الإدارة الأميركية تدرس عدة سيناريوهات لتغيير النظام في العراق أكثرها تفاؤلا «الرصاصة الفضية»

TT

تطرح المناقشات الدائرة في أروقة ودهاليز جلسات عمل الادارة الأميركية هذه الأيام عدة سيناريوهات لكيفية التعامل مع الوضع في العراق.

ويسود انطباع عام بأن الادارة الأميركية ماضية في تغيير النظام العراقي لا محالة، وخصوصاً بعد حصولها على تفويض من مجلسي الكونغرس ـ الشيوخ والنواب ـ باستخدام القوة ضد العراق. وقد تلاشت في واشنطن أية اشارة الى امكانية تجنب العمل العسكري بهدف احداث تغيير في النظام العراقي. كما رافق ذلك انطباع عام بأن تلك المسألة سوف تتم وبأسرع وقت ممكن، بل بأسرع مما يتصوره الكثيرون ويروج لذلك اصحاب التغيير في واشنطن.

ولكن السؤال الكبير هو ماذا بعد صدام؟ وهذا بعض ما تعكسه الأفكار المطروحة في المناقشات الدائرة:

* بدء المعارك

* يركّز الاسرائيليون ومؤيدوهم داخل الادارة الأميركية على ضرورة ان يتم احتلال غرب العراق لدفع القوات العراقية شرقاً كي يبتعد مدى الصواريخ العراقية عن اسرائيل، ومعروف بأن هذا لن يتم إلا عن طريق الأردن الذي تتجنب اوساط الادارة الأميركية الحديث عن أي دور له في عملية تغيير النظام في العراق، وكل ما يسمعه من يطرح تساؤل الدور الأردني «ان وضع الأردن حساس جداً»، ولكن الأوساط ذاتها لا تنكر حقيقة وجود قوات اميركية، وأخرى بدأت التوافد على الأردن إما استعداداً للمعركة او لحماية الأردن من شررها اذا ما تطاير.

من جانب آخر، يتعمد الاسرائيليون ألا يعطوا جواباً محدداً لطبيعة وكيفية ردهم على هجوم عراقي على اسرائيل، ويرى المراقبون بأن صدام لن يتردد في القيام به ان تمكن من ذلك لأنه يعرف انه هالك هذه المرة لا محالة، ولذلك فانه يريد ان «يدخل» التاريخ من خلال الحاقه اكبر ضرر باسرائيل حسب التصور الاسرائيلي.

«شاؤول موفاز» رئيس الأركان الاسرائيلي السابق أجاب على سؤال عن طبيعة الرد الاسرائيلي اذا ما هاجمها صدام بصواريخه ثانية وذلك في ندوة عقدت في واشنطن قبل أيام، وقال بأن رأيه ألا يكون الرد الاسرائيلي على أي هجوم عراقي مسألة «أوتوماتيكية»، وقال رئيس الأركان الاسرائيلي السابق ان الرد الاسرائيلي يجب ان يكون بقدر حجم الهجوم، أي انه اذا ما كان الهجوم العراقي شبيهاً بسابقه عام 1991، فلا داعي للرد على اعتبار ان الرد الاسرائيلي لن يكون أفضل في هذه الحالة من الرد الأميركي، أما اذا ما كان الهجوم مختلفاً ويحوي أسلحة دمار شامل Mega Attack فعلى اسرائيل ان ترد دون ان يخوض في تفاصيل ذلك الرد وقتئذٍ.

* رأس الحربة

* وتشير المعلومات العسكرية ان استعدادات اميركية عسكرية تساند آلافاً قدرتهم بعض الأوساط بسبعة آلاف عراقي يتدربون في اميركا سوف يشكلون رأس الحربة في هجوم تغيير النظام، كما تتحدث الأوساط الاستخباراتية عن تجهيزات لوجستية من ضمنها اعادة بناء مطار اربيل شمال العراق والواقع تحت السيطرة الكردية، ويعد الهجوم البري من داخل الأراضي العراقية نفسها عاملاً مهماً للنفسية العراقية من جهة، ويوفر كثيراً من الحرج لحلفاء اميركا في المنطقة وبالذات الأردن ودول الخليج.

