المخابرات الإسرائيلية تضاعف الحراسة على بن إليعزر بعد أن هدد المستوطنون حياته

TT

في الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون انفلاتهم في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وبذلك يساعدون رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، كي يبدو أمام العالم الغربي معتدلا، بدأت أجهزة الأمن عموما والمخابرات العامة بشكل خاص، تأخذ ببالغ الجدية العربدة الاستيطانية والتهديدات الدامية. وبدأت منذ يوم أمس تضاعف الحراسة على وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، بعد ان تلقى تهديدا بقتله.

ويسعى شارون حاليا الى منع تفاقم الاوضاع بشكل يهدد بتفكيك حكومة الوحدة القومية التي يقيمها حزبه (الليكود) مع حزب العمل ومع أحزاب اليمين واليمين المتطرف. علما بأن مستوى الهجمات المتبادلة بين وزرائه، خصوصا وزير الدفاع ووزير البنى التحتية، يشير الى استحالة البقاء معا في الحكومة. اذ وصف ايفي ايتام، رئيس حزب المفدال (الممثل المباشر للمستوطنين) زميله بن اليعزر بالكذب والخداع وشتمه قائلا «انه رجل غبي وجبان». وطالب حزب العمل شارون بأن يقيل ايتام ويطرده من الحكومة.

وكانت بداية هذا الصراع متوقعة جدا، بل ان كل عناصرها رسمت لنفسها سيناريو مناسبا لمصالحها فيه. الا ان الامور خرجت عن السطرة كما يبدو وبدأت تتدحرج في اتجاهات اخرى.

في البداية بحث بن اليعزر وهو ايضا رئيس حزب العمل، عن موضوع يصطدم به مع اليمين وحتى مع رئيس الوزراء، حتى يستعيد ثقة أعضاء حزبه به. فهؤلاء، بغالبيتهم الساحقة يعتبرونه مهادنا لشارون وتابعا له وأداة لتنفيذ سياسته المعادية للمسيرة السلمية.

وكلما مضت الايام زادت المعارضة والانتقادات له حتى أجمعت استطلاعات الرأي على انه سيسقط في الانتخابات الداخلية المقبلة. وعقد بن اليعزر عدة جلسات صريحة مع شارون، حاول فيها التوصل الى خطة مشتركة لمواجهة المعارضة الداخلية. واقترح عليه ان ينسحب من حكومته بشكل ودي، لتنفيس الغضب في معسكر السلام والعودة الى الحكومة حالما تنتهي الانتخابات الداخلية. وحاول اقناعه بأن هذا في مصلحته أيضا، إذ سيضعف من حجج منافسه في الليكود بنيامين نتنياهو، الذي يتهمه بأنه ينفذ سياسة حزب العمل. لكن شارون رفض العرض بشدة وهدد بن اليعزر: «اذا انسحبتم من الحكومة، فسأعلن عن تقديم موعد الانتخابات فورا». وعرف بماذا يهدد، إذ ان حزب العمل يخشى من انتخابات قريبة. فاستطلاعات الرأي تجمع على انه قد يخسر نصف قوته البرلمانية على الاقل.

لهذا، قرر بن اليعزر البقاء في الحكومة والدفاع عن بقائه فيها، والبحث عن اقتراح آخر يعيد له اصوات معسكر السلام داخل حزبه. فوجد الموضوع الاستيطاني، حيث توجد 109 نقاط استيطان جديدة بنيت خلال السنوات الخمس الاخيرة من دون ترخيص حكومي وقوى السلام تطالب باخلائها. ووافق شارون في حينه على اقتراح بن اليعز بتفكيك 24 نقطة استيطانية منها واعلن موافقته على ذلك قبيل سفره الى الولايات المتحدة، الاسبوع الماضي. وكان شارون يهدف الى ان تسيطر صور اخلاء المستوطنين على شاشات التلفزيون عندما يكون هو يجري المفاوضات في البيت الابيض. لكن قيادة المستوطنين وغيرها من قادة اليمين الاسرائيلي، رفضوا المشاركة في هذه اللعبة وفق مخططات شارون وبن اليعزر ووضعت خطة أخرى تناسب مصالحها، فطلبت امهالها ثلاثة ايام لبلورة موقف ما بين المستوطنين، فقرر بن اليعزر الضغط عليهم بمحاولة اخلاء نقطة واحدة وهي «مزرعة غلعاد» التي تعيش فيها عائلة راز التي كانت قد فقدت ابنها غلعاد في المكان برصاص فلسطيني. فانتقمت له بنهب مئات الدونمات من الاراضي الفلسطينية وتحويلها الى مزرعة يهودية. وعندما حضرت قوات الجيش اتفقت مع هذه العائلة ومع اثنين من قادة المستوطنين على ان يتم الاخلاء بهدوء ومن دون مقاومة، شرط ان يقام في المكان موقع عسكري ويتاح للعائلة اليهودية ان تحضر يوميا الى الارض لفلاحتها.

