صدام يتبع طرقاً عديدة للحؤول دون تعرضه للاغتيال: استخدام طاقية واقية من الرصاص ومتذوقين للطعام وأشباه كثيرين يموهون على مكان وجوده

الرئيس العراقي قال لأحد زعماء العشائر: عليك الانتظار في طابور طويل اذا أردت قتلي

TT

بغداد ـ أ.ب: حتى قبعته مطلية بمادة مانعة لاختراق الرصاص. أما طعامه فهناك من يتذوقه له أولا للتأكد من عدم احتوائه على سم. ومع ذلك يظل السؤال مطروحا: هل هو فعلا صدام حسين الحقيقي أو واحد من أشباهه الذين وُضعوا لتضليل أي شخص ينوي اغتياله؟ ومع تفكير الولايات المتحدة في خوض الحرب ضد العراق، فإنها ستكون في هذه المرة ذات هدف محدد يتمثل في اطاحة الرئيس العراقي صدام حسين.

لكن الرئيس العراقي اتخذ اجراءات كثيرة وبارعة خشية تعرضه لمحاولة تصفية. وتبدأ هذه الاجراءات ببناء شبكات من المخابئ إلى غرف متحركة للنوم والراحة إلى خوذة غير اعتيادية، حسبما كشفت عن ذلك شخصيات تتعامل مع الرئيس ومع اجهزة استخباراتية غربية.

وإذا كان الرئيس العراقي لم يظهر أمام الناس منذ ديسمبر (كانون الاول) 2000، فانه اكتفى بالظهور من وقت إلى آخر على شاشة التلفزيون في أوضاع آمنة جدا، وكان يظهر إلى جانبه حارس مسلح. وأثناء حضوره الأسبوع الماضي إلى المجلس الوطني والذي تم عرضه تلفزيونيا كان هناك حارس برفقته. وهناك قال محمد مظفر الأعظمي عضو مجلس النواب، في إشارة إلى التصريحات الأميركية حول اغتيال صدام «هذا الكلام عن تغيير الأنظمة ليس سوى حلم. وإذا أرادوا التكلم عن طلقة أو أي شيء آخر فإنه ليس سوى حلم». وأضاف الأعظمي «الأميركيون حاولوا خلال ثلاثين سنة لكنهم لم يستطيعوا أن يقوموا بأي شيء. لقد حاولوا عام 1991 لكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً».

تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش كانت صريحة في التعبير عن هدفها بالتخلص من صدام. وحسب التقديرات الأميركية، ستبلغ تكاليف تحقيق هذا الهدف 9 مليارات دولار شهريا تُنفق على الحرب ضد العراق. وقال آري فلايشر المتحدث باسم البيت الأبيض مطلع الشهر الجاري «إن سعر رصاصة واحدة سيكون اقل، إذا قام العراقيون بتحقيق ذلك الهدف بأنفسهم». واثار هذا التصريح جدلاً حول تبني الإدارة الأميركية لسياسة الاغتيال.

لكن هناك الكثيرين ممن سبقوا الرئيس بوش وحاولوا التخلص بدون جدوى من صدام، إذ حسب القائمة الرسمية الأميركية هناك ما يقل عن تسع محاولات اغتيال وانقلاب عسكري ضده، لكن الرئيس العراقي تمكن من النجاة منها وتعلم منها دروسا. ونُقل عنه أنه قال لأحد شيوخ العشائر قبل عدة عقود لمنعه من السعي للانتقام من عملية قتل قام بها أفراد من عائلة صدام حسين «عليك أن تنتظر في طابور طويل كي تقتلني. هناك آلاف قبلك يريدون قتل صدام حسين».

وصدام نفسه كان طرفا في عمليات اغتيال. ففي عام 1959 حينما كان عمره 22 سن شارك في محاولة اغتيال رئيس وزراء العراق آنذاك عبد الكريم قاسم، أثناء مروره بشارع الرشيد. وتحت مشاعر انفعال شديدة، اطلق صدام ورفاقه النار على قاسم. وقد تمكنوا من إصابته بجرح بليغ، لكنهم في الوقت نفسه جرحوا واحدا من رفاقهم، صدام حسين نفسه. ومنذ ذلك الوقت، ظل صدام حريصا على تجنب حادث شبيه من خلال التخطيط الجيد والتنظيم.

