مشروع أميركي لتكوين شبكة من عراقيي المنافي لمساعدة حكومة ما بعد صدام

TT

يتوجه عراقيو الشتات من شيكاغو وكالامازو ولندن، إلى واشنطن جوا وفي جعبتهم أحلام بمستقبل أفضل. هؤلاء جاءوا من وظائف يومية كمهندسين ومحامين وموظفين حكوميين ونشطاء سياسيين، ليناقشوا ما قد يكون عليه حال العراق بدون صدام حسين.

بعض هؤلاء متخصص في إدارة الأموال العامة، وآخرون يركزون على أسس سياسية جديدة، بينما يفكر آخرون في الصحة العمومية. وتحتل المياه أهمية في جدول الأعمال، كما هو حال البيئة وتحدي أعمال الإغاثة الإنسانية.

وكانت مجموعة من هؤلاء المهاجرين قد التقت أخيرا في إيطاليا لبحث الآراء المتعلقة بالمسائل القانونية وبآلية الملاحقة القضائية المتعلقة بأبشع جرائم حكومة صدام حسين. واليوم ها هي فرق العمل الخاصة بمشروع مستقبل العراق، وهو مشروع تشرف عليه إلى حد كبير وزارة الخارجية الأميركية، تعمل استعدادا لليوم الذي سيرحل فيه صدام حسين.

وخلال الأسابيع الماضية، تمكن هذا المشروع الذي خصص له مبلغ خمسة ملايين دولار أميركي، من المضي قدما بعيدا عن المناقشات التي دارت في الكونغرس وفي أوساط الأمم المتحدة، حيث تعمل إدارة بوش على تحقيق هدفها المتعلق بالإطاحة بنظام صدام حسين. هذا المشروع يهدف إلى وضع مبادئ وحلول عملية، وإلى تكوين شبكة من عراقيي المنافي، يمكن الاستفادة منها إذا ما سقطت حكومة بغداد. ويشير المشرفون على المشروع إضافة إلى محللين من الخارج، إلى ان التحديات الهائلة التي قد تواجه أية حكومة مستقبلية، بدءا من احتمال وقوع حوادث قتل انتقامية إلى تأسيس حالة من النظام وتوفير فرص العمل.

وقال مسؤولون في إدارة بوش إن هذا المسعى لا يهدف لتكوين حكومة مؤقتة أو للتوصل لتسوية بشأن القضية غير المحسومة المتعلقة بمن سيحل مكان صدام حسين. ويتعامل هؤلاء بحذر بشأن فتح باب المشاركة لعراقيين يعيشون داخل العراق. وكما لاحظ عراقي يعيش في الولايات المتحدة فإن «الشعب العراقي لم ينتخب أيا منا».

ومع عدم وضوح الرؤيا بشأن من سيحكم العراق، لا يبدو ان هناك آلية لتنفيذ ما قد يتوصل إلية المشروع المذكور من استنتاجات، سواء أكانت متعلقة بدستور جديد للبلاد أو بمبادرة أساس فيدرالي جديد، ذلك ان الخلافات قد ظهرت بالفعل بشأن كيفية تحول مساعي مجموعة العمل إلى مناقشات آنية وإلى خطط عملية.

وقد أشار مسؤول أميركي الى إن دور فرق العمل استشاري فقط، وقال «لا توجد لدينا فكرة بشأن ما قد يكون عليه حال العراق بعد الحرب. فبعض الأفكار قد تؤتي ثمارها، وأخرى قد تفشل، لكننا نشعر بأن علينا المحاولة. والناس يخرجون من هذه الاجتماعات وفي جعبتهم الكثير».

ويضم مشروع مستقبل العراق هذا ستة فرق عمل يشارك فيها العشرات من المدعوين، إضافة إلى بضعة مجاميع تضم العشرات. ومن المقرر تكوين ما لا يقل عن ستة فرق أخرى خلال الأسابيع المقبلة. وبينما يعد أولئك المنتمون للجماعات المعارضة لصدام حسين، مشاركين أساسيين، إلا أن الإدارة الأميركية تمكنت من التواصل مع أناس أكدوا بوضوح عدم علاقتهم بجماعات المعارضة أو بأساليبها المألوفة.

وقال ديفيد إل ماك، السفير الأميركي السابق الذي وضع صيغة المشروع «إنه يهدف لتكوين شبكات من الأفراد الذين قد يعملون كمتخصصين في الحكومة المستقبلة». وأضاف إن الأفكار والمقترحات يمكن أن تصبح «مكونات للبناء» الذي سيستند إليه إصلاح الأوضاع في العراق، بينما يمكن للمجاميع البشرية أن تتوسع بشكل عاجل لتضم أقارب وزملاء دراسة وجيران سابقين إذا ما تم فتح أبواب العراق.

ويتم اتخاذ القرارات بشأن هذا المشروع من قبل لجنة تضم عددا من الأجهزة، من بينها مسؤولين من وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) والبيت الأبيض. وقد حضر مندوب عن وزارة الخزانة جلسة خاصة بإدارة المال العام، فيما يشارك مندوب من وزارة العدل في أعمال اللجنة المعنية بالشئوون القضائية خلال الفترة الإنتقالية. وقد أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس بنواياها المتعلقة بإنفاق القسط الأول من المبلغ المخصص للمشروع (الملايين الخمسة) وقدره مليون ونصف مليون دولار أميركي.

من بين المشاركين في المشروع هناك المحامي فيصل أمين إسترابادي، وهو من ولاية إنديانا. ويشترك في جلسات مجموعتي عمل. وقد ولد في الولايات المتحدة لأبوين عراقيين، وفيما بعد أمضي ستة أعوام من طفولته في العراق قبل أن يغادرها منذ 32 عاما. وقال بأنه لا يعتبر نفسه عضوا في المعارضة، كما إنه يرحب بتنوع مجموعات العمل. وأضاف «الأمر لايعد فقط رمزيا، رغم إنه يحتمل ذلك أيضا. وأنا آمل أنه سيثبت إن هناك جماعة من العراقيين والمغتربين العراقيين ممن تشغلهم هذه المشاكل، وممن يقدمون حلولا واقعية وليسوا فقط يطرحون نظريات وآمالا وأحلاما».

ويلعب المؤلف المولود في العراق كنعان ماكيا دوراً حيوياً في مجموعة عمل تضع خطة بشأن الإصلاحات الديمقراطية. وهو يأمل في تقديمها لمؤتمر من المقرر أن تعقده المعارضة العراقية خلال الخريف الجاري بأوروبا. وقال إن الأيام الأولى لما بعد صدام حسين تتطلب حكومة انتقالية تضع الأسس اللازمة لمجلس نيابي تأسيسي، وتضع جدولا زمنيا للإنتخابات.

وقال ماكيا إن على أول من سيتولي السلطة أن يخضع لـ«حدود مشددة للغاية لا يمكن للحكومة المؤقته أن تعدلها». وأعرب عن اعتقاده بأن العراق يحتاج لإجراءات ملاحقات قضائية للمجرمين ولعملية مصالحة وكشف الحقائق تتناول عقدين من سوء استغلال الحكومة للسلطة. ووصف ماكيا نفسه بأنه «شاهد الكثير بالفعل». لكنه مع ذلك يأمل في أن يكون مستقبل مابعد صدام مشرقا، على الرغم من أن ذلك لن يحدث مطلقا. ويعترف بأن قائمة من قد يطالبون بالسلطة طويلة. والجهود التي يبذلها كما قال «مفعمة بانتصار الأمل على تجارب الماضي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»