مصادر غربية: باريس حققت نصف انتصار في معركة «الفقرة 10» من مشروع القرار حول العراق

TT

أفادت مصادر دبلوماسية غربية في العاصمة الفرنسية امس ان باريس «نجحت حتى الآن» بادارة الملف العراقي، في مجلس الأمن «ببراعة» وانها «حققت حتى الساعة نصف انتظار دبلوماسي» تمثل في تخلي الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا عن المطالبة بتوجيه ضربة عسكرية الى العراق بشكل تلقائي دون العودة الى مجلس الأمن.

وقالت هذه المصادر انه بانتظار ان تعرف النتيجة النهائية للمشاورات الدبلوماسية المكثفة و«المساومات» الدائرة في نيويورك وفي العواصم المعنية حول صيغة النص النهائي الذي سيسلم الى اعضاء مجلس الأمن، فان الحل التوفيقي الذي سيحفظ وحدة مجلس الأمن ويفسح المجال للتصويت على القرار الجديد يقوم على تنازلين متبادلين: ان تتنازل واشنطن (ولندن) عن تلقائية الرد العسكري، ومن جهة مقابلة تتخلى باريس (وموسكو) عن الاصرار على رهن السماح بالعمل العسكري ضد العراق بصدور قرار ثانٍ عن مجلس الأمن، وهو ما كانت تطالب به فرنسا منذ البداية.

وتقول هذه المصادر انه اذا سارت باريس في هذا الحل، فان «معركة الفقرة 10» من مشروع القرار الاميركي ـ البريطاني، في صيغته الأولى، تكون قد انتهت بلا غالب او مغلوب. وبحسب هذه المصادر الغربية، فان واشنطن يمكنها ان تحفظ ماء الوجه لا بل القول انها فرضت وجهة نظرها الداعية الى صدور قرار وحيد عن مجلس الأمن، في وقت تطالب باريس بصدور قرارين، الأول يحدد شروط عودة المفتشين وظروف عملهم والثاني يقرر كيفية الرد على عدم تعاون العراق بشكل مرضٍ مع المفتشين الدوليين وفق الشروط الجديدة التي يكون قد تضمنها القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن.

ومن الجانب الفرنسي، يمكن باريس القول ان تمسكها بموقفها المعلن دفع واشنطن الى التراجع عن المطالبة بحق الضربة التلقائية وفرض عليها قبول العودة الى مجلس الأمن الدولي للنظر في فشل العراق الاستجابة المطلقة والكاملة وغير المشروطة، على اساس تقرير يرفعه هانز بليكس، رئيس لجنة إنموفيك للمفتشين الدوليين. وبكلام آخر، فانه رغم رفض واشنطن (حتى الآن) المسبق رهن تحركها ازاء العراق بقرار جديد صادر عن مجلس الأمن فان لباريس حق القول انها اعادت المسألة العراقية الى مجلس الأمن الدولي وخولته «حق النظر» في التطورات اللاحقة.

وقال دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» ان باريس تطبق تكتيك «الخطوة خطوة» بخصوص الملف العراقي، وفي تعاطيها مع الدبلوماسية الاميركية وان هذا التكتيك «نجح حتى الآن في تكبيل واشنطن». ويؤكد هذا المصدر ان «الخطوة» الأولى الفرنسية تمثلت في دفع الادارة الاميركية للتخلي عن «التعامل الأحادي» وعن «الضربة الوقائية»، اي في حمل واشنطن على العودة الى مظلة مجلس الأمن. وعندما تم هذا الأمر واصبح رسميا في خطاب بوش أمام الجمعية العامة في 12 سبتمبر (ايلول) الماضي، رفعت باريس مبدأ صدور قرارين عن مجلس الأمن لتقطع على واشنطن درب استخدام مجلس الأمن كذريعة او غطاء، يوفر الشرعية المطلوبة.

وقد حاز هذا المبدأ تأييداً واسعاً، في مجلس الأمن وخارجه، خصوصا ان الرئيس شيراك ذهب الى التلويح المبطن باستخدام حق النقض (الفيتو) في المؤتمر الصحافي الذي عقده في القاهرة يوم الاربعاء الماضي.

ويؤكد المصدر الغربي ان باريس التي حصلت كذلك على تنازلات اميركية منها تحلي واشنطن عن المطالبة بتوفير حماية عسكرية للمفتشين في العراق وامكانية مرافقتهم من قبل الاعضاء الخمسة الكبار في المجلس ناهيك عن تخويل هانز بليكس ومحمد البرادعي تحديد طريقة استجواب العلماء العراقيين الضالعين في برامج التسلح العراقية، تراهن على «الدينامية الدبلوماسية» التي ستترتب على العودة الى مجلس الأمن لمناقشة ما يتوجب فعله اذا ما خلص تقرير بليكس والبرادعي الى ان العراق لا يستوفي شروط التعاون الكافية.

ويعتبر المصدر الغربي انه من الأجدى لفرنسا المراهنة على هذه الدينامية الدبلوماسية للجم نزوع واشنطن نحو القيام بأعمال عسكرية واسعة النطاق ضد العراق، على الاصطدام بالولايات المتحدة والوقوف بوجهها عن طريق استخدام حق النقض، لما لهذا الاصطدام من محاذير على مجلس الأمن وعلى تخلي واشنطن عنه وعودتها الى احادية التصرف ازاء العراق.

ويعتقد المصدر الغربي ان «كنوز اللغة والصيغ الدبلوماسية» هي التي ستنقذ الجميع من الورطة العراقية لأن اعتماد «الغموض البناء» في اعادة صياغة بعض الفقرات سيكون هو المخرج. ويرى المصدر ان ذلك يعني بطبيعة الحال، الحفاظ على وحدة مجلس الأمن وصدور قرار جديد وعودة المفتشين الى العراق. إلا انه يعترف بانه «تأجيل» لمشكلة ستعود للظهور بعد ايام او اسابيع.