220 يهوديا يحاربون ضد مصادرة 6000 دونم من أراضي جيرانهم الفلسطينيين

TT

أقسم السكان اليهود في كيبوتس «ميتسر» البالغ عددهم 220 مواطنا، على ان لا يهدأ لهم بال إلا اذا نجحوا في منع تنفيذ قرار الحكومة ووزارة الدفاع في اسرائيل بمصادرة 6000 دونم من اراضي قرية قفين، المحتلة منذ عام 1967، وبدأوا حملة احتجاج واسعة ضد هذا القرار، ويستعدون اليوم لطرح موقفهم في دعوى قضائية في محكمة العدل العليا، وهناك من يفكر في توسيع حلقة الاحتجاج الى المحافل الدولية.

ويرى سكان هذا الكيبوتس (تعاونية اشتراكية) ان قرار الحكومة سيمس في نسيج علاقات الجيرة الحسنة القائم بينهم وبين سكان قفين الفلسطينيين ومن شأنه ان يشعل الانتفاضة على هذه الارض التي تميزت بالهدوء طيلة السنتين الماضيتين.

وكيبوتس ميتسر هذا كان قد اقيم في سنة 1953 على تلة مرتفعة في المثلث الشمالي، بين باقة الغربية وجت، على حدود الضفة الغربية. وأسسه مجموعة من المهاجرين اليهود الجدد القادمين من اميركا اللاتينية واقاموا علاقات جيدة مع قرية ميس (فلسطينيي 48) طيلة هذه السنين، علما بان الاراضي التي اعطيت لهم من اجل فلاحتها هي في الاصل اراض فلسطينية ضمت الى اسرائيل حسب اتفاقية رودس عام 1949. ومع ان الحدود ظلت مغلقة فان احتلال عام 1967 كان بداية علاقة جيرة حسنة مع قفين، التي يبلغ عدد سكانها اليوم 10 آلاف نسمة.

وحاول بعض شبان قفين الانخراط في نشاط الانتفاضة الاولى وكذلك الثانية. لكن قادة الكيبوتس والقرية الفلسطينية اجتمعوا واتفقوا على منع اي نشاط كهذا. وقام قادة قفين بلجم الشبان. وقام قادة الكيبوتس بلجم افراد حرس الحدود الاسرائيليين. وسعى الطرفان الى تبادل الزيارات والتعاون الاقتصادي والزراعي وشاركوا بعضهم البعض في الافراح والاتراح.

وفجأة، قررت الحكومة الاسرائيلية اقامة الجدار الفاصل بين اسرائيل وفلسطين. ومع ان الجدار القديم، الذي تم بناؤه سنة 1949 وكان جزءا من خط الحدود ما قبل 1967، ما زال قائما حتى اليوم، فان مهندسي الجيش الاسرائيلي قرروا ازاحته شرقا مسافة 800 متر، على طول ستة كيلومترات. وهذا يعني ان تخسر قرية قفين 6000 دونم اي ما يعادل 80% من اراضيها الزراعية، المغروس معظمها بأشجار الزيتون، مصدر الرزق الوحيد لنصف عائلات القرية. وبما ان هذه الاراضي مجاورة للاراضي التابعة للكيبوتس، فانها بمعظمها ستضاف اليه.

لكن اعضاء كيبوتس «ميتسر» اعلنوا انهم ليسوا معنيين بالحصول على هذه الارض. وقالوا انهم يقفون الى جانب جيرانهم الفلسطينيين المتمسكين بها. وتوجهوا في كتاب احتجاج رسمي الى وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، طالبوه فيه بان يعدل مسار الخط الفاصل بحيث تبقى الاراضي بأيدي اصحابها الفلسطينيين. وتوجهوا بالمطلب نفسه الى رئيس الحكومة وقيادة الجيش وكل الجهات الرسمية المعنية. ورد عليهم الوزير، بواسطة مستشاره لشؤون الاستيطان عميكام سبيرسكي، قائلا ان اختيار مسار الجدار الفاصل ثم وفق ضرورات أمنية ولذا لا يجوز تغييره. فطلبوا الاجتماع به لشرح وجهة نظرهم. وقالوا له ان الحدود التي رسمت سنة 1949 في رودس كانت تعبيرا عن متطلبات الامن «ولا يعقل ان يكون وزير الدفاع الحالي بنيامين بن اليعزر اشطر من سابقيه موشيه ديان ويغئال ألون اللذين اتفقا على رسم هذه الحدود في حينه مع نظرائهما الاردنيين». وراح عميكام سبيرسكي يسخر من منطقهم هذا قائلا: «اذا كنتم تعتقدون فعلا ان الحدود في حينه رسمت لاسباب امنية فانتم لا تفقهون شيئاً». واكد ان موقف الوزراء والجيش حاسم في هذا الموضوع ولن يتغير.

ويقول اعضاء كيبوتس ميتسر انهم سيخوضون هذه المعركة حتى النهاية، حتى لو كلفهم الامر ان يتصدوا بأجسادهم لآليات الحفر والبناء. وانهم سيجعلونها معركة يهودية ـ عربية ستدار على كل الجبهات بما في ذلك القضاء الاسرائيلي والدولي. ويعلنون صراحة انهم يخشون ان تتحول علاقات الجيرة الحسنة الى علاقات حرب ومعارك مع الجيران الفلسطينيين. وكما قال سكرتير الكيبوتس دورون ليبر، فانه يفهم خطورة هذا الاجراء والضرر الذي سيصيب الفلسطينيين من خسارة ارضهم ورد فعلهم على ذلك، مهما يكن قاسيا. ولذلك فانه ورفاقه سيعملون كل ما في وسعهم لالغاء القرار ولتغيير مسار الجدار. واكد انهم سيخوضون هذه المعركة جنبا الى جنب مع جيرانهم الفلسطينيين.

ومن ابرز النشاطات الاحتجاجية التي قاموا بها معا، كان الافطار الجماعي، الذي شارك فيه اربعون عضواً في الكيبوتس مع حوالي مائة فلسطيني من قفين، الاسبوع الماضي، حيث احضر كل طرف وجبات من اللبنة والاجبان ومناقيش الزعتر والشاي وتناولوها معا تعبيرا عن الشراكة والصداقة والجيرة الحسنة.

وغني عن البيان ان مثل هذه العلاقة بين يهود وعرب نادرة في البلاد، وتبدو نقطة ضوء في ذلك الظلام الدامس للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.