بوتفليقة لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد لأزمة العراق أن تحجب قضية فلسطين

الرئيس الجزائري: نزكي قرار الصحراويين ونرغب في إعادة المياه إلى مجاريها مع المغرب * لا يعقل أن يكون الإرهاب مرفوضا في أفغانستان ومقبولا في أوروبا

TT

حلّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ضيفاً على القمة الفرنكوفونية التاسعة التي انعقدت في بيروت بين 18 و20 الجاري. ووصفت الصحافة الفرنسية وجود بوتفليقة، بأنه «حدث بارز». فقد رفضت الجزائر باستمرار الانضمام الى هذه المنظمة لأنها بحاجة الى وقت لتضميد جراح عروبتها التي خلفها وراءه الاستعمار الفرنسي. لكن احداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والتحولات المزلزلة التي يمر بها العالم، وتحديداً المنطقة العربية، ربما، دفعت بالرئيس الجزائري الى تجاوز المواقف المتشنجة حيال فرنسا والفرنسية والحضور الى القمة ليقول: «ان عروبتنا اصبحت متجذرة ومتينة، وبالتالي استحدثنا ثقتنا بأنفسنا... ومن دون أي خوف نشارك في أعمال هذه القمة».

«الشرق الأوسط» التقت الرئيس الجزائري قبل عودته الى بلاده بساعات وكان لنا حديث شارك فيه عدد محدود من وسائل الاعلام حول القضية الفلسطينية والعراق والصحراء الغربية والهوية الجزائرية. وفي ما يلي نص الحديث:

* هل وجودكم في القمة هو توطئة لدخولكم كعضو في المنظمة الفرنكوفونية؟

ـ لن اجيب عن هذا السؤال الذي يريد ان يسجل ضربة صحافية. أنا سعيد بانعقاد هذه القمة على ارض عربية، وفي لبنان تحديداً، لان هذا يعزز دور البلد ويدعم عودته الى الساحة الدولية. والجزائر لبت الدعوة دعماً للبنان ووقوفاً الى جانبه اما انضمامنا الى المنظمة، فهذا امر نحن نحدد مكانه وزمانه.

* ما هو موقفكم من القضايا الاساسية في المنطقة لا سيما قضية فلسطين والمشكلة العراقية؟

ـ هناك قرارات دولية في ما يتعلق بجنوب لبنان والجولان، ونحن لا نطلب المستحيل حين نطالب بتطبيق هذه القرارات. اما مشكلة العراق فأعتقد انها استمرار لحرب الخليج. وهنا لا بد ان احيي مواقف فرنسا وروسيا والصين وحتى مواقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الأمم المتحدة. واذكّر هنا بأن علاقة الجزائر مع أميركا جيدة، وتربطني علاقة صداقة بالرئيس جورج بوش. لكنني أرى ان هذه المنطقة ليست بحاجة الى حرب اضافية. والرئيس جاك شيراك طرح خلال القمة الفرنكوفونية حلولاً براغماتية تدور في الاتجاه الصحيح. ويجب على العراق ان يقبل بالمفتشين الدوليين ويقدّم التسهيلات لهم. واذا كان هناك من اسلحة دمار شامل، يجب تدميرها. اعرف ان هناك مكيالين، وان ثمة اسلحة في اسرائيل لا يقال حولها شيء. ولكن لنكن صارمين وقاسين مع أنفسنا، ونطلب انه اذا ما وجدت اسلحة دمار شامل في العراق يتم تدميرها، علماً بأنني اشك في وجودها. فقد جاء المفتشون في السابق وقاموا بعملهم ولم يجدوا شيئاً. باختصار لا نريد ان نحمي اسرائيل. فالحرب في أفغانستان حجبت المذبحة التي تجري في فلسطين، وما يجري بين الهند وباكستان حجب المذبحة التي تجري هناك، وها هي قضية العراق تأتي لتحجب بدورها المذبحة التي ترتكب بحق الفلسطينيين. الأولوية لفلسطين ومن مصلحتنا ان نتفادى كل ما يمكن ان يهمشها. يجب ان نعمل جهدنا لرفع الحظر المضروب على العراق وعلى ليبيا والسودان، هذا البلد الذي يحتاج الى مصالحة مع نفسه.

* اسرائيل تعتبر ان المشكلة الاساسية في فلسطين اليوم هي ياسر عرفات؟

ـ علّمنا الغرب ان الحكم للشعب، والشعب حر في اختيار من يمثله. لا افهم ان يقال نريد ان نتخلص من ياسر عرفات، هذا امر يعود للفلسطينيين، والامر نفسه ينطبق على صدام حسين والشعب العراقي. واغتنم هذه المناسبة لأقول للشعب الفرنسي ان الرئيس شيراك، اليوم، يمثل الخط الديغولي الذي نحترم ونقدّر، لذلك اثمن المواقف التي اتخذها هنا في لبنان برفقة العرب والأفارقة واصدقائنا من الأوروبيين المشاركين في القمة، من اجل دعم قيم ومبادئ عادلة.

* تقولون انكم عانيتم من الارهاب قبل الآخرين فما هو رأيكم في الطريقة التي تتم بها مكافحته حالياً؟

ـ ليس معقولاً ان يكون الارهاب مرفوضاً في أفغانستان ومقبولاً حين يكون في أوروبا. بعض الدول الديمقراطية الغربية تعرف ان على ارضها من يحيي ما حصل في اندونيسيا، ومن اعمال ارهابية في اماكن اخرى من العالم، ومع ذلك لا تفعل شيئاً. فمن غير المقبول ان يغض النظر عمن يحملون الجنسية الانجليزية ويقيمون في انجلترا، وعلاقاتهم المشبوهة معروفة، وتورطهم لا يخفى على احد، ورغم ذلك لا تتخذ اجراءات ضدهم لانهم لم يرتكبوا ما يخالف القانون على الاراضي الانجليزية.