هنا ظهرت قوة اخرى من المستوطنين، يسمونها في اسرائيل اليوم «اولاد التلال»، ويقصدون الفتية والشبان الصغار من ابناء المستوطنين الذين قرروا اخذ القانون بأيديهم والاعتداء على الفلسطينيين ومقاومة أية عملية اخلاء للمستوطنات. ويقال ان هناك جسما سياسيا كبيرا يقف وراء هؤلاء، البعض يشير الى زعيم حزب المفدال وزير البنى التحتية في حكومة شارون، ايفي ايتام، والبعض يقول ان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسبق، هو الذي يقف وراءهم. ووقع صدام عنيف بينهم وبين قوات الجيش والشرطة التي حضرت لاخلاء تلك المزرعة، فقام المستوطنون برشهم بسائل مبيد للحشرات وقذفوهم بمسامير الحديد وبالحجارة والعصي. ولم تكن تلك معركة عابرة لمرة واحدة بل استمرت يوما تلو الآخر. وبلغ عدد الجرحى فيها، حتى مساء امس، 120 شخصا، ثمانون منهم رجال أمن. وبلغ عدد المستوطنين المشاركين في الدفاع عن هذه المزرعة 800.

في المقابل خرج مئات آخرون من الاسرائيليين الى حقول الزيتون الفلسطينية لحرمانهم من قطفها في هذا الموسم، واطلقوا الرصاص على الفلاحين وعلى انصار السلام اليهود الذين هبوا لنجدتهم يوم السبت الماضي. واستمرت الاعتداءات امس وأول من امس ايضا، هذا عدا عن سرقة المحصول من الزيتون.

وتفاقمت هذه الاعتداءات لتصل الى حد تهديد حياة بن اليعزر، من اكثر من مصدر. وقد حاولت المخابرات ابقاء هذه الناحية سرا، الا ان بن اليعزر كشف عنها بنفسه ولم يخف خوفه، وقال: لقد تلقيت في الايام الاخيرة عدة رسائل تهديد بالقتل، وهذا يذكرني بالاجواء التي سبقت اغتيال اسحق رابين (رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، الذي اغتاله احد نشطاء اليمين المتطرف، في مثل هذه الايام قبل سبع سنوات). وعلى اثر ذلك ضوعف عدد حراسه وتم تقييد حريته في التنقل خوفا على حياته.

وبات واضحا ان الامور لم تعد في صالح من خطط لها، فرئيس الوزراء شارون يشعر ان الامور تفلت من بين يديه وان اخلاء المستوطنين بالقوة يفقده شعبيته داخل الليكود، والآن اصبح هو الذي يخاف الانتخابات ولذلك يسعى بكل قوته لابقاء كل الاطراف في الحكومة، وهذا يعرقل تنفيذ وعوده في الانسحاب من الخليل التي كان قد قطعها على نفسه أمام الرئيس الاميركي جورج بوش. وبن إليعزر أصبح يرى نفسه خارج الحكومة ولكن في وضع أضعف وليس اقوى، أي ان الفائدة التي يرجوها من الانسحاب من الحكومة، لم تعد ممكنة الآن بل تنعكس عليه سلبا.

وحتى أحزاب اليمين المتطرف، التي تحمست لهذه المقاومة القتالية لتفكيك المستوطنات، لم تعد تراها ايجابية، فالشباب المذكورون يتمردون ايضا عليهم ويرفضون الانصياع لأوامر اهاليهم وحتى لأوامر رجال الدين الكبار الذين توجهوا لهم، واصبح الجميع مقتنعين بأن المسخ تمرد على خالقيه.