* العامل الأردني

* لا شك بأن الدور الأردني هام على كافة الأصعدة للعمل على تغيير النظام في العراق، ويسود شعور عام بالتوتر والخوف والقلق على الأردن قبل أية دولة أخرى محيطة بالعراق، ويتهرب المسؤولون الأميركيون من أية اشارة من قريب او بعيد عن مساعدة الأردن في الاستعدادات للحرب القادمة ـ ان وجدت! ويأتي الخوف من ان يقوم صدام بتحريك بعض عملائه او مؤيديه داخل الأردن للقيام بأعمال من شأنها ان تحدث قلاقل في الأردن أو ـ ربما ـ ما هو اسوأ من ذلك بكثير.

* اولاً: النموذج المكارثي في اليابان

* يدور في الدهاليز سيناريو امكانية تغيير النظام العراقي على غرار الطريقة الأميركية في اليابان وألمانيا عشية انتصارها في الحرب العالمية الثانية، حين استسلمت اليابان وجاء الجنرال دوغلاس مكارثر بوثيقة استسلام وقعها اليابانيون مشفوعة بدستور حوّل اليابان الى امبراطورية ديمقراطية، وبنفس الطريقة يقول اصحاب التغيير على هذه الشاكلة انه يمكن الاتيان بمجلس عسكري حاكم اميركي، يحكم العراق ويشدد قبضته عليه ويكتب له دستوراً ويوجد محاكم للنظر في احتقانات المجتمع العراقي الدموية والثأرية.

ولا شك في ان هذا السيناريو يعكس مسألتين هامتين:

1 ـ الاحباط وعدم ايمان الادارة الأميركية بقدرة المعارضة على تسلم زمام الأمور وضبطها بعد سقوط صدام.

2 ـ الخوف من ان ينتج عن سقوط صدام فوضى وحرب أهلية وتجزئة للعراق ستزيد الاحتقان والتوتر في المنطقة مما يعني فشلاً ذريعاً للسياسة الأميركية تجاه العراق.

* ثانياً: النموذج الأممي

* ويتلخص هذا السيناريو باشراك الأمم المتحدة كغطاء للادارة التي سوف تكون تحت الهيمنة الأميركية بعد صدام، ويرى مؤيدو هذا السيناريو ان هذه هي الطريقة التي يمكن للأمم المتحدة ان تشرف فيها على انتخابات عرقية، كما يرون ان هذا السيناريو يمكن أن يشكل خط رجعة او ضمانة فيما لو لم «تجر الرياح بما لا تشتهي السفن»، فيقوم عندها الأميركيون بترك «الجمل بما حمل» في الوقت المناسب حفاظاً على الهيبة وماء الوجه، على اعتبار ان المسألة اصبحت أممية ولم يعد للأميركيين يد فيها.

ولا يحظى هذا السيناريو بكثير من التأييد وخصوصاً داخل أروقة البنتاغون واليمين الأميركي الذي يسمي هذا السيناريو «سيناريو الجبان The Whimp Scenario»، ولعلهم يغمزون من وراء الكواليس بأن هذا سيناريو الخارجية الأميركية وليس البنتاغون، ويحذر مناهضو هذا التصور من ان الدور الأممي سوف يعقد المسألة ويدخلها في دوامات لا ترضي الطرف الرئيسي في عملية التغيير وهو الولايات المتحدة الأميركية، غير انهم لا يعترضون على اضفاء الشرعية والرقابة الدولية على كل ما تتخذه الولايات المتحدة من اجراءات التغيير.