والآن، ومع احتمال وقوع مواجهة مع الولايات المتحدة، جعل صدام مكان إقامته لغزا، حتى بالنسبة لشعبه، إذ لم يخرج خلال فترة الاستفتاء على فترة رئاسية أخرى تسمح له بالحكم لسبع سنوات أخرى. ولم يظهر سوى نجله البكر عدي ولفترة قصيرة في أحد المراكز الانتخابية حيث جاء بسيارة فاخرة ليعطي طفلة عمرها ست سنوات ورقته الانتخابية كي ترميها له في صندوق الاقتراع، ثم مضى مسرعا. وعدي نفسه نجا باعجوبة من محاولة اغتيال في ديسمبر عام .1996 ومنذ ذلك الوقت وأفراد عائلة صدام يتجنبون التنقل المكشوف بالسيارات حتى مع توفر حراسة مكثفة لهم. وبدلا من ذلك، صاروا يفضلون التنقل بطريقة مجهولة مستخدمين سيارات لا تثير الانتباه عند تنقلهم بين القصور الخاصة بهم.

وعدَّد سعيد أبو ريش الفلسطيني الذي عمل كمؤيد للحكومة العراقية في الغرب خلال فترة الثمانينات وآخرون كانوا يعملون في أجهزة الاستخبارات العراقية، الخطوات التي يتبعها صدام للمحافظة على حياته. فوجبات الطعام تعد له في كل قصوره في وقت واحد لإخفاء المكان الذي سيتجه إليه حتى آخر دقيقة. ومتذوقو الطعام يسبقونه في اختبار سلامته قبل أن يتناول صدام منه. كذلك هو الحال مع ضيوفه الذين يسيرون عادة في عدة مناطق كي يضللوا الطريق قبل وصولهم إلى مكانه الحقيقي.

ولعب أشباه صدام دورا مهما في ضمان سلامته في فترة الثمانينات والتسعينات، حيث كانوا يؤدون دوره في المناسبات الأقل أهمية، وكانوا أحيانا هدفا لمحاولات اغتيال. وصدام الحقيقي بدأ في الفترة الاخيرة يظهر أمام شعبه بملابس انجليزية أثناء متابعته لعروض عسكرية ويضع على رأسه قبعة سميكة غريبة على ملابس الرؤساء العرب.

كما تم تدريب الآلاف كي يقوموا فقط بحماية صدام. وقد تم تدريب هؤلاء على مواجهة أي عمل تخريبي، وتم تدريسهم كل الانقلابات العسكرية والثورات التي جرت خلال القرن العشرين. وأثناء حرب الخليج الثانية تمكن صدام من النجاة من القصف الأميركي عن طريق الإقامة في بيوت تعود لمواطنين عاديين حيث قضى هناك عدة أيام، لأن قصوره كانت أهدافا مكشوفة للقصف مثلما كتب لاحقاً سكرتيره الشخصي الجنرال حميد محمود.

وفي هذه المرة، سيختبئ صدام في بغداد أو في مسقط رأسه بتكريت. فخارج هذه المدينة تمكن الكثير من الصحافيين من رؤية بطاريات المدافع المضادة للجو والمخابئ. وظلت أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية تشير إلى المنشآت العسكرية الواقعة تحت الأرض. وهناك تقارير تشير إلى تلك الأساطيل من الشاحنات المزودة بمقصورات تسمح للقادة العراقيين بالهروب والاختباء في وقت واحد.

وفي روايته العاطفية «زبيبة والملك»، توبخ القروية الجميلة الملك من عزل نفسه عن شعبه وراء أبواب قصره. فيأتي جواب الملك بهذا الشكل: «هل أنا الذي أعزل نفسي يا زبيبة؟ الحراس الذين ترينهم ليسوا هنا لامساكي بل لحمايتي ومنحي الهيبة». فتقول له زبيبة «كل شيء رُتب بحيث أنك لا تشاهد أي شخص»، لكن الملك يقول: «كل شيء رُتب كي يحقق مطالب الأمن والقوة».