد الكسر الذي أدى إلى الوفاة، أو في اختياره للوزير «آي» ليكون هو المتهم بقتل توت عنخ آمون. فبالرغم من وجود عدة كسور في عظام الملك، إلا أن الإصابة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة المباشرة هي فصل الرقبة عن باقي الجسد، ومن المؤكد أن هذا الفصل لم يتم في الأزمنة الحديثة بعد فتح المقبرة، بل تم قبل الوفاة حيث أظهرت صور الأشعة وجود تكلس في نفس موضع الكسر ـ عند أسفل الجمجمة من الخلف عند التقائها بالعمود الفقري.

ولم تقل رسائل عنخ سنبا آمون إلى ملك الحثيين إن الملك المصري كان مريضا في غيبوبة، وإنما أخبرته بموت توت عنخ آمون ولهذا فهي تبحث عن زوج آخر. كما أن أرملة توت في رسالتها إلى ملك الحثيين، لم تتهم الشخص المعروض عليها الزواج منه في مصر بقتل زوجها، والسبب الوحيد الذي ذكرته لرفضها هذا الزواج أن الزوج يعمل عندها كخادم. وأنا أستبعد أن يكون «آي» هو القاتل، فهو شقيق الملكة «طاي» والدة اخناتون وهو الذي تولى حماية ملوك العمارنة حوالي ربع قرن، ولا يعقل أن يتحول ضدهم فجأة في نهاية حياته بعد أن تجاوز سن الستين.

وركز التلفزيون البريطاني على أن توت عنخ آمون جاء إلى العرش خلفا لاخناتون الذي قام بثورة دينية توحيدية، أدت إلى إغلاق جميع المعابد المصرية ومصادرة أوقافها، ولم يعد قائما سوى عبادة آتون الواحد الذي ليست له صورة أو تمثال. ولما كانت هذه الاعتقادات مفاجئة للمصريين الذين اعتادوا لآلاف السنين على تعدد الآلهة التي يرونها دائما متمثلة في أشكال فنية، فلم يتبع إخناتون سوى القليل من رجال الفكر والثقافة.

وجاء توت عنخ آمون ليعيد فتح المعابد القديمة التي أغلقها والده، كما أعاد تنظيم طائفة الكهنة وأغدق عليهم من الأوقاف والعطايا. لهذا رأيت أنه من الطبيعي في هذه الحالة أن يغضب أتباع إخناتون لتصرفات ابنه ويعتبرونه مرتدا يباح إهدار دمه. ولما كان با نحس هو كاهن آتون الأكبر، وقد وردت قصص عنه في التوراة والتلمود تقول انه قتل رجلا مهما ارتد عن ديانة التوحيد، فقد رجحت أن يكون هو المسؤول عن قتل توت عنخ آمون.