* سيناريو حلم اليقظة او سيناريو الرصاصة الفضية

* هناك من يرى ان التغيير سوف يتم من داخل العراق شريطة استمرار الضغط الدولي على النظام الحاكم في بغداد، وشريطة ان يدرك كل من حول الرئيس العراقي بأنه اصبح مستهدفاً لا محالة، وضمن هذا السيناريو فان أحد المقربين من الرئيس العراقي ـ صدام حسين ـ ربما يطلق عليه ما أسماه المتحدث باسم البيت الأبيض ـ أري فلايشر ـ بـ«الرصاصة الفضية» التي يمكن ان تجنب العراق والمنطقة حرباً لا أحد يعلم مدى نتائجها المدمرة، ويسمى هذا السيناريو بـ«سيناريو حلم اليقظة The Day-Dream Scenario» ويرى آخرون تعديلاً في هذا السيناريو لتحويل الحلم الى حقيقة، وهو أن مثل هذا السيناريو سوف يتم مع الساعات الأولى لعمليات عسكرية اميركية تستهدف تغيير النظام، إذ أن بدء العمليات العسكرية سوف يكون الرسالة التي لا تقبل التأويل لدى العراقيين بأن الولايات المتحدة جادة هذه المرة في تغيير النظام، وبأن هذه هي الفرصة الأخيرة لتجنيب العراق مزيداً من الدمار، ولكي يسارع البعض الى القفز على قطار التغيير قبل ان تنتهي واشنطن من اعداد القائمة الأخيرة للركاب، ويذكّر اصحاب هذا السيناريو بأن الشعب العراقي قد ثار ـ شمالاً وجنوباً ـ عام 1991 بناء على دعوة للثورة من بوش الأب، فما بالك لو دعاهم بوش الابن ثانية للثورة وهو يتقدم الصفوف بالقوة الأميركية العاتية؟

* أضعف السيناريوهات:

* ولعل سيناريو الهدوء والفرح والاستقرار الذي تعقبه انتخابات عامة وحرة وديمقراطية هو أضعف السيناريوهات التي يمكن قبولها في عراق ما بعد صدام، وذلك للسنوات الطويلة من الدموية والرعب التي عاشها هذا البلد المنكوب، وقد بدأت واشنطن تسوق منذ فترة بين أوساط المعارضة العراقية لفكرة محاكم قانونية بمعايير دولية يمكن للعراقيين ان يحتكموا اليها بعد تغيير النظام، وانها لن تسمح بأن يسود عراق ما بعد صدام قانون الثأر والغاب والفوضى والقتل، حيث يمكن لهذه المحاكم ان تحقن كثيراً من الدماء والثارات التي وصمت كثيراً من سلوك انتفاضة عام 1991، والتي ربما كانت واحدة من أسباب كثيرة وراء اجهاض تلك الثورة.

* العامل الاقليمي

* يسود اوساط متخذي القرار في واشنطن شعور بالثقة بأن القوى الاقليمية والدول المحيطة بالعراق لن تكون عائقاً في تنفيذ ما قد يستقر عليه الرأي في واشنطن حول شكل الحكم في عراق ما بعد صدام، ولكن تلك الأوساط تشترط لحياد الدول المحيطة «عامل الحياد الجماعي»، او ما أسماه أحد المخططين العرب بوزارة الخارجية الأميركية «عامل سيب وأنا أسيب»، أي ان لا تتدخل ايران، كي لا تتدخل تركيا ولا يتدخل الأردن كي لا تتدخل سورية، ولا تتدخل دول الخليج ان بقي الجميع على الحياد وهكذا.

من الواضح ان اجواء واشنطن هي اجواء قد اتخذ قرار تغيير النظام العراقي الحاكم فيها منذ فترة، والزمن ليس في صالح الادارة الأميركية ان هي انتظرت طويلاً، فالعامل المحلي مع الادارة، ولكن الى متى؟ فانتخابات الكونغرس سوف تكون في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، وفي يناير (كانون الثاني) سيأتي كونغرس آخر غير الذي صوت قبل أيام بتفويض الرئيس للقيام بما يحلو له، وشهر رمضان المبارك سيحل في الاسبوع الأول من شهر نوفمبر ايضاً، ومعروفة حساسية العمل العسكري الأميركي خلال هذا الشهر على العالم الاسلامي، والأمم المتحدة متحدة على ان العراق خرق كل قرارات مجلس الأمن، ولن تعدو المسألة اكثر من قرار غير محدد المعالم ولكنه محدد الهدف، وهذا ما تتطلع اليه الادارة الأميركية وهذا ما يبدو في الأفق القريب، وربما هذا ما عكس قول الرئيس الأميركي قبل ايام بأن أيام الخروج على القانون الدولي من قبل النظام العراقي أصبحت معدودة.