* كيف تنظرون الى مشكلة الصحراء الغربية، وما السبل لحل هذه القضية التي ما تزال عالقة؟

ـ نحن نقسّم العلاقات مع المغرب الى مواد ثلاث: هناك العلاقات الثنائية ويربطنا مع المغرب ما لا يربطنا بشعوب اخرى من الثقافة والعرق والتاريخ القديم والحديث. وكانت دولة الموحدين تشمل المغرب العربي ككل. بالاضافة الى ذلك هناك قاعدة لا مناص منها وهي الجغرافيا. فلا المغرب يفكر في الرحيل ولا الجزائر تفكر في الرحيل. لذا علينا ان نعمل من الجهتين لحل هذه المشكلة وتحسين العلاقات الثنائىة.

الموضوع الثاني هو بناء المغرب العربي وقد تأخرنا كثيراً، خاصة ان هذا الانجاز بات مطلباً أوروبياً لأننا شركاء في المجموعة الأوروبية. وكنا قاب قوسين او ادنى من عقد اجتماع بهذا الخصوص، ثم جاء من طلب التأجيل، وتُبذل، حالياً، الجهود ليعقد هذا الاجتماع على مستوى القمة بالنسبة للمغرب.

قضية الصحراء الغربية هي قضية الأمم المتحدة، ونحن في موقعنا ندافع عن مبدأ، فبعد معركة طاحنة دامت ثماني سنوات من اجل الاستقلال قبلنا تطبيق تقرير المصير لننال الاستقلال، ودافعنا عن هذا المبدأ في المحافل الدولية. نحن نزكي ونبارك اختيار الشعب الصحراوي وقراره، مهما كان هذا الاختيار. لقد طرحنا وسجلنا رسمياً حدود الجزائر في الأمم المتحدة ليتبين للجميع ان لا مطلب للجزائر على الاطلاق في الصحراء الغربية، وكل ما نريده هو ان يُستفتى الشعب الصحراوي ويقرر مصيره بنفسه. نحن عانينا الكثير من هذه القضية وكذلك عانى الشعب المغربي، واصبحت هذه المشكلة عبئاً كبيراً علينا، وعلى الجميع في المنطقة المغربية والعربية. نريد حلاً يتلاءم والشرعية الدولية. وبودي ان اتوجه الى المغرب الشقيق واقول اننا نكن له كل المودة والمحبة ونرغب في اعادة المياه الى مجاريها، ونريد ان نعمل معاً من اجل ان تلعب بلداننا على الجانب الجنوبي من المتوسط، ذاك الدور الذي عرف لها في العقد العشرين من القرن الماضي.

* تقولون: «كيف لا يرفض المسلمون في العالم بعض الادعاءات التي تندد بالاسلام... وكيف لا يرفضون هذه العجرفة» فهل لكم رؤى جديدة واقتراحات لمواجهة ما يتعرض له المسلمون منذ 11 سبتمبر؟

ـ هل يمكن ان نخلط بين جان جوريس وموسوليني او هتلر. جوريس كان يمثل قيماً سامية اما الآخران فكانا يريدان إعطاء نظرة مشوهة عن الحضارة الغربية. هل هم من الحضارة الغربية في شيء؟ هناك اطراف من المسلمين مالوا الى التطرف والجنوح الى العنف. هذا لا يعني ان الاسلام انحرف او ان الاسلام سيئ، او ان المسلمين ينتمون الى الارهاب. لقد رأينا دولاً متقدمة تعامل بأساليب غير لائقة عرباً ومسلمين في بلدانها وهم يحملون جنسياتها. لا تكون الحضارة هكذا. التطرف موجود في كل الأديان، وكان التطرف موجوداً اثناء الحروب الصليبية، وما زال موجوداً في السلوك الصهيوني الديني الحالي. التطرف عند بعض المسلمين لن يكون وصمة عار على المسلمين جميعهم، لذا لا نخلط حضارة عربية اسلامية بالتطرف. ولا نخلط الحضارة الغربية بما جاء به موسوليني وهتلر علماً انهما كانا يتكلمان باسم قيمها.

* بالعودة الى القمة الفرنكوفونية، هل تعتقدون ان محاولة فرنسا التمايز عن الموقف الأميركي بايجاد قطب او تكتل فرنكوفوني في موازاته هو مشروع له فرص في النجاح؟

ـ الدول الفرنكوفونية لا تمثل كتلة سياسية تريد الضغط على هذا القطب او ذاك، وانما هي تعبر عن آراء شعوب من القارات الخمس، وتعلي صوتها بالمطالبة بالأمن والسلام وشيء من الرفاهية والعدالة تضم الكبير والصغير. ولا بد هنا ان اشيد بالموقف الفرنسي الذي هو في صالح التعددية والشرعية الدولية، وتجنب حرب في المنطقة. فالموقف الفرنسي ليس في صالح العرب وحسب ولكنه في صالح الشعب الفرنسي من منطلق عضويته الدائمة في مجلس الامن، وفي صالح الشرعية الدولية. واعتقد ان صوتاً كهذا لا بد ان يُسمع، او على الاقل ان يكون له صدى.